بين "جبل العرب" و"جبل باشان": استنكار لمحو الذاكرة الجمعية

أنيس المهناالأحد 2025/10/12
الهجري الحرس الوطني
الهجري يحاول ربط المنطقة بالمشروع الإسرائيلي (Getty)
حجم الخط
مشاركة عبر

أثار استخدام الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في السويداء، لمصطلح "جبل باشان" التوراتي في بيان رسمي، موجة عارمة من الاستنكار والاستياء بين السوريين. وقد فُسر هذا التعبير على أنه محاولة للانسلاخ عن الهوية العربية وربط المنطقة بالمشروع الإسرائيلي، خاصة في ظل التمرد الذي يقوده الهجري ضد الحكومة السورية.

 

رفض درزي مطلق 

 من جهته عبّر الدكتور عدنان عبود عن رفضه القاطع لهذه التسمية قائلاً: "بصفتي مواطناً عربي سورياً، مذهبياً أنتمي للدروز، أستنكر وأرفض تلك التسمية". وأشار عبود لـ"المدن" إلى أن التسميات المقبولة بين الدروز هي "جبل العرب" أو "جبل الريان" أو "جبل الدروز"، معتبراً استخدام "الباشان" محاباة لإسرائيل.

 

مراهقة سياسية

 المحلل والباحث السياسي بسام السليمان والمقرب من الحكومة وصف تصرفات الهجري بـ"المراهقة السياسية"، وتساءل: "هل يتجه هذا الرجل يتجه نحو الدولة أم نحو الانتحار؟". وأضاف لـ"المدن": " الهجري يستعين بإسرائيل وتجار المخدرات والضباط السابقين". مؤكداً أن هذا البيان يتواءم مع حملة ممنهجة من قبل نشطاء في المجتمع المدني في المحافظة.

 

اعتداء على الذاكرة الجمعية

أما الروائي والمخرج نبيل ملحم فأكد أن "ما لفتني هو استبدال الاسم، الاسم الممتد في ذاكرة ناسه نحو اسم ما من جذور له في ذاكرة ساكني المكان".، متسائلاً: "ما الذي يعنيه أن يُستبدل اسم المكان باسم لا جذور له في بيئة حامله؟ أن يُمحى الصوت الأول للتراب، وتُستبدل ذاكرة الحجارة والبشر بذاكرةٍ من مفردات المزاج؟".

وأوضح ملحم أن "الاسم ليس زخرفاً لغوياً، بل هو خيط سريّ يشدّ الروح إلى أرضها وحين يُقطع هذا الخيط، لا يضيع المكان وحده، بل يضيع من حمل اسمه أيضاً".، مضيفاً: "الاسم يعني ذاكرة الناس، من يجرؤ على محو ذاكرتهم؟ لا أدري. من يمنح نفسه حق ابتكار اسم جديد لمكان ترسخ اسمه في الذاكرة؟ لا أدري".

ووصف ما حدث بأنه "اعتداء صريح على المكان ببعديه الجغرافي والتاريخي.. اعتداء بالغ الوضوح".

ويضيف نبيل ملحم لـ"المدن" أنه "لن أقطع ذاكرتي مع المكان، وليس من حق أحد أن يفرض علي ذاكرة جديدة كما لو أنني ولدت على يديه.. لا، لي أجداد لهم ذاكرة شرّفتني، لن أقطع علاقتي معهم وأخرجهم منذ ذاكرتي بدءاً من استبدال اسم المكان.. هذا تعدي صريح على ما لا يقبل الاعتداء عليه".

 

الأوضاع الإنسانية الصعبة

من جهة أخرى، سلّط مواطنون من السويداء الضوء على الأوضاع الإنسانية الصعبة التي تعيشها المحافظة. وقال عادل من المجيمر لـ"المدن": "دخلنا بالشهر الثالث دون رواتب، لا توجد محروقات ، المحافظة ظلت 3 أيام من دون خبز". وأضاف: "طلاب الجامعة لا يذهبون الى جامعاتهم، ابنتي سنة رابعة هندسة معلوماتية "ما مأمن عليها تنزل.. راحت عليها سنتها".

 

تحذير من الاستقطاب السياسي

وصرح المهندس المعماري وديع الحايك من أبناء السويداء، والمقيم في قطر، بأنه من "الواضح في المشهد السوري الداخلي، أن بوصلة الخطاب الإعلامي لم تعد تبحث عن الحقيقة، بل عن مادة للاستهلاك السياسي"، موضحاً أن "كل التركيز اليوم موجّه نحو الشيخ الهجري، نحو كلماته ومواقفه، وكأن المطلوب هو تحويله إلى خصم أو بطل أسطوري بحسب الطلب." وهذا لا يهم في آخر الأمر من هجروا من بيوتهم.

وحذر الحايك بالقول لـ"المدن": "العدّ التنازلي بدأ: من سيركع؟ من سيموت جوعاً؟ من سيُدفن حياً تحت رماد الخذلان العام؟".

وختم الحايك تصريحه بالقول: "ربما آن الأوان أن نستفيق من هذا العدم قبل أن نصحو على وطنٍ بلا روح، وعلى ذاكرةٍ بلا أحد."، مؤكداً أن "الجبل هو جبل وسيبقى جبل". 

 

 دروس من التاريخ

هذا الجدل يستحضر موقف الباشا سلطان الأطرش التاريخي عندما رفض العروض الفرنسية بإنشاء دولة للدروز، قائلاً: "نرفض أي تقسيم لسوريا، نحن جزء من الأمة العربية، وسنبقى ندافع عن وحدة أراضينا". هذه الكلمات تظل شاهداً على تمسك الدروز التاريخي بهويتهم العربية ورفضهم لمحاولات التقسيم.

كما أكد الأطرش في مناسبة أخرى: "لسنا أقلية ونرفض أن نكون بوابة للمشاريع التقسيمية. هذا الإرث التاريخي يظهر الفجوة بين موقف القيادة التاريخية للدروز والمواقف الحالية التي تثير الشكوك حول الولاء والهوية".

في نهاية المطاف يبقى الجبل رمزاً للثبات والاستمرارية، كما قال أحد المعلقين: "الجبل هو جبل وسيبقى جبل... سواء كان جبل العرب أم جبل الباشان ام جبل الريان... لكنه بالأساس هو جبل الإنسان وكذلك سيبقى".

 

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث