بعد أسابيع من الدعم الأميركي الواسع للهجوم الإسرائيلي على إيران، جمّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب شحنات أسلحة رئيسية إلى أوكرانيا، رغم تصعيد روسيا هجماتها الجوية، ما أثار تساؤلات حول أولويات إدارة ترامب في ظل ما يعرف بـ"فجوة ليبمان" بين طموحات واشنطن وقدراتها العسكرية المحدودة.
فجوة ليبمان
ولا تبدو قرارات ترامب الأخيرة متناقضة بقدر ما هي انعكاس لفجوة هيكلية تعاني منها السياسة الأميركية، والتي يطلق عليها إسم فـ"فجوة ليبمان"، كما صاغها الصحافي والتر ليبمان عام 1943، وتتمثل في اتساع الهوة بين التزامات الولايات المتحدة الدفاعية حول العالم وقدراتها العسكرية الفعلية، هذه الفجوة تجبر الرؤساء الأميركيين على ترتيب أولوياتهم بشكل قاسٍ، بين حماية الحلفاء ومواجهة التهديدات، وبين تجنب استنزاف موارد الدفاع، وفق تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست.
وفي هذا السياق، بدت قرارات ترامب وكأنها موازنة قاسية بين جبهتين: دعم إسرائيل بكل الوسائل في مواجهة إيران، وترك أوكرانيا تواجه روسيا بموارد أقل، لأن الولايات المتحدة، وفق الصحيفة، لا تملك ترف تلبية جميع طلبات الحلفاء في وقت واحد.
إسرائيل أولوية
ويشير التقرير إلى أن قرار تجميد شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا، ومنها صواريخ باتريوت وذخائر مدفعية 155 ملم، جاء بعد أن استُنزفت هذه الأنظمة الدفاعية في الشرق الأوسط خلال الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران، فقد أسهمت هذه الأنظمة في حماية إسرائيل والقواعد الأميركية في المنطقة، وأصبحت محل طلب متزايد لتعزيز الدفاعات هناك.
وأقرّ رئيس لجنة الاعتمادات في مجلس النواب، النائب الجمهوري توم كول، بأن هذه القرارات تعود إلى النقص الحاد في المخزونات، قائلاً: "لقد استهلكنا كميات لم يكن يتصورها أحد قبل ستة أشهر بسبب ما جرى في الشرق الأوسط". وهذه ليست المرة الأولى التي يطغى فيها الشرق الأوسط على أوروبا في سلم الأولويات الأميركية، ففي 2023، حول البنتاغون ذخائر كانت مخصصة لأوكرانيا لدعم إسرائيل إثر اندلاع حرب غزة.
حسابات ترامب
وتوضح الصحيفة الأميركية أن قرارات ترامب ليست نابعة من رؤية استراتيجية شاملة بقدر ما هي تعبير عن براغماتية سياسية تستهدف إرضاء أطراف متباينة داخل تحالفه الجمهوري. فهو، بحسب التقرير، يفضل صراعات قصيرة وحاسمة، مثل الحرب الأخيرة مع إيران، على النزاعات الطويلة والمكلفة، مثل دعم أوكرانيا ضد روسيا.
كما أن ترامب يرفض وضع الاقتصاد الأميركي على مسار تعبئة شاملة لزيادة الإنفاق الدفاعي، مفضلاً سياسات شعبوية تحافظ على الضرائب المنخفضة، رغم تضخم العجز العام. وفي ظل محدودية الموارد، تبدو إسرائيل الرابح الأكبر في موازنة ترامب، بينما تبقى أوكرانيا عرضة لمزيد من التراجع في الدعم العسكري.
وفي خلاصة تحليلها، ترى "واشنطن بوست" أن ما يبدو تقلباً في سياسة ترامب بين التشدد في الشرق الأوسط واللين في أوروبا، ليس سوى انعكاس لحقيقة أكبر: الولايات المتحدة، كما قال المؤرخ ستيفن كوتكين، تواجه طلباً لا حدود له على قوتها، لكنها لا تستطيع الوفاء بكل التزاماتها دفعة واحدة.