تمكّن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي رشح نفسه لجائزة "نوبل"، من تحقيق ما كان مستحيلاً قبل أسابيع قليلة بعد استهداف قطر، فأقنع إسرائيل وحركة "حماس" بخطته الجديدة لإنهاء حرب غزّة، في سياق مشوار "السلام" الذي أعلنه مع وصوله إلى البيت الأبيض.
لكن إنهاء حرب غزّة كان الأقل مفاجأة في إعلانات ترامب "غير القابلة للتوقّع". ففي أحد تصريحاته الأخيرة، عبّر ترامب عن اعتقاده بأن إيران "ستنضم" إلى اتفاقات أبراهام، وهي اتفاقات السلام والتطبيع التي عقدتها إسرائيل مع دول محيطة لها.
شروط السلام
وسم العداء الإيديولوجي علاقة إيران وإسرائيل منذ انتصار الثورة الإسلامية في طهران عام 1979. تعتبر إيران إسرائيل كياناً "غير شرعي" و"غاصباً" لفلسطين، وتبني جزءاً كبيراً من شرعيتها السياسية على معاداة هذا الكيان، لكن ثمّة عوامل أعمق تتعلّق بالمخططات التوسّعية. فإيران تسعى إلى توسيع نفوذها في المنطقة عبر حلفائها، فيما تحافظ إسرائيل بدورها على أطماع توسّعية واضحة، تظهر في سياساتها الاستيطانية وحديث قادتها المتكرر عن "إسرائيل الكبرى" الممتدة من النيل إلى الفرات، في محاولة لترسيخ واقع جديد يعزز هيمنتها في المنطقة.
في هذا السياق، يوضح الكاتب الصحافي قاسم قصير لـ"المدن" أنه يستبعد انضمام طهران الى اتفاقات أبراهام "لأن إيران تواجه عقوبات دولية وأميركية وقد تتعرض لحرب إسرائيلية جديدة". ويقول إن "إيران لديها رؤية حول القضية الفلسطينية وهي تدعو لقيام دولة واحدة في فلسطين تضم كل الأطراف، وقبل حصول حل للقضية الفلسطينية لا يمكن تصور أي سلام".
أزمة ثلاثية لا ثنائية
الأزمة لا تقتصر على العلاقة بين إيران وإسرائيل، بل تشمل أيضاً الولايات المتحدة والعلاقة الوطيدة بين واشنطن وتل أبيب. في هذا السياق، يذكّر الصحافي المتخصص بالشأن الإيراني ملحم ريا، في حديث لـ"المدن" أنه "لا يوجد علاقات منذ عام 1979 بين إيران والولايات المتحدة، ولكن تواصلاً حصل في ملفات عدة، بينها أفغانستان والعراق، وثمّة علاقات اقتصادية معيّنة بين الطرفين، ولو أنها ليست بالشكل المطلوب".
لكن المقاربة الإيرانية للولايات المتحدة أقل عداء مقارنةً بإسرائيل، ومحكومة أكثر بالاتفاق النووي وتخفيف العقوبات الاقتصادية، وفي حال تم تخفيف القيود الأميركية الاقتصادية على إيران، فيرى ريا أن "لا مشكلة في تعزيز العلاقات أكثر وفتح صفحة جديدة، خصوصاً لجهة التيار الإصلاحي داخل إيران"، الذي قد يبدي انفتاحاً أكثر من التيار الأصولي "الذي لا يعتقد أن ثمّة فرصاً لفتح علاقات ثنائية مع واشنطن".
أما في ما يتعلق بالعلاقات الإسرائيلية - الإيرانية، يرى ريا أن تصريحات ترامب "ضرب من الخيال، لأن العداء بين البلدين مرسّخ بالدستور الإيراني منذ العام 1979، إذ ثمّة نص واضح ينص على العداء لإسرائيل، وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك علاقة ولا بأي شكل من الأشكال بين إيران وإسرائيل في ظل النظام الحالي".
"إيران كونترا"
وفي سياق متصل، لا بد من الإشارة إلى فضيحة "إيران كونترا"، أو "إيران غايت"، التي باعت بموجبها الولايات المتحدة سلاحاً لإيران بوساطة إسرائيلية خلال ثمانينات القرن الماضي، أثناء الحرب الإيرانية - العراقية. هذه السابقة تفتح النقاش على أسس الصراع بين تل أبيب وطهران، التي تقوم على تصادم مصالح التوسع والهيمنة، لا على الإيديولوجيا وحدها.
إسرائيل كيان غاصب وطامع
الصراع الإيديولوجي والتوسعي بين إسرائيل وإيران تصاعدت حدّته مع الحروب المباشرة الأخيرة، لا سيما المواجهة التي دمّرت خلالها إسرائيل جزءاً من مشروع إيران النووي. ويصعّب هذا الواقع مهمة ترامب واحتمالات التوصّل لسلام بين طهران وتل أبيب.
يقول ريا إن إيران ترى إسرائيل "دولة عدوة"، وبالتالي يعتبر أن "السلام مستحيل أن يحصل في ظل السلطة الإيرانية الحالية، كونه مخالفة للدستور الإيراني"، مستعيناً بقول مؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني إنه "يجب اقتلاع إسرائيل عن الخريطة، فهي غدة سرطانية في المنطقة ويجب إزالتها".
تجدد المواجهات
الحديث عن ضم إيران إلى اتفاقات ابراهام تزامن مع ارتفاع احتمالات تجدّد التصعيد العسكري في الشرق الأوسط. إذ صرح وزير الدفاع الإسرائيلي السابق وزعيم حزب "يسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان على منصة "إكس" عن احتمال قيام إيران بهجوم مفاجئ ضد إسرائيل، قائلًا: "من يظن أن الحادثة مع إيران قد انتهت فهو مخطئ ومضلّل.. الإيرانيون يعملون بجدّ واجتهاد، يعزّزون دفاعاتهم وقدراتهم العسكرية يومياً، وقد استُؤنف العمل في المواقع النووية". فيما تحدّثت تقارير أخرى عن هجمات إسرائيلية محتملة على إيران.
الواقع والعوامل المحيطة بالعلاقة الإسرائيلية – الإيرانية لا تشي باحتمالات عقد اتفاق سلام بين الطرفين، لكن في الوقت نفسه، فإن الزخم الأميركي لتوسيع رقعة "اتفاقات أبراهام" في ذروته، وقد تحدث المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف عن توقعاته بانضمام المزيد من الدول إليها.
لكن يبقى السؤال: هل ينجح ترامب في تحقيق "المستحيل"، أم أن الواقع سيكون أكبر من رغباته في "السلام" و"النوبل"؟
الجواب واضح: ترامب لم يفز بجائزة نوبل، فهل يفوز بالسلام الذي وعد به؟
