انتهت صلاحية الاتفاق النووي والقرار الأممي رقم 2231، يوم السبت الماضي 18 تشرين الأول/ أكتوبر، ولكن من منظورين مختلفين. فكل من روسيا والصين تعتقدان أنه مع انتهاء مهلة الاتفاق النووي، ستُرفع جميع العقوبات تلقائياً بسبب التزام إيران بتعهداتها، في حين تعتقد الترويكا الأوروبية أن إيران لم تلتزم بتعهداتها التي نص عليها القرار 2231، وقد أعادوا تفعيل جميع العقوبات من خلال تشغيل آلية الزناد، حيث تدور المشكلة الأساسية حول مدى شرعية تفعيل هذه الآلية.
وتصل أهمية هذه الآلية لدرجة أصبحت موضوعاً للنزاع بين وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف ووزير الخارجية الإيرانية الأسبق، محمد جواد ظريف.
ابتكار ظريف
وادعى وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، في مؤتمر صحفي مع وسائل إعلام عربية يوم الأربعاء الماضي، أن "آلية الزناد" هي من ابتكار وزير الخارجية الإيرانية الأسبق، قائلاً إن الوفد الروسي فوجئ بها.
وتحدث لافروف في هذا المؤتمر الصحفي على نحوٍ قاطع عن التزام إيران بتعهداتها، وعن عدم قانونية عودة العقوبات، لكن اتهامه لظريف قوبل برد فعل من ظريف والإصلاحيين.
ورأت وسائل إعلامية محافظة ووسائل مقربة من الحرس الثوري في هذه التصريحات فرصة مناسبة للتسوية السياسية مع التيار الإصلاحي الداعم للاتفاق النووي، خصوصاً الرئيس السابق روحاني ووزير خارجيته ظريف.
ووجهت وكالات الأنباء التابعة للحرس الثوري، التي كانت تنتقد هذا الاتفاق منذ إبرامه في العام 2015 بالرغم من موافقة البرلمان والقيادة، انتقاداتها مرة أخرى للاتفاق بسبب افتقاره للضمانات الكافية، ولتفعيل "آلية الزناد" وعودة العقوبات بعد عشر سنوات بالرغم من التزام إيران بتعهداتها.
واعتبرت بعض وسائل الإعلام المحافظة، من دون الإشارة إلى القرارات الستة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على إيران خلال فترة رئاسة أحمدي نجاد، أن الاتفاق النووي تسبب باضرار جسيمة لإيران، ووصفت محمد جواد ظريف وحكومة روحاني بالخونة، مطالبةً بمحاكمة ظريف.
ولا شك في أن المحافظين غاضبون جداً من الدور الذي لعبه ظريف في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وفوز الرئيس مسعود بزشكيان. لقد دمر تدخل ظريف خلال شهرين من الحملة الانتخابية جميع مخططاتهم لانتصار رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، وقوّض خط التوافق مع الشرق.
وبذل المحافظون كل جهدهم لمنع فوز مرشح الإصلاحيين الذين لا يخفون رغبتهم في تطبيع العلاقات مع الغرب والولايات المتحدة، لكن الدعم المستمر لظريف، الذي يتمتع بقاعدة شعبية واسعة، أحبط جهودهم.
ظريف يرد على لافروف
بعد يومين من تصريحات لافروف في موسكو، رد جواد ظريف في تجمع شعبي في مدينة تبريز ووصف ادعاءاته بالكاذبة.
وقال ظريف: "كشف الروس عن زيارة قاسم سليماني إلى موسكو - ولقائه بوتين لكسب دعم روسيا في سوريا - وعن إرسال الطائرات المسيرة الإيرانية من نوع "شاهد" إلى روسيا خلال حرب أوكرانيا".
وأضاف ظريف: "ما زلت أؤمن بالعلاقات الاستراتيجية مع روسيا والصين، لكنهم لا يفعلون شيئاً من أجلنا. الروس يعلنون سياستهم بصراحة. روسيا دولة مهمة في جوارنا، لكن لديها خطان أحمران: الأول هو أن إيران يجب ألا تكون لها علاقات هادئة مع العالم أبداً، والثاني هو أنه يجب ألا تدخل إيران في صراع مع العالم. ولهذا السبب كانت روسيا تدعم اتفاقية جنيف المؤقتة، لأنها أبقت جرحاً مفتوحاً ومنعت أيضاً الصراع."
المحافظون يهددون ظريف
كان رد ظريف على نظيره السابق لافروف ثقيلاً على التيار المحافظ المؤيد للروس حيث طلب مجتبى زارعي، عضو لجنة الأمن الوطني في البرلمان الإيراني، من ظريف أن يلتزم الصمت بعد أن أعلنت روسيا، بصفتها الرئيس الدوري لمجلس الأمن، انتهاء مهلة الاتفاق النووي وإلغاء العقوبات، وأن يفضل المصالح الوطنية على الدفاع عن نفسه، وإذا استمر فإن على النائب العام ملاحقته بسبب الإضرار بالمصالح الوطنية.
موقف روسيا والصين
يأتي الخلاف بين لافروف وظريف في وقت تعتقد فيه القوتان العالميتان الكبيرتان، الصين وروسيا، أن تفعيل آلية "الزناد" من قبل الترويكا الأوروبية غير قانوني، وأن جميع عقوبات إيران سوف تُرفع تلقائياً اعتباراً من 18 تشرين الأول/ أكتوبر.
وأكدت الخارجية الروسية أيضاً يوم الجمعة الماضي أن مهلة القرار 2231 قد انتهت، وأن عقوبات إيران سوف تُرفع، وأن إعادة العقوبات غير قانونية.
ووصفت وزارة الخارجية الروسية "المحاولات الهجومية" للدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا) لإحياء عقوبات مجلس الأمن ضد إيران بأنها "فاشلة".
واعتبرت موسكو هذه الإجراءات "غير قانونية" و"انتهاكاً صارخاً" للقرار، مؤكدةً أن ادعاءات أوروبا بتفعيل "آلية الزناد" تفتقر إلى الصدقيّة بسبب الانتهاكات الجسيمة من قبل هذه الدول، وعدم الالتزام بالإجراءات اللازمة.
وجاء في البيان: "الأطراف التي تنتهك الاتفاق على نحوٍ منهجي لا يمكنها الاستفادة من آلياته."
وفي السياق نفسه، قدمت الدول الثلاث إيران وروسيا والصين رسالة مشتركة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن حول انتهاء العمل بالقرار 2231.
ويبدو أن إيران تمكنت من تخفيف الضغط الناتج عن تفعيل الترويكا الأوروبية لـِ "آلية الزناد" عبر كسب دعم روسيا والصين و120 دولة عضو في حركة عدم الانحياز. كما ساعدت إيران في هذا الإطار التصرفات المتشددة للرئيس الأميركي تجاه الصين بشأن الرسوم الجمركية، ودعمه العسكري المتزايد لأوكرانيا في حربها مع روسيا.
كان تأثير الموقف الداعم لروسيا والصين لإيران إيجابياً على الاقتصاد الإيراني في 18 تشرين الأول/ أكتوبر، وهو تاريخ انتهاء الاتفاق النووي. فقد شهد سعر صرف الدولار مقابل الريال الإيراني اتجاها نزولياً، وهو مؤشر واضح على الآفاق المتوقعة للمستقبل لدى النظام الايراني. في الوقت نفسه، ارتفع مؤشر بورصة طهران للأوراق المالية 2.57 في المئة.
