قال مصدر من حركة "حماس"، لـ"المدن"، إن هناك اتصالات مستمرة بين الحركة والوسطاء بشأن الضمانات الواردة في مقترح وقف إطلاق النار في غزة، وأيضاً أمور "مُبهمة" في صيغة بعض البنود، خصوصاً ما يتعلق بالمساعدات ومواقع انسحاب الجيش الإسرائيلي داخل القطاع بموجب هدنة الـ60 يوماً.
البروتوكول الإنساني
وأكد المصدر أن البند المتعلق بالمساعدات شهد تطوراً كبيراً في صيغته، لكنه استخدم تعبيرات فضفاضة تحتمل التأويل، حيث نصّ حرفياً على "إدخال المساعدات فوراً عند موافقة حماس على الاتفاق، وبكميات مكثفة ومناسبة بما يتوافق مع اتفاق 19 كانون الثاني/يناير 2025، بخصوص المساعدات الإنسانية، على أن تُوزّع عبر قنوات متفق عليها (ستشمل الأمم المتحدة والهلال الأحمر)".
وأكد المصدر أن كلمة "التوافق" لم يُفهم ما إذا كان معناها أن البروتوكول الإنساني، سيكون مماثلاً تماماً لاتفاق كانون الثاني/يناير الماضي، أم مُقارِباً له، لكنه أشار إلى أن بند المساعدات تم تحسينه كثيراً ليكون بصيغة مشابهة لاتفاق الهدنة الماضية، بعد أن طُرح البروتوكول الإنساني في المقترحين السابقين بمضمون أدنى بكثير مما تضمنته الهدنة الماضية، غير أن الإشكالية بالصيغة المُطوّرة تكمن في اشتمالها على "كلام مُبهم"، فمثلاً حددت الهدنة السابقة عدد شاحنات المساعدات وكميات الوقود وأيضاً الخيام.
بند الانسحاب
وأما بند انسحاب الجيش الإسرائيلي، فقد أكد المصدر أنه سيكون ضمن نقاط قريبة من الهدن السابقة، لكنه بدا أيضاً بصيغة غير دقيقة، حيث نصّ على مراحل لإعادة انتشار القوات الإسرائيلية في اليوم الأول للهدنة بشمال القطاع ومحور نتساريم، ثم إعادة انتشار في الجزء الجنوبي للقطاع في اليوم السابع، لكن البند نوه بأن ذلك سيستند إلى "خرائط سيتم الاتفاق عليها".
كما أشار بند الانسحاب، إلى أن فرقاً فنية ستعمل على حدود إعادة الانتشار النهائية من خلال المفاوضات "السريعة".
والحال أن إسرائيل تتعامل بعقلية أن مساحات من القطاع، شمالاً وشرقاً وجنوباً، باتت محتلة بحكم الأمر الواقع، وأن حدود ما بعد 7 تشرين أول/أكتوبر 2023، ليست كما قبلها، بموازاة سعيها إلى إبقاء غزة بيئة طاردة للسكان وغير قابلة للحياة، بموجب أي اتفاق لوقف الحرب مؤقتاً أو دائماً.
هدنة الشهرين.. مضمونة عملياً
وبينما قال المصدر الحمساوي، إن الحركة تبذل جهودها للحصول على ضمانات أكثر وضوحاً لإطلاق مفاوضات حول وقف دائم للحرب فور بدء سريان الهدنة المحتملة، إلا أنه أكد لـ"المدن"، أن "حماس" طالما ضمنت هدنة الشهرين، فإنها ستقبل بالمقترح المطروح، بغض النظر عن الضمانات الممنوحة أميركياً بخصوص الوقف النهائي للحرب وأمور أخرى، وذلك لاعتقاد الحركة بأن إسرائيل ستستأنف الحرب إذا أرادت، ومهما كانت الضمانات الممنوحة من الوسطاء.
لذلك، فإن الحركة تعتقد أن الضمان المُؤكد الآن، هو هدنة 60 يوماً؛ لأن المقترح الجديد يقضي بإطلاق 8 أسرى إسرائيليين في اليوم الأول للهدنة، وآخران في اليوم الخسمين، إضافة إلى جدولة تسليم 18 جثة لأسرى أمواتاً على 3 دفعات، بدءاً من اليوم السابع للهدنة، وأخيراً في اليوم الـ60 (الأخير لوقف إطلاق النار). بينما أصر المقترح الأميركي السابق على إطلاق 10 أسرى أحياء في الأسبوع الأول، وهو ما رفضته "حماس" حينها؛ لأنه لا ضمانة لعدم استئناف إسرائيل الحرب بعد الأسبوع الأول، أي فور أخذ أسراها الأحياء.
الهدنة.. كحاجة ملحة للغزيّين
كما قال المصدر إن هناك سبباً آخر يدفع "حماس" إلى قبول مقترح هدنة الـ60 يوماً، هو أن سكان القطاع الذين يتعرضون للتجويع والقتل، بحاجة ماسة لأي هدنة توقف آلة الحرب الإسرائيلية وإدخال المساعدات، بغض النظر عما سيكون بعد انتهاء الهدنة. وهذا ما أكده مواطنون من غزة لـ"المدن"، مشيرين إلى "حاجتهم الإنسانية الماسّة لوقف إطلاق النار.. حتى لو كان لأيام معدودة". وبهذا المعنى، فإن الخيارات تبدو ضيقة جداً أمام "حماس"، فيما رجحت أوساط سياسية موافقة الحركة على المقترح المُحدّث، لكونه يمثل "أقسى حد" يمكن الحصول عليه فلسطينياً.
بينما توقعت مصادر سياسية أن تسلم "حماس" رداً إيجابياً على المقترح، مع بعض الملاحظات، وذلك قبل وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى واشنطن، وسط تقديرات بانطلاق المفاوضات حول الصفقة في الدوحة الأسبوع المقبل.
الضمانة.. لوقف الحرب نهائياً؟
وبموجب مقترح الهدنة، فإن الرئيس الأميركي "جاد" بشأن التزام الأطراف باتفاق وقف إطلاق النار، ويصر على أن المفاوضات التي ستنطلق خلال الهدنة، إذا نجحت باتفاق بين الأطراف، "ستقود إلى حل دائم للنزاع". كما قال الوسطاء إنهم سيضمنون إطلاق مفاوضات "جادة" خلال الهدنة حول الترتيبات اللازمة لوقف دائم لإطلاق النار، كما يضمنون تمديد المفاوضات لفترة إضافية، إذا تطلب الأمر.
وقالت مصادر "المدن"، إن الرئيس دونالد ترامب سيعلن شخصياً عن الاتفاق، وسيعمل على ضمان استمرار مفاوضات بـ"حسن النية" لغاية التوصل إلى الاتفاق النهائي المنشود.
بكل الأحوال، تصرّ جميع الأطراف على ضرورة إبرام هدنة الشهرين؛ علّها تشكل فرصة لوقف الحرب نهائياً، وهي غاية كُبرى محفوفة بتعقيدات كبيرة؛ لأنها مشروطة أميركياً وإسرائيلياً بنزع سلاح حماس وإبعادها عن مشهد ما بعد الحرب وشروط أخرى، عدا عن إصرار الاحتلال على مواصلة الاغتيالات والتوغلات والقصف في كل الظروف.