تشهد سوريا، بعد سنوات طويلة من الصراع الدامي والتحولات السياسية مرحلة جديدة تتمثل في تشكيل مجلس الشعب الجديد، الذي يُعدّ نقطة تحول مثيرة للجدل في المشهد السياسي السوري.
يُنظر إلى هذا المجلس على أنه خطوة قد تمهّد الطريق نحو بناء دولة ديمقراطية تلبي تطلعات الشعب السوري، أو على النقيض أداة لتكريس الإقصاء السياسي تحت غطاء إجراءات شكلية.
ينقسم المراقبون والناشطون بين متفائلين يرون في المجلس فرصة لإعادة هيكلة النظام السياسي وتصحيح مسار العملية الديمقراطية، ومشككين يعتبرونه امتداداً لممارسات استبدادية تُروّج بثوب جديد.
في هذا السياق، تبرز أسئلة ملحة حول مدى استقلالية المجلس، وعدالة التمثيل فيه، وقدرته على مواجهة تحديات بناء دولة عادلة وسط إرث الحرب والانقسامات الاجتماعية والسياسية.
تعقيد المرحلة الانتقالية في سوريا
يُعرب رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية أنور البني، في حديثه لـ "المدن"، عن ترحيبه الحذر بالعملية الانتخابية التي أسفرت عن نجاح عدد من الأشخاص "المعقولين والمقبولين".
ومع ذلك، يشير إلى اختلالات واضحة في التمثيل الشعبي، لا سيما في ضعف تمثيل النساء الذي لم يتجاوز 3% من الناجحين. يؤكد البني أن التعيينات اللاحقة ضرورية لضمان تمثيل كافة مكونات الشعب السوري، مشدداً على أن استقلالية المجلس، رغم النص عليها في الإعلان الدستوري، تعتمد على أداء أعضائه".
"استقلالية المجلس لا تعني بالضرورة استقلالية الأعضاء أنفسهم، الذين قد يكونون مرتبطين بانتماءات سياسية أو حزبية" يقول البني، مشيراً إلى أن بعض الأعضاء قد يدعمون السلطة التنفيذية، بينما يسعى آخرون لمواقف مستقلة أو معارضة.
في المقابل، يرى المحامي زيد العظم، في تصريحات لـ"المدن" من باريس، أن المجلس الذي يُطلق عليه السوريون في دمشق اسم "مجلس شعب الشرع"، لا يمثل إرادة الشعب.
ويوضح أن اختيار أعضاء اللجان الانتخابية، وعددهم نحو 7000 شخص، تم بعناية من قبل الرئيس أحمد الشرع بناءً على ولائهم، مما يجعل قراراتهم خاضعة لتوجيهاته. "هذه ليست انتخابات غير مباشرة، لأن هذا المصطلح يفترض وجود أشخاص منتخبين أصلاً، يقول العظم، مشيراً إلى أن تمثيل البرلمان لا يتجاوز واحدًا من كل 3000 مواطن مع تهميش واضح لمدن مثل دمشق، التي اقتصر اختيار أعضائها على 400 إلى 450 شخصاً فقط.
تكشف الآراء المتضاربة حول مجلس الشعب الجديد عن عمق التحديات التي تواجه سوريا في مرحلتها الانتقالية. فمن جهة، يرى البني أن المجلس يمكن أن يكون أداة لتصحيح المسار السياسي إذا ما تم تعزيزه بتعيينات تمثل مختلف مكونات المجتمع السوري، مع التركيز على دور المجتمع المدني في مراقبة أدائه.
ومن جهة أخرى، يحذر العظم من أن المجلس ليس سوى واجهة لتكريس سلطة جديدة تستند إلى الولاءات بدلاً من التمثيل الحقيقي، مما يعيد إنتاج ديناميكيات الإقصاء السياسي.
يعكس هذا التباين حالة من عدم اليقين حول قدرة المجلس على تحقيق توازن بين تطلعات الشعب السوري للديمقراطية والعدالة، وبين الواقع السياسي المعقد الذي لا يزال يعاني من إرث الحرب والانقسامات.
وفي هذا السياق، تظل الأسئلة مفتوحة حول ما إذا كان المجلس سيتمكن من تجاوز التحديات الهيكلية والسياسية ليصبح أداة لبناء دولة عادلة، أم أنه سيبقى مجرد انعكاس للتوازنات القائمة بين القوى المتنافسة.
بناء الدولة بين الطموح والواقع
يرى البني أن المرحلة الحالية تتجاوز الصراع التقليدي بين النظام والمعارضة، وتركز على بناء الدولة. وأكد أن هذا الهدف يتطلب خبرات سياسية وقانونية قد لا يمتلكها الكثير من ناشطي الثورة، الذين ركزوا على المطالبة بالحرية والكرامة.
ويشدد على دور المجتمع المدني في مراقبة أداء المجلس، داعياً إلى اعتماد معيار "المجرم والضحية" بدلاً من التقسيم التقليدي بين نظام ومعارضة. "هذا المعيار هو الأنسب لبناء دولة عادلة تحاسب المجرمين وتحمي الجميع"، يقول البني.
على النقيض، يرى العظم أن المجلس الحالي يعكس استمراراً للنهج الاستبدادي. ويقارن بينه وبين تجربة فاشلة لهيئة تحرير الشام في إدلب، معتبراً تصريحات د الشرع، التي تصف الانتخابات بأنها "غير مكتملة لكنها تتناسب مع المرحلة الانتقالية"، نوعاً من "التقية السياسية" لتبرير ممارسات سلطوية. وأشار إلى أن محافظات مثل السويداء أُقصيت بدعوى "الأسباب الأمنية"، مما يكشف عن استمرار تداعيات الحرب الأهلية.
ويحذر العظم من انقسام الشارع السوري بين مؤيدين لسلطة الشرع، بدوافع مادية أو طائفية، ومعارضين يمثلون جزءًا كبيرًا من الشعب. "الشعب الذي كسر جدار الخوف خلال ثورة استمرت 14 عامًا لن يتقبل هذه الإجراءات بسهولة"، يقول العظم، مشيرًا إلى أن السلطة تبني نظامًا قمعيًا جديدًا عبر برلمان وهمي. في المقابل، يبقى البني متفائلًا بحذر، مؤكدًا أن أداء المجلس ودور المجتمع المدني سيكونان حاسمين في تحديد مسار العملية السياسية.
