تناقضات "قسد" بين خطاب الاندماج والمراوغة بالتعاطي مع دمشق

خاص - المدنالخميس 2025/10/09
سوريا قسد.jpg
قسد تحاول اللعب على عامل الوقت لتضليل الحكومة وتنتظر تقلبات جديدة (إنترنت)
حجم الخط
مشاركة عبر

في ظل مفاوضات مكثفة تجري بين "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سوريا والحكومة السورية، برزت مفارقة لافتة بين الخطاب السياسي الذي تتبناه قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من جهة، وممارساتها الميدانية من جهة أخرى. 

وبينما تعلن قيادتها استعدادها للاندماج الكامل في مؤسسات الدولة السورية، وترفع شعارات الوحدة الوطنية والشراكة السياسية، تظهر خطواتها على الأرض وكأنها تحاول خلط الأوراق، بل وفرض وقائع جديدة دون تنسيق مع دمشق.

 

المفاوضات في طورها الأولي

وفي تصريحات أدلت بها إلهام أحمد، المسؤولة عن الشؤون الخارجية في "الإدارة الذاتية"، خلال لقاء في لندن في 21 أيلول/سبتمبر 2025، أكدت أن أحد مقترحات التفاوض يشمل تعيين قائد "قسد" مظلوم عبدي أو أحد ضباطه في منصب رفيع مثل رئاسة الأركان أو وزارة الدفاع في الجيش السوري الجديد. 

ووصفت أحمد هذا الطرح بأنه جزء من مفاوضات جادة تهدف إلى بناء "نظام تشاركي" يضمن اللامركزية ويحترم التنوّع السوري، لكنها أقرّت في الوقت نفسه بأن دمشق لم تقدّم بعد "جواباً واضحاً" على هذه المقترحات، ما يوحي بأن المفاوضات لا تزال في طورها الأولي، رغم مرور أشهر على توقيع اتفاق 10 آذار/مارس.

الاتفاق المذكور، الذي وقّعه الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي، نصّ صراحة على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية ضمن هياكل الدولة، وتم الإعلان حينها عن جهوزية لجان تقنية لبدء هذه العملية، إلا أن الواقع على الأرض يروي قصة مختلفة. 


 

خلط الأوراق

وقبل أيام وفي خطوة مفاجئة، رفعت "الإدارة الذاتية" العلم السوري إلى جانب علمها في معبر سيمالكا الحدودي مع إقليم كردستان، دون أي تنسيق مسبق مع الجهات السورية الرسمية. 

وسرعان ما نفت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية أي علاقة لها بهذه الخطوة، ووصفها مسؤولها مازن علوش بأنها "أحادية الجانب وتهدف إلى خلط الأوراق".

هذا التناقض الصارخ بين الخطاب والممارسة يطرح تساؤلات جوهرية حول نوايا "قسد" الحقيقية. 

فهل تسعى فعلاً إلى الاندماج ضمن الدولة السورية، أم أنها تحاول استغلال أجواء التفاوض لفرض واقع جديد يمنحها شرعية رمزية دون التزامات فعلية؟ فالعلم السوري، كرمز وطني، لا يُرفع بقرار فردي من جهة غير رسمية، بل يُرفع بقرار سيادي من الدولة. 

كما أن محاولة "الإدارة الذاتية" رفعه من تلقاء نفسها، في معبر لا تزال تسيطر عليه عسكرياً، يُقرأ على أنه محاولة لتسويق نفسها كـ"شريك وطني" دون أن تخضع فعلياً لأي سلطة مركزية.

 

اللعب على عامل الوقت

وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي الكردي، علي تمي في حديث لـ "المدن": "هو سلوك بات معروفاً، فقسد تحاول اللعب على عامل الوقت لتضليل الحكومة وتنتظر تقلبات جديدة قد تحدث داخل سوريا وبالتالي تتغير الحسابات وبالتالي تحاول المراوغة".

وأضاف: "قسد شاركت في التجييش الإعلامي وحملات التحريض ضد الحكومة من خلال تحريض الفلول في الساحل أو السويداء، واليوم تحتضن المئات من ضباط المخلوع لاستخدامهم ضد الحكومة مستقبلاً، لهذا فهي تحاول اللعب على عامل الوقت ريثما تتغير الحسابات الإقليمية والدولية داخل سوريا".

ويزداد الغموض حين نأخذ بعين الاعتبار الدور الدولي في هذه المعادلة، فالمفاوضات تجري بدعم واضح من الولايات المتحدة وفرنسا، حيث يلعب المبعوث الأميركي توم باراك دوراً محورياً، كما أن زيارة قائد القيادة المركزية الأميركية براد كوبر إلى القامشلي ودمشق تشير إلى أن واشنطن لا تزال تراهن على "قسد" كلاعب أساسي في مستقبل سوريا. 

ورغم تأكيد المصادر الدبلوماسية الفرنسية أن باريس تدعم "الاندماج الكامل" لسوريا، فإنها تعترف في الوقت نفسه بأن "جهود الدمج تشهد تباطؤاً"، ما يعزز الانطباع بأن المفاوضات تسير ببطء متعمّد، ربما لضمان بقاء "قسد" كقوة موازية لفترة أطول.

