كشف تقرير نشرته "وول ستريت جورنال" عن الدور المحوري الذي لعبه مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي رون ديرمر في إدخال تعديلات اللحظة الأخيرة على اتفاق غزة، منحت إسرائيل مكاسب إضافية وأغضبت المسؤولين العرب الذين دعموا الصفقة. وفي الوقت الذي كان بنيامين نتنياهو يعلن أن أقرب مستشاريه يستعد لمغادرة الحياة الحكومية بعد أكثر من عقدين، كان اسم ديرمر يرتبط بأكثر الملفات حساسية: "اتفاق إنهاء حرب غزة"، الذي حمل بصماته بوضوح في مراحله النهائية.
التعديلات الحاسمة
وذكرت الصحيفة أن ديرمر كان يزور واشنطن بمعدل مرة كل شهر خلال الشهور السابقة للاتفاق. وفي الأسبوع الذي سبق خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، جلس لساعات مع مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف وصهره جاريد كوشنر لصياغة البنود النهائية. وبفضل إصراره، فُرضت تعديلات أخيرة لمصلحة إسرائيل، وهذا ما أثار استياء العواصم العربية المعنية.
وبرز تأثير ديرمر في لحظة الإعلان، حين قاطع ترامب خطابه مرتين موجهاً كلامه إلى الصف الأمامي: "صحيح يا رون؟". كان ذلك الرجل هو ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية والمستشار الأقرب لنتنياهو، وعراب العلاقة المباشرة مع ترامب.
وبالرغم من أنه نادراً ما يظهر علناً في إسرائيل، فإن ديرمر يُعتبر من أكثر السياسيين المولودين في الولايات المتحدة نفوذاً؛ إذ لعب دوراً مركزياً في الحفاظ على دعم واشنطن للحرب، ودفع نحو اتفاق أنهى القتال وفق شروط إسرائيلية إلى حد كبير.
رهان اليمين الأميركي
ويصف مقربون ديرمر بأنه يتحدث لغة ترامب بطلاقة. وقد أورد نتنياهو في مذكراته في العام 2022 كيف شبه ديرمر مسارات السلام بمسافات في لعبة الغولف: مع الإمارات "خمسة أقدام"، مع السعودية "ثلاثون قدماً"، أما مع الفلسطينيين فهو "ضربة مستحيلة عبر جدار من الطوب".
لكن وراء هذه الصورة تقف استراتيجية عمرها عقد كامل: الرهان على اليمين الجمهوري والإنجيليين ركيزةً للتحالف مع إسرائيل، ولو على حساب الديمقراطيين. ففي العام 2021، صرح ديرمر قائلاً: "العمود الفقري لدعم إسرائيل في الولايات المتحدة هم المسيحيون الإنجيليون، أكثر مما هو اليهود الأميركيون". هذه المقاربة، وفق الصحيفة، ضمنت دعماً قوياً خلال الحرب، لكنها وضعت تل أبيب في موقع هش على المدى البعيد.
وخلال توليه منصب السفير في واشنطن بين 2013 و2021، اتُّهم ديرمر بتسييس العلاقة لمصلحة الجمهوريين. وبلغ التوتر ذروته في العام 2015، حين كتب خطاب نتنياهو الشهير أمام الكونغرس ضد الاتفاق النووي الإيراني متحدياً إدارة باراك أوباما. وأكدت مصادر إسرائيلية أن إدارة بايدن ظلت تذكر الإسرائيليين بهذه الحادثة حتى العام 2021، باعتبارها "جرحاً لم يلتئم".
تحذيرات من "رهان أحادي"
وهذا التوجه أثار انتقادات واسعة. وقال آفيشاي بن ساسون-غورديس، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب: "حين تكون الانتخابات الأميركية أقرب إلى رمية عملة معدنية، فإن ربط مصير إسرائيل بحزب واحد خطوة محفوفة بالمخاطر".
أما آرون ديفيد ميلر، الباحث في مؤسسة كارنيغي، فاعتبر أن إسرائيل وضعت نفسها في زاوية: "لا يوجد مكان آخر يمكن أن يذهب إليه بيبي. إذا انقلب ترامب عليه، فإن الاستثمار في الجمهوريين والإنجيليين سيكون في غير محله".
وواجه ديرمر انتقادات عربية ومصرية خلال قيادته الفريق المفاوض حول غزة هذا العام، حيث اعتُبر أنه يعرقل التقدم. وفي الداخل الإسرائيلي، خرجت عائلات الأسرى للتظاهر أمام منزله متهمةً إياه بالمماطلة خدمة لبقاء نتنياهو السياسي. أحد الآباء قال إنه خرج من اجتماع معه بشعور أنه "لم يُسمح له بكلمة واحدة".
كما ذكرت مصادر أن زوجته رادا طالبت منذ سنوات بخروجه من السياسة، بعد أن تحولت حياته العائلية إلى هدف لغضب المحتجين. ومع ذلك، ظل يحظى بثقة نتنياهو الذي يعتبره أقرب مستشاريه وأكثرهم ولاءً.
مسيرة مثيرة للجدل
ارتبط اسم ديرمر بعدد من المحطات المفصلية: ففي العام 2012 رتّب زيارة المرشح الجمهوري ميت رومني لإسرائيل في مواجهة أوباما، وفي 2013 شارك في فعاليات "التحالف اليهودي الجمهوري" بدعوة من شيلدون أديلسون، ثم كتب خطاب نتنياهو في الكونغرس في العام 2015 ضد الاتفاق النووي الإيراني، متحدياً البيت الأبيض، وهو ما جعله "شخصاً غير مرغوب فيه " لدى الديمقراطيين لسنوات. هذه المحطات عمّقت الانقسام داخل السياسة الأميركية بشأن إسرائيل، بعد أن كانت العلاقات تاريخياً قائمة على دعم الحزبين.
