لا يزال الهدوء الحذر سيد المشهد في محيط حيي الشيخ مقصود والأشرفية شمالي مدينة حلب، بعد توتر عسكري وأمني شهده الحيان في السادس من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، إثر اشتباكات عنيفة اندلعت بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) أسفرت عن قتلى وجرحى من المدنيين والعسكريين.
ورغم إعلان وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة عن اتفاق لوقف شامل لإطلاق النار مع "قسد" بعد ساعات من الاشتباكات فإن التحركات العسكرية مستمرة على خطوط التماس بين الجيش السوري ومقاتلي "قسد"، وفق مصادر ميدانية ومحلية في مدينة حلب، وسط تحذيرات من نتائج كارثية على المدنيين.
تأهب عسكري
مصدر عسكري سوري (رفض الكشف عن اسمه) أكد أن "قسد" مستمرة في التأهب عسكرياً على أطراف الحيين من خلال نشر مدافع قذائف الهاون والقناصة على أسطح الأبنية، محذراً من مغبة أي تصعيد جديد في حلب.
وقال المصدر لـ"المدن"، إن الجيش السوري ملتزم إلى أعلى الدرجات بوقف إطلاق النار الذي أعلن عنه وزير الدفاع أبو قصرة، لافتاً إلى أهمية التزام الطرف الآخر بالاتفاق واستكمال تنفيذ بنود الاتفاقيات السابقة الخاصة بالحيين، سيما المتعلقة بانسحاب "قسد" منهما إلى شرقي الفرات.
اتهامات الحصار
بالمقابل، تتهم "الإدارة الذاتية" الحكومة السورية باستهداف المدنيين في حيي الشيخ مقصود والأشرفية، وفرض حصار على السكان، بهدف إخضاع الأهالي لسلطتها.
وقال نوري شيخ الرئيس المشترك للمجلس العام لأحياء الشيخ مقصود والأشرفية، إن الحكومة السورية مستمرة بقطع الطرق والانترنت والكهرباء ومنع مرور البضائع والمواد الأساسية لسكان الحيين.
وتحدث شيخ، في حديث لوكالة "هاوار نيوز" عن أن "الإدارة الذاتية" في حلب "تعمل على جميع المستويات وعلى مدار الساعة لتذليل كافة العقبات الموضوعة من أجل فتح الطرقات التي تعتبر أحد المطالب الأساسية للشعب".
وتسبب اندلاع الاشتباكات الأخيرة بحركة نزوح واسعة للمدنيين من الحيين نحو مناطق سيطرة الحكومة السورية في حلب، وسط مخاوف من عودة الصراع العسكري.
وقال النازح من حي الأشرفية حسام أبو محمد، إنه خرج مع عائلته بعد إعادة الحكومة السورية فتح الطرق أمام الأهالي، مشيراً إلى أنه يقيم حالياً في منزل شقيقه المغترب، ريثما تهدأ الأوضاع الأمنية في محيطة منزله.
ونفى أبو محمد في حديث لـ"المدن" أن تكون الحكومة السورية قد فرضت حصاراً على الحيين، لافتاً إلى أن المياه والكهرباء والبضائع متوفرة بشكل نسبي كما هو الحال في غالبية أحياء مدينة حلب.
جذور المكان والسكان
ورغم سيطرة المعارضة السورية متمثلة حينها بإدارة العمليات العسكرية على مدينة حلب في إطار عملية "ردع العدوان" التي أطاحت بنظام الأسد، فإن حيي الشيخ مقصود والأشرفية لا تزال تحت سيطرة "قسد".
وتشير المصادر إلى أن حي الشيخ مقصود تأسّس مطلع القرن التاسع عشر خلال الانتداب الفرنسي، وكان يُعرف آنذاك باسم جبل السيدة، نظراً لوجود غالبية مسيحية في المنطقة، ويُروى أن كنيسة بُنيت هناك عام 1938 لتصبح مسمى المكان لاحقاً.
ويُروى أيضاً أن تسمية "الشيخ مقصود" جاءت نسبة إلى عالم دين كردي يُدعى مقصود، من أسرة سكنت جبل السيدة، وأنه توفي عام 1952، فانتشر اسمه بين السكان فأُطلق على الحي بهذا الاسم.
والحي يقع على مرتفع استراتيجي ويشرف على أجزاء واسعة من المدينة، ويحدّه من الشرق نهر قويق ومن الغرب حي الأشرفية.
أما حي الأشرفية فبدأ يجذب السكان في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن العشرين، خاصة من قرى الريف الشمالي العربية والكردية ومن أحياء حلب القديمة، وتتحدث مصادر عن أن الحي كان يدعى بـ "التلة العظيمة"، وكانت تمثل منطقة مرتفعة حتى لم تكن الطرق المعبدة تصلها تماماً في الماضي.
ويسكن حيي الشيخ مقصود والأشرفية نحو مئة ألف شخص غالبيتهم من المكون الكردي، فضلًا عن وجود عائلات عربية، قدموا من أرياف محافظة حلب في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