 

مكافحة الإرهاب

وفي هذا الصدد، قال الباحث في الشأن العسكري والاستراتيجي، رشيد حوراني في حديث لـ "المدن": "إن "قسد تحاول الاستفادة من الظروف المحلية والخارجية، خصوصاً دعم الولايات المتحدة لها باعتبارها شريكاً في محاربة الإرهاب، وتمسّك بهذا الملف لضمان استمراريتها".

وأشار حوراني إلى أن: "الحكومة السورية تعاونت مؤخراً مع التحالف الدولي في عمليات ضد الإرهاب، ما يدل على أن التحالف يتعامل ميدانياً واستخباراتياً مع دمشق، وبالتالي فإن "ملف مكافحة الإرهاب الذي تتمسك به قسد هو لكسب الوقت فقط".

وحسب حوراني، تحاول قسد الاستفادة من موقف الهجري المناهض للحكومة السورية، ونسج علاقات معه لتشكيل جبهة سياسية معارضة، مشيراً إلى أن "السويداء لا تقتصر على الهجري، بل فيها أصوات وطنية تسعى للتواصل مع المجتمع الدولي".

ولفت حوراني إلى أن: "قسد تستفز الحكومة السورية عبر اشتباكات على محاور التماس، لاستدراجها إلى ردّ عسكري تستثمره إعلامياً كمظلومة أمام الرأي العام الدولي، لكن الحكومة السورية يقظة ولا تعطيها الفرصة لتحقيق ذلك"، وفق وجهة نظره.

 

ضغوط كبيرة

وفي سياق ذي صلة، أشار ياسر السليمان، المتحدث باسم وفد "الإدارة الذاتية"، إلى وجود "ضغوط كبيرة" على جميع الأطراف للتوصل إلى تفاهمات، لكنه في الوقت نفسه، شدّد على أن الحلول يجب أن "تضمن حقوق جميع السوريين دون "مساومة على وحدة الأراضي"، في حين يرى مراقبون، أن العبارة تبدو مثالية، لكنها تفتقر إلى الآليات العملية، خاصة أن "قسد" لا تزال ترفض تسليم كامل السيطرة على المناطق التي تسيطر عليها، ولا تزال تدير معابر حدودية وموارد طبيعية دون إشراف حكومي، بحسب تعبيرهم.

من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي، يحيى حاج نعسان لـ "المدن": "قسد لم تكن راغبة أصلاً في الاتفاق مع الحكومة السورية، بل وقّعته تحت الضغط الأميركي والدولي والتركي، ومنذ اتفاق 10 آذار/مارس، وهي تماطل وتراهن على الوقت، آملة أن تُلقي فشل الاتفاق على الظروف الخارجية، وقد استفادت كثيراً من أحداث السويداء، إذ شغّلت الحكومة عنها شهرين ونصف، فتنفّست الصعداء".

وتابع: "رغم الحديث عن وجود أجنحة داخل قسد، فإن القيادات الرئيسية مثل مظلوم عبدي وألدار خليل متفقة على أمرين: المطالبة بلامركزية سياسية (ليس إدارية فقط)، أي الحفاظ على الوضع القائم، وثانياً: رفض الاندماج العسكري مع الجيش السوري فرداً فرداً، بل يريدون الدخول ككتلة".

 

"لا مفر من عملية عسكرية"

وزاد بالقول: "هم لا يعترفون بالحكومة الحالية، وينتظرون تغيّراً دولياً يُضعفها أو يطيح بها، ليوسّعوا نفوذهم، وحتى خطواتهم التنفيذية، مثل فرض مناهجهم في المدارس (حتى في المناطق العربية كالرقة والحسكة)، ليست سوى ورقة تفاوض للمماطلة، لذا وباختصار: قسد لا تستطيع ولا تريد تنفيذ الاتفاق، ووراء كل هذا، يقف حزب العمال الكردستاني، الذي زاد الوضع تعقيداً بعد انتقال عناصره من تركيا إلى سوريا، وفي النهاية، لا مفر من عملية عسكرية إذا أرادت الحكومة استعادة مناطقها".

واعتبر أنه: "طالما استطاعت قسد المماطلة بدعم وسطاء أجانب فستفعل، آملة أن تأتي ساعتها حيث تكون الحكومة منهكة أو غير موجودة، وهم مستعدون لبقاء سوريا ممزّقة كما هي منذ 2011، عشر سنوات أخرى، إن لزم الأمر".

ووسط كل ذلك، فإن "قسد" تعيش اليوم على حبلين: تقول إنها تريد الاندماج، لكنها تتصرّف وكأنها دولة داخل دولة، وفي ظل هذا التناقض، يبقى السؤال الأهم: هل نحن أمام مسار حقيقي نحو توحيد سوريا، أم أمام مسرحية سياسية تهدف إلى شرعنة التقسيم تحت غطاء الحوار؟

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث