في زيارة وُصفت بأنها "مفصلية"، طرح المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم باراك، خلال لقائه مع القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، في الحسكة، مشروعاً لتشكيل قوة عسكرية مشتركة من عناصر "قسد" والجيش السوري، على أن تتولى الولايات المتحدة تدريبها في الأردن والإشراف المباشر على مهامها.
التحرك الأميركي الجديد أثار موجة من الترقب والحذر في الأوساط المحلية بمحافظة ديرالزور، التي يُرجَّح أن تكون أولى المناطق التي سيجري فيها تنفيذ هذا المشروع، وسط مؤشرات متزايدة على نية "قسد" الانسحاب تدريجياً من المحافظة.
فراغ أمني وتراجع التحصينات
ميدانياً، بدأت تتضح ملامح هذا الانسحاب. فقد رُصد خلال الأيام الماضية انسحاب فوج الصبحة والسوسة، وهما من أكبر النقاط العسكرية التابعة لـ"قسد" في الريف الشرقي لديرالزور، ما تسبب بفراغ أمني جزئي في بعض المناطق الحساسة.
ولم تُسجَّل في الأسابيع الأخيرة أي عمليات تحصين ولم تقُم "قسد" بحفر خنادق داخل ديرالزور، بخلاف ما يحدث في الحسكة والرقة والقامشلي، حيث تتواصل أعمال التحصين بوتيرة مرتفعة.
وأكدت مصادر محلية في ديرالزور، لـ"المدن"، أن هذه التطورات "تعكس توجّهاً منظماً نحو إعادة التموضع العسكري أكثر من كونها تحركات تكتيكية مؤقتة".
إشارات سياسية واضحة
سياسياً، تتجه "قسد" نحو تقليص وجودها الإداري والعسكري في ديرالزور، في ما يبدو أنه خطة انسحاب منسقة مع الجهود الأميركية لإعادة ترتيب الوجود الأمني بين دمشق وواشنطن.
ولم تُبدِ الإدارة الذاتية أي اعتراض على فكرة تسليم ملف النفط في ديرالزور، ما يوحي بقبول مبدئي بتقاسم النفوذ، تمهيداً لدور مشترك في القوة الجديدة المقترحة.
في المقابل، لا تزال السلطات المحلية والعشائر العربية، بانتظار توضيحات حول موعد أو طريقة الانسحاب وكيف ستدير المنطقة بعد الانسحاب، في ظل غياب أي إطار إداري بديل واضح حتى الآن.
اقتصاد منهك ووعود غير منفذة
على الصعيد الاقتصادي، فرضت "قسد" قبل نحو شهر، مبلغاً قدره 375 ألف دولار شهرياً، تحت عنوان: "دعم مشاريع البنية التحتية في ديرالزور"، إلا أن الأموال لم تُصرف حتى اللحظة، ما أثار استياءً واسعاً بين السكان المحليين، وعزز فكرة انسحاب "قسد" من ديرالزور.
بالتوازي، باشرت "قسد" نقل معدات وتجهيزات من معامل المنطقة الصناعية ومن حقل كونيكو النفطي إلى الحسكة، في خطوة اعتبرها مراقبون "تجسيداً عملياً لمرحلة الانسحاب الاقتصادي والإداري".
مخاوف اجتماعية وتباين في المواقف
اجتماعياً، يعيش سكان ديرالزور حالة من القلق والغموض تجاه مستقبل منطقتهم. وتخشى بعض العشائر العربية من عودة الفوضى الأمنية أو دخول قوات غير محلية إلى المنطقة، بينما يرى آخرون أن انسحاب "قسد" قد يخفف من الاحتقان الشعبي الناتج عن السياسات الإدارية والجباية.
وبين الموقفين، يبرز إجماع عام على ضرورة إيجاد حل سريع وأكثر توازناً، يحفظ الأمن وتمنع انهيار الخدمات.
وتشير المعطيات الميدانية والسياسية إلى أن "قسد" تتجه فعلياً نحو الانسحاب من ديرالزور، في إطار اتفاق غير معلن تشرف عليه واشنطن، لإعادة توزيع السيطرة الأمنية بين الحكومة السورية و"قسد".
وتأتي الخطوة ضمن مشروع أميركي أوسع لإعادة هيكلة النفوذ شرق الفرات بما يضمن استمرار الاستقرار النسبي، ويُخفف من التصعيد العشائري.
وبينما تتهيأ ديرالزور لهذه المرحلة الجديدة، يبدو أن الفراغ الإداري والأمني المقبل، سيحدد شكل المعادلة القادمة، في منطقة ظلت لعقد كامل مسرحاً لتقاطع المصالح بين القوى المحلية والدولية.
