بدأت تظهر رؤىً متشائمة حيال مستقبل إسرائيل، ذلك بعد سنتين على حرب الإبادة التي شنتها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
هذه الرؤى ليست وليدة سياسة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، والمستوطنين المتطرفين؛ إنما أيضاً بسبب الإعلام الإسرائيلي المجند في الحرب، الذي يبرر الجرائم والإبادة بحق الغزيين.
وفي الوقت الذي تقترب فيه إسرائيل من الانتخابات العامة، التي ستجري بعد سنة في الحد الأقصى، يبدو المجتمع الإسرائيلي منقسم بين التأييد لنتنياهو ومعارضته.
ليبرمان يبحث عن مكانة
وفي هذا السياق، قال رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، عضو الكنيست أفيغدور ليبرمان، الذي يعتبر نفسه المرشح الأنسب بين قادة المعارضة لتولي رئاسة الحكومة، في مقابلة لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، الاثنين: "إذا خسرنا الانتخابات فسيكون هذا خراب الهيكل الثالث. ستنتهي الدولة. ومتوسط عمر دولة إسرائيل محدود جداً. إلى هذه الدرجة. وعلى نحوٍ قاطع. ونتنياهو ليس مهتماً بأيّ شيء. لديه هوس بالحكم غير قابل للسيطرة".
وأضاف ليبرمان، "لدي هدفان، ويجب أن يكون هذا واضحاً. الهدف الأول هو تغيير حكومة 7 أكتوبر وحكومة التهرب (من الخدمة العسكرية للحريديين) بحكومة وائتلاف صهيونيين. والأمر الثاني هو أن أكون رئيس حكومة".
وعلى خلفية المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس حول خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لإنهاء الحرب وتبادل أسرى، قال ليبرمان إن "الأمر المهم هو أن المخطوفين سيعودون إلى الديار. سيكون هناك المزيد من الصعوبات والعثرات في الطريق. وعلينا أن نشكر ترامب".
انتقادات للإعلام الإسرائيلي
في غضون ذلك، انتقدت الباحثة الإسرائيلية في مجال الإعلام السياسي، أيالا فنييفسكي، أداء وسائل الإعلام الإسرائيلية، في تقرير نشرته حديثاً بمناسبة مرور سنتين على الحرب في موقع معهد "مولاد".
وأكدت أن وسائل الإعلام المرئية في إسرائيل شاركت في جهود إخفاء حجم الضرر والمعاناة في غزة عن الجمهور الإسرائيلي.
واتهمت فنييفسكي "القناة 12" بأنها المسؤولة لعدة أسباب، مشددةً على أن المأساة الإنسانية في قطاع غزة غابت كلياً عن التغطية الإعلامية الإسرائيلية، وأن بحثها أكد الفجوة الكبيرة بين التغطية الإعلامية في إسرائيل والعالم. "التقارير المصورة والصور من قطاع غزة التي ظهرت في نشرات الأخبار قدمت للمشاهدين القتال والجنود الإسرائيليين أو مبان مدمرة ومدناً مهجورة، وليس المعاناة الإنسانية وأثمان الحرب".
وأضافت أنه "في الأشهر الستة الأولى قُتل في قطاع غزة أكثر من 31 ألف إنسان، بينهم 9 آلاف امرأة و13 ألف طفل. ومنذئذ وحتى اليوم يموت عشرات في القطاع يومياً، وحتى أن الجيش الإسرائيلي لا يدعي أن معظمهم مخربون. وهذه الحقيقة لم تدخل ولو بجملة واحدة في نشرات أخبار أيّة قناة مركزية إسرائيلية. كيف يتعين على مواطني إسرائيل أن يتخذوا قرارات مدروسة بشأن مستقبلهم بدون معلومات أساسية حول من مات ومتى؟ هذا وضع مضطرب".
وأكدت فنييفسكي أن "النتيجة هي أن التغطية الإعلامية الإسرائيلية عنصرية جدياً، وكذلك في تعامل إسرائيل تجاه العالم وبكافة العبارات مثل: جميعهم معادون للسامية".
