عزلة دولية تحاصر إسرائيل.. الهيمنة العسكرية لا تكفي للنجاة

المدن - عرب وعالمالثلاثاء 2025/10/07
تل أبيب
بين المطرقة والسندان: إسرائيل تُحكم قبضتها عسكرياً وتخسر سياسياً (Getty)
حجم الخط
مشاركة عبر

تدخل إسرائيل، بعد عامين على "طوفان الأقصى"، أطول موجة عزلةٍ دولية منذ عقود، فيما يجتمع مفاوضون في مصر لمحاولة إنهاء النزف عبر صفقة رهائن وانسحاب إسرائيلي من غزة، وفق صحيفة "وول ستريت جورنال" التي تشير إلى أن هذه العزلة، تتوازى مع بروز تل أبيب كقوة مهيمنة إقليمياً بسلسلة انتصارات عسكرية، ما يمنحها نفوذاً قصير الأمد ويقوّض رصيدها السياسي بعيد المدى.

ووفق الصحيفة، تجاوز الغضب من إسرائيل، العالمَ الإسلامي إلى أوروبا والولايات المتحدة؛ وشرائح واسعة من الحزب الديمقراطي الأميركي، وجزء متزايد من تيار "اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" (MAGA)، وباتت تعارض استمرار المساعدة الأميركية لإسرائيل.

ورغم استمرار دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإسرائيل، منحت العزلة واشنطن رافعة غير مسبوقة استُخدمت لمنع ضمّ الضفة الغربية، وهو ما دفع بنيامين نتنياهو للاعتذار عن قصف قطر، وقبول خطة وقف إطلاق النار الأخيرة في غزة.

في المقابل، قال نتنياهو في الأمم المتحدة الشهر الماضي، إن كثيراً من "القادة الضعفاء الذين يُهادنون الشر" يهاجمون إسرائيل علناً ويثنون عليها سراً، زاعماً أنهم يرضخون لـ"إعلام متحيّز ودوائر إسلامية متطرفة وحشود معادية لليهود".

وأكدت مديرة معهد الشؤون الدولية في روما ناتالي توتشي، أن ما يقود التعبئة أساساً هو الغضب من معاملة الفلسطينيين ودعم الحكومات الغربية لإسرائيل، وقالت: "أصدقاؤها لم يكونوا ودودين حقاً، لأنهم لم يمنعوها من الانتحار على المدى الطويل."

وحذرت المحللة في مجموعة الأزمات الدولية معيراف زونسزين، من أن "اليهود والإسرائيليون العاديون الجنود والساسة سيدفعون ثمن ذلك لسنوات"، سيما بعد أن اتجهت دولٌ كبرى بينها فرنسا والمملكة المتحدة وكندا للتحرّك نحو الاعتراف بدولة فلسطينية رغم اعتراض نتنياهو.

 

مقاطعة صاخبة وانقسام مرير

ووقّع آلاف من العاملين في السينما تعهداً يقضي بمقاطعة كل ما يرتبط بالمؤسسات الإسرائيلية، ومن أبرز الأسماء المشاركة الممثلة الأميركية إيما ستون، والممثلة البريطانية أوليفيا كولمان، والممثل الأميركي خواكين فينيكس، والمخرجة الأميركية آفا دوفيرناي، والممثل الأميركي مارك رافالو.

وفي مواجهة ذلك، قالت منتجة المسلسل الإسرائيلي الشهير "فوضى" ليات بنسولي، إن "المبدعين ليسوا حكوماتهم، ونحن بدورنا نعاني من سياسات هذه الحكومة ومقاطعة الفنانين أمر فاضح" . أما الممثلة الأميركية مايم بياليك، المعروفة أيضاً بتقديمها السابق لبرنامج "جيوباردي"، فوصفت الضغط على الفنانين اليهود، بأنه "اختزال مُسيّس" ورأت أن المقاطعة "تفوح منها رائحة معاداة السامية".

وفي المقابل، وقّع أكثر من ألف و200 شخصية سينمائية رسالة مضادة ترفض "القوائم السوداء"، كان بينهم الممثل الأميركي ليف شرايبر، والمنتجة الأميركية شيري لانسنغ، والممثلة الأميركية جينيفر جايسون لي.

أما على صعيد المنصات، فقد تجنّبت شركات كبرى طرح محتوى مثير للجدل؛ إذ لم تُعلن "Apple TV+ " بعد عن موعد عرض الموسم الثالث من مسلسل "طهران"، رغم اكتماله وبثه في إسرائيل، كما أجلت عرض مسلسل "The Savant" بعد حادثة مقتل الناشط الأميركي تشارلي كيرك. كذلك، أعاد فريق مسلسل "فوضى " كتابة السيناريو بعد "طوفان الأقصى"، وما يزال بلا موعد عرض في الولايات المتحدة.

واختير الفيلم العربي "البحر" فنياً داخل إسرائيل، لتمثيلها في سباق الأوسكار، قبل أن يهاجمه وزير الثقافة الإسرائيلي، ملوّحاً بإنشاء جائزة "دولة" بديلة، وبرأي عدد من المخرجين والمنتجين الإسرائيليين، يواجهون اليوم ما يصفونه بـ "المقاطعة الصامتة" في المهرجانات العالمية.

 

الكُلفة الإنسانية وإعادة تموضع القضية

وفقاً للسلطات المحلية في غزة، أسفرت الحرب والقصف المستمر على مدى عامين، عن مقتل أكثر من 67 ألف فلسطيني، وهو ثمن فادح أعاد ملف الدولة الفلسطينية إلى صدارة الأجندة الدولية. ويقول الدكتور مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة والمقيم حالياً في القاهرة: "القضية عادت إلى المركز، لكن الفلسطينيين دفعوا ثمناً غير مسبوق".

من جانبها، أشارت صحيفة "وول ستريت جورنال"، إلى أن إسرائيل برزت كقوة عسكرية مهيمنة إقليمياً بعد سلسلة من هجمات العسكرية التي شملت تصفية قيادات "حماس" و"حزب الله"، وانهيار نظام الأسد في سوريا، إضافة إلى إلحاق أضرار جسيمة بالقيادة العسكرية الإيرانية وببرامجها الصاروخية والنووية.

وقال الباحث في "مجلس الأطلسي والمستشار السابق لعدد من رؤساء الحكومات الإسرائيلية، شالوم ليبنر: "إقليمياً، إسرائيل أقل تهديداً مما كانت عليه قبل عامين، لكن دولياً هي بين المطرقة والسندان، والاتجاهات بعيدة المدى ليست في صالحها."

وتشير الصحيفة إلى أن إسرائيل قصفت خلال الحرب إيران ولبنان وسوريا واليمن، بل واستهدفت مجمّعاً لحماس في قطر، وهو ما دفع عدداً من العواصم العربية إلى إعادة النظر في حساباتها الأمنية، وهو ما دفع المملكة العربية السعودية لعقد اتفاق أمني مع باكستان، فيما تنامى التنسيق العسكري والسياسي بين دول عربية وتركيا.

وعلق المارشال الجوي البريطاني المتقاعد ورئيس مكتب الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، مارتن سامبسون، "لم ترد المنطقة يوماً قوةً مهيمنة واحدة... اعتقدوا أنها ستكون إيران، فإذا بهم أمام إسرائيل التي تمارس قوّتها الصلبة بحرّية."

 

نفوذ واشنطن

وقلل عضو مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، جوناثان شانتسر، من ديمومة الضرر وقال: "لا أظنه دائماً... عندما تنتهي الحرب سيعود الناس إلى أعمالهم كالمعتاد تقريباً". أما السفير الأميركي الأسبق لدى إسرائيل، دانيال شابيرو، فيرى أن إصلاح صورة إسرائيل يتطلّب "أولاً إنهاء الحرب وربما ظهور قيادة إسرائيلية جديدة... الصعود سيكون شديد الانحدار ويستغرق وقتاً".

وبينما تستهدف المفاوضات في مصر صفقة رهائن وانسحاباً إسرائيلياً من غزة، وفق خطة وقف النار المدعومة من ترامب ودول عربية، والتي تسعى لاستبدل حكومة "حماس" في القطاع بسلطة تكنوقراط جديدة، ما يُضعف حجّة نتنياهو بأن وجود "حماس" يحول دون الدولة الفلسطينية، يفاخر نتنياهو بـ"إنجازات تاريخية ستُسجَّل في تاريخ إسرائيل والأمم"، لكن خصومه يرون أن استمرار الحرب وبقاؤه في الحكم سيُطيل عزلة إسرائيل ويُصعّب ترميم شرعيتها.

وبين عزلة إسرائيل المتفاقمة في العواصم والجامعات والمنصّات الثقافية، مقابل نفوذٍ عسكريٍّ إقليميٍّ بلا منازع، تبدو رافعة واشنطن وخاصة نفوذ ترامب حاسمة في رسم سقف الطموحات الإسرائيلية من الضفة إلى غزة.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث