ليس لروسيا مصلحة بالفوضى في سوريا

ناصر زيدانالجمعة 2025/10/17
بوتين الشرع
Getty
حجم الخط
مشاركة عبر

على عكس ما يتمّ ترويجه بأن روسيا تسعى لإحلال الفوضى في سوريا، بعد أن فقدت امتيازات كثيرة فيها بسقوط النظام السابق في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024؛ فإن مصالح موسكو تتوافر من خلال الاستقرار، حيث لم يعثُر قادة الكرملين على بديل عن الساحة السورية لإقامة قواعد تحمي حضورهم السياسي والاستراتيجي واستثماراتهم الاقتصادية والنفطية، بينما الإدارة السورية الجديدة بدت مُتفهِّمة للطموحات الروسية، ولم يصدر عنها ما يمكن أن يؤسس لخلاف مستقبلي كبير.

زيارة الرئيس الروسي أحمد الشرع الى موسكو في هذه اللحظة الحساسة من حياة المنطقة، لها خصائصها، وفيها الكثير من المؤشرات والدلائل، وهي جاءت في ذات التوقيت الذي كانت ستحصل فيه القمة الروسية – العربية، والقمة تأجلت بسبب ما رافق اعلان وقف النار في قطاع غزة، و"الجَمعَة" الدولية الكبيرة التي حصلت في شرم الشيخ.

لكن الشرع الذي لم يُدعى الى هذه الجَمعَة، أصرّ على الذهاب الى روسيا، وبدت زيارته كأنها "بدل عن ضائع". وفي القضايا التي طرحت بينه وبين الرئيس فلاديمير بوتين؛ اختصار لسياق العلاقات بين العرب وروسيا، فما ينطبق على سوريا في هذا السياق؛ قد يُشبه ما ينطبق على دول عربية كثيرة، لا سيما في مجالات التعاون المُتاحة والمنشودة في مرافق الطاقة والصحة والنقل والسياحة.

 

الخصائص المضافة للمباحثات الروسية – السورية تتعلَّق بتشعبات الملف الأمني والعسكري، واصطحاب الشرع لوزيري الخارجية والدفاع أسعد الشيباني ومرهف أبو قصرة، ولمدير المخابرات حسين سلامة معه؛ ليس تفصيلاً بروتوكولياً، إنما خياراً مدروساً، وهو يتلاءم مع سعيه لتأمين مستلزمات التسليح والتجهيز للجيش السوري والتي هي روسية بمعظمها، ويستحيل على الإدارة الجديدة تأمين بديل عنها خلال الفترة القريبة المقبلة، لأسباب مالية، ولأسباب تدريبة وتأهيلية. وهناك ملف أمني مرتبط بما يُحكى عن مساعدات يمكن أن تُقدَّم لفلول النظام البائد، وهؤلاء ما زالوا على تواصل مع قياداتهم السابقة، وعدد من قادة هذا النظام لجأوا الى روسيا. ويبقى الأهم في سياق البحث العسكري والاستراتيجي، هو مستقبل ودور القواعد الروسية في مطار حميميم وفي ميناء طرطوس البحري.

 

بالغ المعارضون للزيارة من السوريين وغير السوريين في التشويش عليها، سواءً لناحية اعتبارها مدّ اليد الى عدو سابق أصاب بالإذية المعارضة العارمة لنظام الأسد، أو لناحية إشارتهم إلى أفول الدور الروسي، واعتباره لم يعُد مؤثراً في المنطقة على الاطلاق.

فالدول لا تُدارُ بالنكايات وردود الفعل والنكد، وقد وَقَعَ هؤلاء المتشائمون في فخّ سوء تقدير حجم التأثير الروسي على المستوى الدولي، فروسيا عضو دائم في مجلس الأمن، ويمكنها استخدام حق النقض (فيتو) ضد مشروع قرار رفع العقوبات عن الشرع المطروح حالياً أمام المجلس على سبيل المثال، وفي اعتبار بعض الانكفاء المؤقت كأنه هزيمة.

 

وقد يكون أحد أهم أسباب تراجع وهج الدور الروسي في المنطقة، الانشغال بحرب أوكرانيا، ودوافع أخرى تتعلَّق بعدم الرغبة بالمشاركة بأي صدام على الساحة السورية، وهناك معطيات تؤكد أن روسيا كانت قادرة على إرباك الثورة قبل الوصول الى النصر، وعلى إيجاد متاعب للإدارة الجديدة في الساحل وفي الشمال وفي الجنوب، نظراً لما لها من صداقات وازنة مع مؤثرين في تلك المناطق، لكنها لم تفعل ذلك قط.

 

المعطيات أو المعلومات المتوافرة، تُشير الى حصول تفاهُم بين القيادتين الروسية والسورية على تنظيم التباينات القائمة على بعض الملفات الحساسة – ومنها استضافة موسكو للرئيس المخلوع بشار الأسد – كما الاتفاق على بقاء القواعد العسكرية الروسية في سوريا، مع لحظ تطوير مهامها لتقوم بدور إنساني وإغاثي في سوريا، وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما أكده وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، وتجديد حزمة واسعة من الاتفاقيات التي تتعلَّق بالتعاون في قطاعات النقل والطاقة والزراعة والصحة، والإسراع بتسليم كميات النقد الجديدة التي يتم تجهيزها في المطابع الروسية.

 

ويبدو أن دمشق حصلت على تفهُّم موسكو لمقارباتها الانفتاحية الجديدة على الغرب، وعلى توسيع منسوب التأثير العربي والتركي في البلاد، وعلى تأييد وحدة الدولة. مقابل تأكيد القيادة السورية الجديدة على الاستمرار بالتعاون مع روسيا في المستقبل، وعدم احداث تبديل جذري لأسلحة الجيش السوري الروسية. وقيل من مصادر متابعة؛ إن دمشق طلبت من موسكو تقديم نصائح لبعض الأطراف الداخلية السورية التي ما زالت خارج نفوذ الحكومة المركزية، خصوصاً في الشمال وفي السويداء، وتمنَّت على موسكو لعب دور للحد من الجنوح العدواني الإسرائيلي، وضبط تدخلات تل أبيب في الشأن السوري الداخلي، وهو ما قد يفتح الباب أمام تجديد اتفاقية الهدنة للعام 1974، من دون تعديلات جوهرية عليها.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث