شهدت مدينة شرم الشيخ المصرية، اليوم الاثنين، توقيع وثيقة شاملة بشأن الاتفاق بين إسرائيل وحركة "حماس"، وذلك خلال قمة شرم الشيخ للسلام التي عُقدت برئاسة مشتركة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الأميركي دونالد ترامب، وبمشاركة أكثر من 31 من قادة الدول والمنظمات الإقليمية والدولية.
ووقع على الوثيقة رؤساء وزعماء كل من الولايات المتحدة ومصر وتركيا وقطر، لتكون إطاراً سياسياً لترتيبات ما بعد وقف إطلاق النار في غزة، ومرحلة جديدة من جهود السلام الإقليمي.
إشادات ودعم دولي للقمة
في كلمته الافتتاحية، وجه الرئيس الأميركي الشكر لنظيره المصري، قائلاً إن السيسي يقود دولة ذات حضارة عريقة تمتد لسبعة آلاف عام. كما أشاد بتركيا وقيادة رئيسها رجب طيب أردوغان، واصفاً إياه بأنه "رجل مذهل وصديق رائع"، مضيفاً أن تركيا "تملك أحد أفضل الجيوش في العالم".
ولم يغِب عن خطابه الثناء على قطر، حيث وصف أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بأنه "قائد مذهل"، مشيداً بدور الدوحة في إنجاح الاتفاق. وقبيل القمة، قال ترامب في تصريحات لقناة "فوكس نيوز" إن قطر والسعودية والإمارات "كانت عظيمة إلى جانب الأردن ومصر"، مضيفاً: "حققنا نجاحاً كبيراً، وكثير من الدول كانت تريد التوصل إلى اتفاق.. نمر بفترة مميزة في الشرق الأوسط".
من جانبه، أكد الرئيس المصري أن اتفاق غزة "إنجاز رائع"، مثمناً دور ترامب، ومشدداً على أهمية ضمان دخول المساعدات الإنسانية وتسليم جثامين الرهائن الإسرائيليين، معتبراً أن "ترامب هو الوحيد القادر على تحقيق السلام في المنطقة".
ختام القمة
وفي الختام، أكد الرئيس الأميركي أن الوثيقة التي تم توقيعها بين قادة المنطقة تعدّ "تاريخية"، مشيراً إلى أنها حققت ما اعتبره الجميع مستحيلاً وهو "السلام في الشرق الأوسط".
وقال ترامب: "الوثيقة التي وقعناها للتو تاريخية. حققنا معاً ما قال الجميع إنه مستحيل وهو السلام في الشرق الأوسط. الحرب في غزة انتهت والمساعدات بدأت في التدفق"، وأشار إلى أن مرحلة إعادة بناء غزة "قد تكون الأصعب"، لكنه لفت إلى أن "بلداناً غنية أبلغتني رغبتها في المساعدة بإعادة إعمار قطاع غزة".
وأعرب الرئيس الأميركي عن تقديره للدول العربية والإسلامية التي ساهمت في تحقيق هذه الانفراجة، قائلاً: "أشكر الدول العربية والإسلامية التي مكنتنا من تحقيق هذه الانفراجة. أشكر بشكل خاص أمير دولة قطر وهو رجل استثنائي يحظى باحترام عظيم".
ووصف ترامب الاتفاق بأنه بداية لشرق أوسط جديد، "أنهينا الحرب في غزة وهذا سيكون بداية لشرق أوسط قوي يعيش في سلام وينبذ الإرهاب. الخطوات الأولى نحو السلام هي الأصعب. عودة الرهائن أمر مذهل والشعب الإسرائيلي يشعر بفرح غامر".
ودعا جميع الأطراف للانضمام إلى مسار السلام "أتمنى من الجميع الانضمام إلى اتفاقات أبراهام. الزخم الآن هو باتجاه تحقيق سلام دائم في المنطقة. كثيرون يرغبون في الانضمام لمجلس السلام بشأن غزة وقد نحتاج إلى توسيعه".
وختم ترامب بالتأكيد على أن الاتفاق هو الأهم في العصر الحديث "اتفقنا على ضرورة دعم غزة ولا نريد أن نمول أي شيء يتعلق بالتحريض على الكراهية وإراقة الدماء. نريد أن تكون غزة منزوعة السلاح وأن يكون الشرق الأوسط مكاناً آمناً. لن تحدث حرب عالمية ثالثة في الشرق الأوسط. للمرة الأولى لدينا فرصة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. هذه الصفقة هي الأعظم على الإطلاق. نريد أن تحل الحياة محل الموت، والانسجام محل الكراهية، والوحدة محل الانقسام".
بنود الاتفاق وآفاق المرحلة المقبلة
ونص الاتفاق الموقع في القمة على وقف دائم للحرب في قطاع غزة، وتبادل الأسرى والمعتقلين بين إسرائيل وحماس، وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل منتظم، وتشكيل إدارة فلسطينية انتقالية لإدارة شؤون القطاع.
ومن أبرز المشاركين في القمة، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والملك الأردني عبد الله الثاني، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.
ويُتوقع أن تُسهم القمة في تثبيت التهدئة وإطلاق مرحلة إعادة إعمار غزة، بما يمهّد لإحياء مسار السلام الشامل في المنطقة، وكان ترامب قد أعلن الأسبوع الماضي التوصل لاتفاق أولي بين إسرائيل وحماس في شرم الشيخ، تضمن وقف إطلاق النار وتبادل أسرى، برعاية أميركية وبمشاركة قطر وتركيا ومصر.
لقاء ترامب-السيسي
وقبيل التوقيع، عقد الرئيس الأميركي اجتماعاً ثنائياً مع نظيره المصري، كشف خلاله عن انطلاق محادثات المرحلة الثانية من اتفاق غزة، معتبراً أن "المراحل متداخلة إلى حد كبير" وأن هناك تقدماً ملموساً على صعيد الترتيبات التي تسعى واشنطن لبلورتها مع الأطراف الإقليمية.
وقال ترامب إن الشرق الأوسط يمر "بفترة متميزة جداً"، متوقعاً أن يشهد العالم "الكثير من التقدم" في الأشهر المقبلة. وأوضح أن قطاع غزة يحتاج بشكل عاجل إلى إزالة الركام والأنقاض التي خلّفتها الحرب الأخيرة، مشدداً على أن إعادة الإعمار هي "الخطوة الضرورية لعودة الحياة إلى طبيعتها".
وأعلن الرئيس الأميركي عن رغبته في انضمام السيسي إلى ما سماه "مجلس السلام لإدارة غزة"، مضيفاً أن الولايات المتحدة ستشارك في عمليات إعادة الإعمار والبحث عن جثامين الأسرى الإسرائيليين المفقودين بالتنسيق مع إسرائيل، مؤكداً أن فرق البحث بدأت عملها بالفعل.
من جانبه، أكد السيسي أن بلاده تنظر إلى إعادة الإعمار باعتبارها جزءاً من مسار سياسي شامل، وليس مجرد استجابة إنسانية. وقال السيسي: "مصر معنية بأن تكون غزة مستقرة وآمنة، وهذا يتطلب تفاهمات واضحة بين جميع الأطراف، مع التزام دولي يضمن التنفيذ". وأضاف "سأكون موجوداً إذا كنت أنت موجوداً"، في إشارة إلى أن مشاركة مصر في أي آلية دولية ستكون مرتبطة بالانخراط الأميركي المباشر في العملية.
وشدد السيسي على أن مصر تتحمل "مسؤولية تاريخية" تجاه القضية الفلسطينية، مؤكداً أن أولويتها هي حماية المدنيين وتثبيت التهدئة وتهيئة الظروف لعودة الحياة الطبيعية. لكنه أشار إلى أن القاهرة ترفض أي ترتيبات قد تؤدي إلى فصل غزة عن محيطها الفلسطيني أو تحويلها إلى عبء أمني على مصر والمنطقة. وربط نجاح جهود الإعمار بتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، محذراً من أن غياب التوافق الداخلي سيعرقل أي مساعٍ إقليمية أو دولية لإعادة الإعمار أو ضمان الاستقرار.