السرديتان القوميتان إلى الانهيار
من جهته، أشار الباحث والمحاضر في قسم التربية في كلية "بيت بيرل"، يورام هارباز، في مقال في "هآرتس"، الاثنين، إلى أن "سرديتين قوميتين مؤسستين انهارتا في حرب 7 أكتوبر: السردية التي بموجبها إسرائيل هي ملاذٌ آمنٌ للشعب اليهودي، والسردية التي بموجبها إسرائيل لا يمكنها تنفيذ جرائم حرب، وأنها بالتأكيد لن تكون مسؤولة عن إبادة جماعية. ومن هذه الناحية، 7 أكتوبر هو مفترق تاريخي. ووجهة الدولة ليست واضحة، وأيّة سردية ستغرس في نفوس الطلاب في المدارس".
وشدد على أنه "منذ قيام إسرائيل تصدّعت السرديتان القوميتان المؤسستان: الحروب والإرهاب صدّعا سردية الملاذ؛ الاحتلال والعمليات العسكرية التي ترفرف فوقها راية سوداء صدّعت سردية الأخلاقيات الجوهرية بالنسبة لدولة اليهود. لكن التصدعات لم تقوض السرديات بالكامل".
وأشار إلى أنه "حتى 7 أكتوبر والحرب التي جاءت في أعقابه، آمن معظم الإسرائيليين بأن إسرائيل هي الملاذ الآمن نسبة لليهود، وأنها هي نفسها بريئة على نحوٍ جوهري، وأن الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم".
وأضاف هارباز أنه "منذ الآن، وقبل الإدراك الكامل لدمار قطاع غزة ومقتل سكانه على أيدي الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي، تنتشر وصمة رهيبة ليس على حاضر إسرائيل فقط؛ إنما على ماضيها ومستقبلها أيضاً".
وتابع "الآن، بعد أن تبددت السردية الثانية (التي بموجبها إسرائيل لا يمكنها تنفيذ جرائم حرب وإبادة جماعية) يومياً أمام أنظارنا، أصبح العيش في الدولة ليس تحدياً جسدياً فقط؛ إنما تحديا أخلاقياً أيضاً. والسؤال كيف سمح الألمان للنازيين بالسيطرة عليهم أو أنهم أصبحوا بهذا الشكل، يتلقى يومياً إجابة عادية".
حقائق تفكك سرديات
واعتبر هارباز أنه "بعد 7 أكتوبر سيكون من الصعب على المعلمين في دروس التاريخ والمدنيات والمراسم، وللمرشدين في حركات الشبيبة، غرس السرديتين الصهيونيتين في نفوس الطلاب. وبالرغم من أن للسرديات قوة صمود، لكن توجد حقائق صعبة تفكك سرديات. والمجزرة التي ارتكبتها حماس في 7 أكتوبر والمجزرة التي ارتكبناها في غزة في الحرب موثقة جيداً. والسرديات القومية المؤسسة ستواجه صعوبة في تحييد الحقائق؛ وستكون هناك ضرورة لإيجاد سردية قومية جديدة".
واقتبس هارباز عن بوستمان قوله إنه "بدون سردية، المدرسة ستكون سجناً، وليس مكاناً للتربية. وهذا ينطبق على الشعب والدولة. بدون سردية الناس هم أسرى، مسجونين في شعب ودولة لا يتماثلون معهما".
ورأى هارباز أن "السردية الوحيدة التي بمقدورها ترميم حق إسرائيل الأخلاقي بالوجود، وقدرتها على الوجود، ينبغي أن يكتبها اليهود والفلسطينيون الذين ينشدون السلام وحياة مشتركة ومتساوية. وبإمكان سردية كهذه يكتبها الشعبان اللذان ذبحا بعضهما طوال 150 عاماً، أن تعيد إعمار دمار غزة وإسرائيل"، وفق تعبيره.
