شهد اليوم تنفيذ أهم مراحل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، حيث سلّمت الحركة رفات أربعة رهائن إسرائيليين وأفرجت عن 20 آخرين أحياء، مقابل إطلاق سراح نحو ألفي أسير فلسطيني من سجون الاحتلال، في خطوة وصفها مراقبون بأنها نقطة تحوّل إنسانية وسياسية في مسار الحرب الدائرة منذ عامين.
تسليم الجثامين
وأعلنت كتائب القسام أنها سلّمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، رفات أربعة رهائن إسرائيليين هم: غاي إيلوز، يوسي شرابي، بيفين جوشي، ودانيال بيريز. وأكد الجيش الإسرائيلي، في بيان مشترك مع جهاز الشاباك، أنه استلم الجثامين الأربعة، ونُقلت إلى المعهد الوطني للطب الشرعي للتعرف على هوياتها.
وأوضح البيان أن "قوات الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام ترافق أربعة توابيت في طريقها إلى إسرائيل"، فيما اتهم وزير الدفاع يسرائيل كاتس حماس بـ"خرق الاتفاق والتأخير المتعمد"، مهدداً بالرد على أي عرقلة. أما منتدى عائلات الرهائن فوصف خطوة تسليم أربعة جثامين فقط بأنها "مخيبة"، وطالب بوقف تنفيذ الاتفاق إلى حين استعادة جميع الجثث الـ28.
الإفراج عن الأحياء
في موازاة ذلك، أطلقت حماس سراح 20 رهينة إسرائيلياً على قيد الحياة. وقد تحدّثت عائلات بعضهم عن معاناة قاسية في الأسر، إذ قالت أنات أنغريست، والدة المحرر ماتان، إن ابنها احتُجز لأشهر في نفق مظلم وتعرض للتعذيب والعزل.
الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين
من الجانب الفلسطيني، أعلنت مصلحة السجون الإسرائيلية الإفراج عن ألف و968 أسيراً. وأكدت هيئة شؤون الأسرى أن بينهم 250 أسيراً محكوماً بالمؤبد وأحكام عالية، إضافة إلى أكثر من ألف و700 معتقل من غزة اعتُقلوا بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وقال محمود فايز، وهو أسير محرر اعتقل العام الماضي في مستشفى الشفاء، إن يوم الإفراج "عيد وفرحة كبرى"، فيما أكد محمد أبو غبيط، الذي أمضى 11 شهراً في السجن، أن "الحرية لحظة لا تُنسى".
من جانبه، قال مدير مجمع الشفاء الطبي، محمد أبو سلمية، إن "الأسرى بدت عليهم آثار التعذيب، وبعضهم مبتورو الأطراف أو يعانون أمراضاً لم يتلقوا أي علاج لها". وأعلنت وزارة الصحة في غزة أنها بدأت بتقديم الرعاية والفحوص الطبية للمحررين.
واتهمت حركة حماس إسرائيل بارتكاب "جرائم ممنهجة بحق الأسرى الفلسطينيين"، معتبرة أن هذه الانتهاكات "تضع المؤسسات الحقوقية أمام مسؤولياتها في التحرك العاجل".
دور الصليب الأحمر والأمم المتحدة
أوضحت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنها سهّلت اليوم عودة 20 رهينة إسرائيلياً وألف و809 أسرى فلسطينيين إلى غزة والضفة الغربية، وأجرت مقابلات مع المفرج عنهم قبل إطلاقهم، ونقلت رفات أربعة رهائن إلى إسرائيل.
من جهتها، أعلنت الأمم المتحدة إطلاق آلية إنسانية جديدة لإيصال المواد الغذائية والمساعدات إلى القطاع بعد سبعة أشهر من التعطيل، عبر خطة مدتها 60 يوماً لتوفير الغذاء والمياه والملاجئ والخدمات الصحية.
المواقف الفلسطينية
وأكدت حركة "حماس" أنها تعاملت مع الأسرى الإسرائيليين "وفق قيمها الإسلامية"، وحافظت على حياتهم رغم المخاطر، متهمة الاحتلال بممارسة "أبشع صور التعذيب" ضد الأسرى الفلسطينيين.
وقال الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، زياد النخالة، إن الصفقة "إنجاز مهم"، لكنه أضاف: "كنا نأمل أن تكون النتائج أفضل، ولن يسقط هدف تحرير باقي أسرانا من أولويات المقاومة". أما نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، حسن خريشة، فوصف يوم الإفراج بأنه "تاريخي للشعب الفلسطيني"، مشيداً بصمود غزة وقدرتها على "الخروج من بين الأنقاض".
الأبعاد السياسية والدولية
الاتفاق، الذي بدأت مرحلته الأولى الجمعة الماضية، جاء نتيجة ضغوط دولية مكثفة. وقد زار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إسرائيل اليوم، وألقى خطاباً أمام الكنيست قبل أن يتوجه إلى قمة دولية في شرم الشيخ، حيث أكد أن "وقف إطلاق النار سيفتح باب السلام". ويرى مراقبون أن مبادرته تهدف أيضاً إلى إنقاذ حكومة نتنياهو من أزمتها الداخلية.
وتنص المرحلة الثانية من الاتفاق على تشكيل آلية حكم جديدة في غزة من دون مشاركة حماس، ونشر قوة متعددة الجنسيات، ونزع سلاح الحركة، وهو ما يثير تساؤلات حول إمكان التطبيق في ظل تمسك الحركة بسلاحها وازدياد شعبيتها بعد صفقة التبادل.
ومنذ اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، قُتل أكثر من 67 ألف و800 فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، ما جعل القطاع "غير صالح للسكن"، بحسب تقارير الأمم المتحدة، في وقت يترقب فيه الفلسطينيون أن تفتح الصفقة الباب لإنهاء النزيف المستمر.
