ما هو حجم التأثيرات الداخلية على الأزمة السورية؟

ناصر زيدانالجمعة 2025/08/08
أحمد الشرع
الاعتراضات الوازنة على صيغة الإعلان الدستوري لا يمكن تجاهلها (الرئاسة السورية)
حجم الخط
مشاركة عبر

يمكن التأكيد أن غالبية أسباب الأزمة السورية الحالية، خارجية بامتياز، وهناك صراع واضح بين قوى دولية كبرى على بلاد الشام، وتنافس شديد بين الدول الإقليمية المؤثرة، بينما تجهَد الدول العربية ذات الشأن لتدعيم الإدارة الجديدة في سوريا، ومساعدتها للخروج من "المهبطة" التي أوصلها إليها النظام السابق، وللتأكيد على وحدة البلاد، التي تشكِّل عامل استقرار للمنطقة العربية برمتها.
لكن هذه العوامل ليست الوحيدة التي تُنتج الأزمات السورية الوازنة، فهناك أسباب داخلية كبيرة للاضطرابات الدموية والسياسية الجارية، ولا يمكن التقليل من تأثيرات هذه العوامل على عدم الاستقرار. يحتاج التنوع الثقافي والديني والسياسي الموجود في سوريا، إلى حاضنة مختلفة عن الحاضنة الحالية، وسوريا دولةٌ مُهمة، سبق أن لعبت أدواراً مؤثرة في المنطقة، وهي نموذج حضاري متميِّز منذ القِدم، وساهمت سابقاً في صناعة العلم وتصدير الحضارة الى بلدانٍ أخرى، والتشوهات التي أصابتها من جراء توظيفها في خدمة مشاريع محورية خشِنة بواسطة الحُكم البائد؛ لا تلغي مكانتها ولا دورها ولا الخصائص التي تتمتع بها.
 

ومن أهم الأسباب الداخلية للاضطرابات القائمة في الجنوب وفي الشمال وفي الساحل وبعض الوسط؛ فشل الإدارة الجديدة في الحصول على ثقة المكونات المجتمعية السورية على اختلافها، بما في ذلك المكوِّن "السني" وهو الأكثر عدداً وتأثيراً. وقد بدأت الخشية عند هذه المكونات، بُعَيد نجاح الثورة وسقوط نظام الأسد، فالمجموعات النافذة التي استولت على السلطة لم تراعِ الاعتبارات الليبرالية والتقدمية التي يتميز بها الشعب السوري، ولا هي وقفت عند رأي الذين بذلوا التضحيات الجمَّة خلال 14 سنة من عمر الثورة، وهؤلاء همَّشوا دور الجميع، ولم يُقيموا وزناً للمناطق وللشخصيات الوطنية ولا لخصائص الطوائف، معتقدين أن تجربة إدارة محافظة ادلب، كافية، ويمكن تعميمها على كل المناطق والمكونات. وقد تأكد أن معارضة هذه التجربة المتواضعة، تأتي من المكون "السني" (الأشعري والصوفي) المتحرِّر قبل أن تأتي من المجموعات الأخرى من "المسيحيين والدروز والعلويين والأكراد.
لا يمكن تجاهل الاعتراضات الوازنة على صيغة الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس أحمد الشرع في 13 آذار/مارس 2025، فمكونات سورية مختلفة تعترض على شكل الحكم بمركزيته الرئاسية المُطلقة، وفي أن الفقه الإسلامي هو مصدر التشريع، وهناك خلاف على إدراج كلمة "الفقه" التي تحمل أكثر من تفسير، حين كان يمكن الإشارة الى الإسلام كأحد أهم مصادر التشريع في الدولة، على ما يرى رجال قانون من سوريا، لهم تجربتهم ومكانتهم العلمية. وقد تأكدت الخَشْيَة بالممارسة، لأن غالبية من رجال الدولة – عسكريون ومدنيون – يميلون الى الهوى الإسلامي المتشدِّد، ويبرزون هذا الهوى بمناسبة ممارستهم لوظيفتهم، بالشكل الذي يعتمدونه لأشخاصهم وبالمضمون.


ترفض قوى مجتمعية وطائفية وإثنية سورية، الطريقة التي تقدم بها الإدارة الجديدة نفسها كحاكمة للبلاد. والنمط "الإسلامي المتشدِّد" يثير حفيظة المسلمين بغالبية مكوناتهم قبل المسيحيين، والأكراد يخشون من تسليم مقدرات مناطقهم للإدارة الحالية، خوفاً من فرض واقع يراعي الحليف التركي ولا يتلاءم مع خصائص المناطق التي يسيطرون عليها، بينما الموحدون الدروز لا يأمنون جانب الذين يكفِّرون عقيدتهم الإسلامية ويتوعدونهم بالشر، والعلويون خائفون ونارهم راكدة تحت الرماد لا تكشفها الرياح الخفيفة، أما المسيحيون الذين يتجنبون أي صراع دموي، فحذرون وقلقون، وخطبة البطريرك اليازجي مطلع تموز/يوليو، إبان جِنازة ضحايا كنيسة مار الياس، واضحة في هذا السياق وضوح الشمس، وهو حمَّل الإدارة الجديدة المسؤولية عن تفجير الكنيسة وعن المهالك الوازنة التي تعيشها سوريا.


الصراع الخارجي على سوريا واضح، وهناك كِباش تركي – إسرائيلي لا يخفى على أحد، فالأولى تعتبر استقرار سوريا ووحدتها جزء من الأمن القوي التركي، والثانية تحاول تقسيمها وشرذمتها بما يتناسب مع أمنها وطموحاتها العدوانية، بينما تحاول روسيا إبقاء حضورها الاستراتيجي على سواحل البلاد، والولايات المتحدة الأميركية تسعى الى تغيير تصنيف الاصطفاف الدولي لدمشق واستمالتها الى ما يسمى "المعسكر الغربي" ورفعها عن لائحة الدول المارقة التي ترعى الإرهاب، والجانب العربي مهتم بتثبيت الاستقرار في البلاد، كونه مهم للأمن القومي العربي برمته. لكن كل هذه المعطيات لا تكفي لنشوب قتال ضارٍ كالذي حصل في السويداء وفي الساحل، ولا يبرر قمع الحريات والتضييق على الناس وخطف نساء ورجال لا يستسيغون الحكم بنظام إسلامي متشدِّد، وبعض الحاكمون لا يعير أي اهتمام للحريات العامة ولا لمظاهر التطور والانفتاح والعصرَنة.
برزت مشاهد شنيعة في الأحداث الأخيرة؛ لا يمكن تبريرها تحت أي ظرف، ولا يقبلها أي منطق، ولا يكفي القول إن فلولاً وخارجين عن القانون يتعاونون مع الأعداء يحاولون منع الحكومة من بسط سلطتها على كامل أراضيها. ما حصل عار على جبين الإدارة الجديد، خصوصاً لكونها لا تملك مشروعية كافية مٌنبثقة عن انتخابات. سوريا تستحق الأفضل، والشعب السوري لا يقبل الانتقال من سجن استبداد كبير إلى سجونٍ تكفيرية داعشية متنقلة.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث