بلير من الرباعية إلى غزة.. لا خير يرتجى منه

عمّار الجنديالثلاثاء 2025/10/07
توني بلير
Getty
حجم الخط
مشاركة عبر

توني بلير (72عاماً)، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، يعود إلى صدارة المسرح الدولي، بعدما اكتفى بالتأثير من وراء الستار منذ 2007. وهو على عادته مثير للجدل. يتطلع إليه البعض لانتشال غزة من لجة الموت التي تغرق فيها منذ سنتين، فيما يعرب البعض الآخر عن شكوكهم في رغبته بالأخذ بيد القطاع لأنه كان دوماً معنياً بخدمة إسرائيل والولايات المتحدة. وقد قدّم لهما سلفاً الكثير، فضلاً عن غزو العراق الكارثي.

 

"فرصة" غزة؟

هذا الإرث يجعله في عيون غالبية الفلسطينيين مجرد "مجرم حرب ومرتزق... لا يُرتجى منه أي خير لغزة"، بحسب تقارير صحافية بريطانية. وإذا كان هذا رأي أصحاب العلاقة بالزعيم الذي خاض خمس حروب خارجية في سنواته الست الأولى في الحكم، فهل هو مؤهل لقيادة مشروع غزة؟

وهناك من يتحفّظ أيضاً على مدى إخلاصه لأن همه حالياً هو جمع المال، كما يبدو. فهو مليونير يستثمر في العقارات التي يملك منها 27 وحدة بقيمة إجمالية تقدر بـ30 مليون جنيه استرليني، ومستشار، ومتحدث في مناسبات عامة، يتقاضى عن كل منها 340 ألف دولار. ويشرف على "معهد توني بلير للتغيير العالمي" الذي أُفيد أن الملياردير الأميركي الصهيوني لاري إليسون يموله ويعمل 900 موظف في فروعه الـ45.

وحتى لو لم يكن جلّ اهتمامه استغلال "الفرصة" المربحة التي تمثلها غزة، كما قال شريكه جاريد كوشنر، لجمع المزيد من الملايين، فإن النجاح يبدو بعيد المنال. المشروع غامض يُغفل عملياً الفلسطينيين. لم يسمح لهم بالمشاركة في المفاوضات التي يفرد لهم دوراً ثانوياً في ترجمة نتائجها على الأرض. وليس هناك ما يضمن تنفيذ إسرائيل تعهداتها وقبول حماس بالاستسلام الكامل؟

هكذا، فإن كاريزميته وذكاؤه، وخبرته في حل النزاعات التي تجلت في إبرام "اتفاقية الجمعة العظيمة" (1998) في ايرلندا الشمالية، قد لا تكفي للمضي بغزة إلى ضفة السلام.

 

سجل ذهبي

وإذا استعصى ذلك على الساحر، فمن يستطيع أن يفعله؟ بلغ بلير وهو في الحكم (1997-2007) ما لم يبلغه أي زعيم لحزب "العمال" منذ تأسيسه قبل نحو قرن. فقد فاز في ثلاث انتخابات متعاقبة، وبأغلبية معقولة سمحت له بإجراء إصلاحات غير مسبوقة دستورية وفي قطاعات الصحة والتعليم والأمن والاقتصاد وإقرار حد أدنى للأجور. واستطاع أن يبقى في الحكم مدة أطول من جميع أسلافه العماليين، فهو أنقذ الحزب من دوامة المعارضة، ووضعه عملياً في السلطة لفترة (13 عاماً) لأول مرة في تاريخه. ولولاه لبقي الحزب في حالة ضياع بسبب خلافات داخلية ايديولوجية أقصته عن السلطة لنحو ربع قرن. وساهم في شلّ العمال صعود خصمه التقليدي حزب المحافظين اليميني بزعامة مارغريت تاتشر خلال عقدين من الزمن (1979-1990) غيّر وجه بريطانيا.

وخلافاً للمألوف، بلير الذي وُلد حزبه من رحم الاشتراكية، كان معجباً بتاتشر الزعيمة الرأسمالية. وبفضل بُعد نظره وخلفيته، كرجل تربى في كنف والدٍ محامٍ من أنصار حزب المحافظين أرسله إلى مدرسة خاصة على عادة أبناء الطبقة المتوسطة، أدرك مبكراً أن حزبه لن يكسب ثقة الناخبين ما لم يتخلَ عن أفكاره التقليدية اليسارية. وعليه، جرّد الحزب فعلاً من روحه الاشتراكية حين أعاد في 1995 كتابة "البند الرابع" من دستوره الذي ينص على تبنى الملكية العامة لوسائل الإنتاج، ودفع به إلى الوسط ويمين الوسط.

وفي العام التالي سماه رسمياً حزب "العمال الجديد" الذي تبنى نهج "الطريق الثالث" الوسطي واقتصاد السوق. ومنذئذ صار يُعتبر "اشتراكي مزيف أكثر يمينية من المحافظين".

ومع تسلم كير ستارمر زعامة الحزب في 2020، عاد بلير إلى الواجهة من جديد. وحين بات مستقبل ستارمر في خطر، استعان بعدد من مساعدي سلفه. واللافت أن المسؤولين عن الاتصالات في أيام رئيس الوزراء الأسبق، الذي عُرف بالإشراف على وضع أسس فن التلاعب بالأخبار لإخفاء جوهر الخبر وإظهار ما يناسبه فقط، أصبحوا يعملون لدى ستارمر. واتسع نطاق تغلغل مستشاري بلير في الحكومة الحالية حتى صرت تقرأ عناوين عريضة في الإعلام، مفادها بأنه هو رئيسها الحقيقي فعلياً.

ألا تكفيه "رئاسة" واحدة، ولماذا يشرف على بناء "دويلة" في ميدان معارك قد لا تهدأ واصطبغت تربته بدماء 65 ألف إنسان، إذا كانت بريطانيا رهن إشارته؟ يرى معلقون أنه "صاحب أنا متورمة" يظن أن الإنسانية مدينة له بالكثير.

 

لوم الضحية!

وقد اتُهم الغرور بعد صدور كتابه الأخير المعنون "في القيادة" (2024)، حيث يحّمل فيه العراق مسؤولية الغزو الذي قام به هو والرئيس الأميركي جورج بوش الابن. أقرّ بأن ذلك كان خاطئاً، لكنه رده إلى عدم قابلية العراق لاحتضان الديمقراطية، وهي "حقيقة" لم يفهمها الغزاة السذّج!

وتدمير العراق، ليس "جريمته" الوحيدة في الشرق الأوسط. فهو أيّد الحرب الإسرائيلية على لبنان في 2006 بقوة، كما ساعدها على بناء المزيد من المستوطنات حين قاد "الرباعية الدولية حول الشرق الأوسط" (2007- 2015). فهل ستنقذ غزة سمعته؟

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث