أجمعت مصادر مطلعة في قطاع غزة، تحدثت إليها "المدن"، على أن تمكن حركة "حماس" من حسم أمر مسلحين من عائلة دغمش تحصنوا في مربع سكني بحي الصبرة في مدينة غزة، خلال مواجهات وقعت أمس الاثنين، لا يعني بالضرورة أن الحركة قادرة على معالجة سريعة ونهائية لمعضلة العصابات التابعة لعائلات وجهات توصف بـ"المشبوهة وطنياً"، باعتبار أنها "مهمة أمنية معقدة" لا تُحسم في فترة قصيرة.
الردع.. وإثبات القوة
وأكدت المصادر أن "حماس" سبق أن دخلت في مواجهة مع عائلة دغمش وقتلت أفرادا منها عام 2014، وبالتالي لم يكن الصدام المسلح بينهما، الأول من نوعه، لكن المفارقة أن ما خلفته الحرب من فوضى وفلتان أمني وظروف إنسانية في غاية التعقيد، جعلت السياق مختلفاً كثيراً، خصوصاً أن "حماس" تتهم مسلحين من العائلة بسرقة شاحنات المساعدات وقتل نازحين "تحت غطاء إسرائيلي".
وأكد مصدر من "حماس"، لـ"المدن"، أن الحركة أرادت فور سريان اتفاق وقف الحرب، أن توجه ضربة سريعة للعصابة المشكلة من أفراد من عائلة دغمش؛ بهدف "محاسبتها على أفعالها طيلة الحرب، من نهب للمساعدات وقتل منتظريها". ولم يُخفِ المصدر أن الحركة أرادت جعل تعاملها الأمني مع دغمش، "عبرة" لردع وترهيب باقي العائلات والميليشيات. ورغم إقراره بأن المهمة طويلة وتواجه صعوبات، إلا أنه شدد على أن الحركة مصرّة على حسم أمر العصابات بكل الوسائل.
وبالتأكيد، ثمة دافع آخر لمسارعة "حماس" إلى مواجهة العصابات بالسلاح، ويكمن برغبتها في توجيه رسالة للداخل والخارج، مفادها "أنها ما زالت القوة الوحيدة في القطاع، رغم كل شيء". واللافت هنا، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب رد على سؤال بشأن المواجهة بين "حماس" وتلك المجموعات، بالقول إن أميركا "فوضت حماس مؤقتاً.. لضبط الأمن في القطاع".
وكانت قوة من وحدة "سهم" التابعة لـ"حماس"، اشتبكت في وقت سابق من هذا الشهر، مع عائلة المجايدة في خانيونس، على إثر اتهام مسلحين من العائلة بسرقة المساعدات ونشر الفوضى، ما أسفر عن قتلى وإصابات في صفوف الطرفين.
أبرز العصابات.. وأماكنها؟
تبدو مسألة الميليشيات والمجموعات المسلحة في القطاع، مركّبة ومعقدة وبأكثر من رأس، حيث نشأت وتصاعدت خلال العدوان الإسرائيلي على مدار عامين، مستفيدة من حالة الفوضى والظروف الإنسانية المعقدة، إلى جانب تلقي منظومة الأمن والشرطة ضربات كبيرة جراء استهدافات الاحتلال، مروراً بتقديم الاحتلال دعماً مباشراً أو غير مباشر لعدة مجموعات.
وأكد خبير أمني في القطاع لـ"المدن"، أن ثمة إشكالية تعترض القضاء التام على بعض الميليشيات في هذه المرحلة، نظراً لوجودها في أماكن سيطرة جيش الاحتلال وتلقيها دعماً منه، مثل ميليشيا ياسر أبو شباب التي تتموضع في منطقة الشوكة شرقي رفح، وميليشيا يونس الأسطل الموجودة في جنوب شرق خانيونس، وميليشيا رامي حلس بالشجاعية شرقي مدينة غزة، إضافة إلى مجموعات أخرى تتبع عائلات في عدة مناطق.
حكاية التشكّل.. والمهام
وبيّن الخبير الأمني أن حكاية بعض المجموعات بدأت خلال وجود أفرادها في سجون غزة قبل الحرب، بتهم جنائية وأمنية، وعند تمكنهم من الخروج من السجن على إثر الحرب، فإن الأمر سهّل لهم تشكيلٍ سريع للعصابات؛ لأنهم يعرفون بعضهم. ووفق المصدر، فإن ذلك شجّع الاحتلال على دعم هذه المجموعات وتسهيل حركتها، بل وتشغيلها لصالح مهام يريدها.
وطرحت بعض المجموعات نفسها في بداية الحرب، كميليشيا أبو شباب مثلاً، على أنها "حامية للمساعدات من النهب"، ثم تكشفت لاحقا مآربها العابرة لذلك، فأعلنت صراحة أنها قررت قتال "حماس".
وأضاف المصدر الأمني أن إسرائيل تختار التعامل مع أشخاص منبوذين مجتمعياً ووطنياً وغير متعلمين، ولديهم قدرة على تشكيل العصابات، بما يكرس هدف الاحتلال بجعل غزة غير آمنة أو قابلة للسكن، حيث أسس لصعود هذه الميليشيات لقتال "حماس".
وليس مستغرباً أن تل أبيب وصفت مجموعة أبو شباب في البداية ب"داعشية"؛ فهي تريد صياغة الخيوط لمنحها مبررات العودة إلى الحرب على القطاع وقتما وكيفما شاءت. ووفق المصدر، فإن ياسر أبو شباب، تعرّف على يونس الأسطل، خلال وجودها في السجن قبل الحرب، وهو ما يعزز الاستنتاج بأنهما يعملان في نفس سياق المهمة والتوجه.
أكثر من معيق!
ورغم تموضع مجموعة أبو شباب في رفح، إلا أنها نفذت مهام في مواقع متقدمة، كالاشتباك أو محاولة خطف وقتل مقاومين في خانيونس ومناطق أخرى، خلال الأشهر الأخيرة للحرب، كما يبرز سيناريو خطير باحتمال تحول العصابات المسلحة إلى خلايا تعيش بين المواطنين خلال وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس"، ثم تقوم بتنفيذ عمليات قتل وأخرى مشبوهة، وفق مصادر "المدن".
ومن بين التحديات أيضاً، أن الداخلية في غزة بعد سنتين من الحرب، لم تعُد قائمة كمنظومة أمن كالسابق؛ بسبب تدمير مراكزها واغتيال قادتها، وفقدانها وسائل الاتصال والأمور اللوجستية اللازمة. وأكدت مصادر محلية لـ"المدن"، أن هناك حاجة لعدد أكبر من أفراد الشرطة لضبط الأمن، مع أن الحركة قادرة على تحشيد الكثير من عناصرها وتسليحهم، عدا عن أنه لا يوجد مراكز احتجاز بعد تدمير الاحتلال للمقار الأمنية والسجون.
تحذيرٌ من الاندفاع.. والانتقام
لكنّ مصدراً من حركة "الجهاد الإسلامي" في غزة، حذّر من نهج الاندفاع والانتقام في مواجهة الميليشيات؛ لأنها "ليست كلها متعاونة مع الاحتلال"، داعياً أمن "حماس" إلى إصدار "عفو مؤقت" عن ضالعين في العصابات، لتشجيعهم على الخروج منها والعودة إلى الصواب؛ خصوصاً أن بعضهم "تذرع بالعمل فيها مضطراً لتأمين قوت يومه"، وهناك من لم يتجاوز عمره الـ17 عاماً.
ورأى المصدر أن ما تقوم به "حماس" الآن، يحل جزءاً من المشكلة، لكن المعالجة الأمنية الكاملة مرهونة بانسحاب كامل لقوات الاحتلال، ووقف دعمها وغطائها للميليشيات.
