في الوقت الذي تشهد فيه القاهرة خلال الساعات المقبلة جولة مفاوضات بشأن المرحلة الأولى لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب على غزة، فإن مصادر "المدن" تؤكد أن الدوحة ستشهد أيضاً زخماً سياسياً في مراحل لاحقة لتيسير التقدم في تنفيذ الخطة، التي ستبدأ بوقف إطلاق النار والانسحاب التدريجي الإسرائيلي إلى خطوط متفق عليها، توطئة للإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء والأموات.
محاولة حصر التفاوض.. بآليات الأسرى فقط
وفي حين، تسعى الإدارة الأميركية إلى أن تكون المفاوضات سريعة وعاجلة، أكد مصدر من حركة "حماس" لـِ"المدن" أن إسرائيل تحاول توجيه المفاوضات، لتكون مقتصرة على آليات تسليم الأسرى فقط، من دون التفاوض بشأن الأمور الأخرى، وحصر مسألة الانسحاب الأولي بخطوط تريد تل أبيب فرضها من دون إخضاعها للتفاوض الاستباقي على الأقل.
لكن المصدر شدد على أنّ الحركة اعتمدت لغة وتعبيرات في بيانها تراعي الثغرات وسيناريوهات اللعب والمراوغة الإسرائيلية، مؤكداً أن البيان كان منسقاً مع الوسطاء، خصوصاً أنهم أجمعوا على أن الصيغة النهائية احتوت بنوداً وتعبيرات مخالفة لما اتفقوا عليه مع ترامب.
ويؤشر هذا إلى أن المفاوضات التي تريدها واشنطن سريعة وحاسمة، تبدو كأنها معركة من شكل آخر، لا تخلو من الألغام والمناورة والمفاجآت.
"ظروف الميدان".. كلمتا السر!
وبيّن المصدر الحمساوي أنّ الجملة المحورية التي وردت في مستهل بيان الحركة هي "توفير الظروف الميدانية لعملية التبادل"، وبرزت بوصفها شرطاً لإنجاح البند المتعلق بالإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء والأموات، باعتبار أن المقاومة لا يمكنها لوجستياً وأمنياً، إخراج الأسرى ونقلهم، ثم تسليمهم، من دون توقف تام للحرب وتحليق الطيران الإسرائيلي، إضافة إلى انسحاب قوات الاحتلال إلى مسافات وأعماق تيسر عملية التبادل. وهذا يعني، أن "حماس" أرادت بهذه الجملة أن تشترط ضرورة التفاوض على آليات الانسحاب ووقف الحرب، بالتوازي مع نقاش آليات التبادل؛ أي عدم حصر التفاوض الأولي بمسألة الإفراج عن الأسرى فقط، وفق ما تريده إسرائيل.
وبهذا، يبدو "الميدان" بمثابة كلمة السر لضمان "حماس" شرطيها بوقف إطلاق النار وبدء الانسحاب، بوصفهما متطلبين لعملية التبادل، وهو ما فسر طلب الرئيس الأميركي بالمسارعة لوقف إطلاق النار، والبدء بمفاوضات حول "الشروط الميدانية" المطلوبة من "حماس" لاستعادة الأسرى.
وعبّر مصدر "حماس" عن أمله بأن تكون صفقة شاملة بواسطة الاستفادة من الزخم الحالي، وعدم لعب نتنياهو ومسارعته بعد استعادة الرهائن، إلى تخريب الصفقة واستئناف الحرب، تحت ذرائع مختلفة.
ضمانات ما بعد الأسرى؟
في المقابل، استخدم مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لغة "تضليلية" في بيانه فور ترحيب ترامب برد "حماس"؛ إذ قال إن "إسرائيل مستعدة لتنفيذ المرحلة الأولى لخطة ترامب الرامية إلى الإفراج عن الرهائن"، وهو تعبير يثير تساؤلات بشأن مدى ضمان الولايات المتحدة التزام نتنياهو بالخطوات التالية للصفقة.
في غضون ذلك، قال مسؤول بالسلطة الفلسطينية لـِ"المدن" إن هناك شقان بخطة ترامب، الأول مرتبط بـِ"حماس"، وهو وقف الحرب وتبادل الأسرى، في حين يرتبط الشق الثاني باليوم التالي لغزة، وهو ملف ستكون السلطة حاضرة فيه.. مبيناً أن مشاركة السلطة بمفاوضات المرحلة التالية هي مطلب لـِ"حماس" أيضاً، عدا أن خطة ترامب تقضي بانتهاء دور الحركة في ملفات اليوم التالي، لا سيما أن الخطة الأميركية وضعت 4 شروط على "حماس"، وهي تسليم الأسرى، وإنهاء حكمها لغزة، وتسليم سلاحها، وأيضاً مغادرة المشهد السياسي.
"السلطة ستحضر المفاوضات النهائية"
وبيّن القيادي الفلسطيني أنّ المؤشرات لدى السلطة في رام الله، توحي أن ترامب يبدو جدياً هذه المرة بوقف حرب غزة؛ بل يمارس ثقلاً كبيراً بهذا الاتجاه، ويضغط على نتنياهو، لكنه نوه بأن الأخير سيسعى إلى تخريب الصفقة لضمان مستقبله السياسي، خصوصاً أن موافقة "حماس" على خطة ترامب قد وضعته في أزمة.
بيدَ أن المسؤولين الأميركيين يريدون الإشراف على كافة التفاصيل؛ ذلك أن كل بند يحتاج إلى مفاوضات منفصلة، علاوة على الغموض في كل بند، وأحياناً تضارب بعض البنود مع أخرى. وأكد المسؤول بالسلطة الفلسطينية أن نتنياهو أضاف تعديلات على خطة ترامب، شكلت الغاماً على الخطة وبنودها.
لكنّ هذا القيادي المقرب من رئيس السلطة محمود عباس، نوه بأنه بالرغم من الألغام والغموض في خطة ترامب، إلا أن ما يهم السلطة والدول العربية الآن هو وقف الحرب والقتل والتهجير، وبعدها تأتي محاولات خلق مساحات للتفاوض والمقايضة وتجيير الأمور لصالح الفلسطينيين، على حد قوله. وكرر تأكيده أن السلطة ستشارك في مفاوضات المراحل التالية للخطة، عبر تشكيل فريق وطني يتبع منظمة "التحرير". غير أن مصادر سياسية أخرى أوضحت لـ"المدن" أن الفريق الفلسطيني المذكور سيشارك بالمفاوضات النهائية تحت قيادة مصر، وهو ضمن عدة مقترحات عربية وإسلامية، لكن المصادر أوضحت في الوقت نفسه أن كل شيء متوقف على نجاح المرحلة الأولى لخطة ترامب، ولا يوجد جزم بشأن مآل الأمور ووجهتها حتى الآن.
