تعدّ مؤسسة الإسلام الديمقراطي إحدى أبرز المنظمات الفكرية والسياسية في شمال وشرق سوريا، التي تأسست لتقديم قراءة جديدة للإسلام تتماشى مع قيم الديمقراطية والتعايش والمواطنة، وتشكّل جزءاً من الجهود الرامية لإضفاء شرعية دينية على مشروع الإدارة الذاتية في المنطقة. كما تعمل المؤسسة على دمج الدين بالممارسة السياسية والاجتماعية، عبر خطاب ديني حديث يدعو إلى المساواة بين الجنسين، والتعايش بين المكونات الدينية، واحترام التنوع الديني.
النشأة والارتباطات السياسية
تأسست المؤسسة في أوروبا، وتحديداً في هولندا، في عام 2004 تحت مسمى مركز الإسلام الديمقراطي (Democratic Islam Center)، بدعم مباشر من قيادات كردية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني (PKK) وأفكار زعيمه عبد الله أوجلان. جاء تأسيس المؤسسة كرد فعل على ما اعتبرته قيادات كردية "تفسيرات تقليدية ومتشددة للإسلام" تعيق المشاركة السياسية والمواطنة.
بعد انطلاق الثورة في سوريا عام 2011، انتقلت نشاطات المؤسسة تدريجياً إلى شمال شرق سوريا، وافتُتح مقرها في مدينة القامشلي عام 2017 بشكل رسمي. وتتم إدارة المؤسسة برئاسة مشتركة كردية لكل من الشيخ محمد غرزني، ودلال خليل، شقيقة القيادي في حزب العمال الكردستاني الدار خليل. وتبرز هذه الرئاسة المشتركة كدلالة على الارتباط الوثيق بين المؤسسة والمشروع السياسي الأوجلاني، مع منح دلال خليل دوراً كبيرا في ربط النشاطات الفكرية بالمؤسسات الحزبية القائمة.
تعدّ المؤسسة جزءاً من شبكة منظمات رديفة لمشروع أوجلان، إلى جانب مؤتمر ستار للنساء، وحركة الشبيبة الثورية، ومؤتمر المجتمع الديمقراطي (TEV-DEM). عملياً، تعمل المؤسسة على توفير غطاء شرعي ومصداقية دينية للإدارة الذاتية، في مواجهة اتهامات خصومها بأنها حركة علمانية أو معادية للإسلام.
التمثيل الديني المتعدد
يُعتبر مؤتمر الإسلام الديمقراطي منصة متعددة المكونات الدينية، حيث لا يقتصر النشاط على الإسلام الديمقراطي فقط، بل يشمل إحياء الديانة الإيزيدية ويمثلها خلات بدر، والديانة الزردشتية برئاسة هدى شيخموس. هذا التعدد يعكس سعي الإدارة الذاتية لتعزيز مفهوم "الأمة الديمقراطية" من خلال إشراك كل المكونات الدينية في العملية الفكرية والسياسية، وتأصيل فكرة التعايش بين الأديان المختلفة.
الأهداف والأنشطة
وفقاً للأدبيات الرسمية للمؤسسة، تهدف إلى:
1. مصالحة الإسلام مع الديمقراطية، عبر قراءة جديدة للنصوص الدينية تراعي حقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، والعدالة الاجتماعية.
2. تعزيز الحوار بين المذاهب والأديان، وإشراك رجال الدين والمكونات الاجتماعية في الحياة العامة بعيداً عن الانغلاق.
3. تمثيل الأقليات والمكوّن العربي السنّي، من خلال ربط هذه المكوّنات بالخطاب الديمقراطي والإداري للإدارة الذاتية.
4. مواجهة التطرف الديني، عبر تقديم برامج ثقافية ودورات تدريبية للوعاظ والخطباء، ونشر نشرات وأبحاث فكرية لتعزيز مفهوم "الإسلام المعتدل والديمقراطي".
5. دعم التعددية الدينية، من خلال إشراك ممثلي الديانات الأخرى مثل الإيزيدية والزردشتية في المؤتمرات والنشاطات الفكرية.
على الأرض، نظمت المؤسسة مؤتمرات وندوات في مناطق شمال شرق سوريا مثل القامشلي والحسكة ودير الزور و والرقة و الطبقة ، إضافةً إلى ندوات في أوروبا (برلين، بروكسل، أمستردام). كما تدير دورات تعليمية وورش عمل تستهدف الخطباء والعاملين في المجال الديني، إلى جانب إصدار بيانات دورية حول قضايا مجتمعية ودينية.
الانتقادات والمعارضة
رغم الطرح الفكري، واجهت المؤسسة انتقادات واسعة من أطراف دينية وسياسية عدة. فالمعارضون يرون أن ما يُسمّى بـ "الإسلام الديمقراطي" ليس اجتهاداً دينياً أصيلاً، بل نسخة معدلة لتلائم أهداف المشروع السياسي للإدارة الذاتية وحزب العمال الكردستاني. ويصف البعض المؤسسة بأنها "واجهة ناعمة لتسويق مشروع الإدارة الذاتية"، وأنها تمثل محاولة لخلق "دين بديل" يخدم مشروعاً سياسياً محدداً تحت الغطاء الديني.
حالياً، تمنح الإدارة الذاتية أولوية كبيرة لمؤسسة الإسلام الديمقراطي، ما يجعلها من بين أبرز الجهات الفاعلة في المشهد السياسي المحلي في شمال شرق سوريا. وتشارك المؤسسة بشكل منتظم في فعاليات مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، حيث يُستفاد من وجودها لتأكيد حضور الإدارة الذاتية في الأوساط الدينية والاجتماعية.
الحاضر والمستقبل
وتسعى المؤسسة أيضاً إلى ترسيخ التعددية الدينية في شمال شرق سوريا، عبر دمج ممثلي الإيزيدية والزردشتية في نشاطاتها الرسمية، ما يعكس توجه الإدارة الذاتية لخلق بيئة سياسية – دينية شاملة. ومع ذلك، يظل تأثيرها محدوداً خارج مناطق السيطرة الجغرافية لـ"قسد"، خصوصاً في أوساط الجماعات الدينية التقليدية والمجتمعات العربية غير الكردية، التي تنظر إلى المؤسسة على أنها امتداد أيديولوجي لحزب العمال الكردستاني وليس كجهة دينية مستقلة.
يبقى التساؤل قائماً حول قدرة المؤسسة على بناء شرعية دينية حقيقية، تسمح لها بالاختراق المجتمعي والتأثير على الأجيال الشابة، أم أنها ستظل إطاراً دعائياً يخدم مشروع الإدارة الذاتية دون امتداد فعلي في المجتمع.
مؤسسة الإسلام الديمقراطي تمثل نموذجاً لمحاولة دمج الدين بالسياسة في إطار مشروع الإدارة الذاتية، مع إشراك ممثلي المكونات الدينية الأخرى مثل الإيزيدية والزردشتية. حضورها في المشهد السياسي والفكري أصبح ملحوظاً، مع تزايد الاهتمام الرسمي بها من قبل الإدارة الذاتية، ورعاية الرئاسة المشتركة لمحمد غرزني ودلال خليل، تعكس البعد الاستراتيجي للمؤسسة ضمن شبكة أوسع من المنظمات المرتبطة بمشروع أوجلان.
يبقى مستقبل المؤسسة مرتبطاً بقدرتها على التفاعل مع المجتمع المحلي، وبناء جسور من الثقة مع مختلف المكونات الدينية والثقافية في المنطقة، ومدى قدرتها على مواجهة الانتقادات الداخلية والخارجية، لتصبح مكوّناً مؤثراً في المشهد الديني والسياسي على حد سواء.
