في واحدة من أخطر لحظات التصعيد في الخليج منذ سنوات، أطلقت إيران عصر الاثنين 23 يونيو/حزيران 2025، 14 صاروخاً باليستياً نحو قاعدة العُديد الجوية في قطر، في رد مباشر على غارات أميركية استهدفت منشآت نووية إيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان.
ورغم حجم الضربة ودقتها، أعلنت وزارة الدفاع القطرية نجاح منظومتها الدفاعية، بالتعاون مع الجانب الأميركي، في اعتراض الصواريخ ومنع وقوع خسائر بشرية. وسقط صاروخ واحد فقط في أطراف القاعدة متسبباً بأضرار طفيفة، دون إصابات.
منظومة دفاعية متعددة الطبقات
قاعدة العُديد، التي أُنشئت عام 1996، وتضم نحو 10 آلاف جندي من القوات الأميركية والبريطانية وقوات حليفة أخرى، هي مقر القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) في المنطقة. إلا أن دور قطر لا يقتصر على استضافة القاعدة، بل يتجاوز ذلك إلى مشاركة فاعلة في تأمينها، عبر منظومة دفاع جوي معقّدة ومتكاملة.
وتتكون هذه المنظومة من أنظمة "باتريوت-PAC-3" الأميركية، التي بدأت قطر بتحديث طرازاتها منذ 2012، بشراء 11 وحدة إطلاق و768 صاروخاً مضاداً، بالإضافة إلى نظام "ثاد" القادر على تدمير الصواريخ الباليستية على ارتفاعات ومسافات بعيدة.
كما تشمل الترسانة القطرية أنظمة الدفاع الجوي "NASAMS" النرويجية-الأميركية، ونظام "رابير" البريطاني قصير المدى، و"رولان" الفرنسي-الألماني، مما يوفّر تغطية دفاعية شاملة ضد الطائرات المأهولة وغير المأهولة، والصواريخ بمختلف أنواعها.
وبحسب وزارة الدفاع القطرية، فإن هذه الأنظمة تم تفعيلها فور التأكد من إطلاق الصواريخ الإيرانية، وتمكنت من اعتراض الصواريخ القادمة بدقة عالية، ضمن عملية تنسيق مشترك مع الوحدات الأميركية داخل القاعدة.
تحذير إيراني مسبق
وفق صحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن طهران مررت تحذيراً غير مباشر عبر وسطاء إقليميين، أوضحت فيه أن الرد على الغارات الأميركية لن يستهدف المدنيين أو دولاً أخرى. وقد أتاح هذا التحذير المجال لإخلاء جزئي للقاعدة وتفعيل أنظمة الدفاع بشكل استباقي.
ونقلت الصحيفة عن مصادر دبلوماسية، أن الرسالة الإيرانية كانت تهدف إلى "ضبط التصعيد"، دون التراجع عن الرد. وهو ما عبّرت عنه واشنطن لاحقاً بتأكيدها أن "الهجوم لم يكن مفاجئاً بالكامل".
واشنطن بوست: اختبار واقعي لمنظومة قطر
وفي تحليل نشرته "واشنطن بوست"، بعد يومين من الهجوم، اعتبرت الصحيفة الأميركية أن الهجوم مثّل "اختباراً واقعياً للقدرات الدفاعية الخليجية"، مشيرة إلى أن قطر تمكّنت من إدارة الموقف عبر "منظومة دفاعية متكاملة ومتعددة الطبقات، لعبت دوراً محورياً في تقليص آثار الهجوم إلى الحد الأدنى".
وأضافت الصحيفة أن نجاح التصدي للصواريخ، يعكس تطور البنية الدفاعية القطرية في السنوات الأخيرة، واعتمادها على مزيج من التكنولوجيا الغربية والتخطيط المحلي.
الدوحة ما بعد الهجوم
أثار الهجوم نقاشاً واسعاً في الأوساط العسكرية حول قدرة الدول الخليجية على التصدي للهجمات الجوية والباليستية، خصوصاً في ظل التحديات الجيوسياسية المتسارعة. وقد أعادت التجربة القطرية الأخيرة تسليط الضوء على أهمية الاستثمار المستدام في أنظمة الدفاع، وبناء القدرات الذاتية، وعدم الاكتفاء بالاعتماد على الحماية الخارجية.
وفي هذا السياق، فإن المعركة لم تكن فقط ضد الصواريخ، بل كانت أيضاً معركة لإثبات أن قطر تملك زمام أمنها الجوي، وتدير تعاوناً دفاعياً متوازناً مع حلفائها دون فقدان سيادتها.
قراءة استراتيجية
أشاد رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الجوية الأميركية، الجنرال دان كين، بأداء القوات المسلحة القطرية ودورها في الدفاع عن الأجواء القطرية خلال عملية التصدي لهجوم صاروخي إيراني.
وقال كين: "كانت بطارية الدفاع الجوي هدفاً رئيسياً لإيران في حال وقوع هجوم بالصواريخ الباليستية، وكان الضغط كبيراً على الجنود المشغلين لها. إذ كان تدمير بطاريات صواريخ باتريوت سيمهّد الطريق لبقية الصواريخ ويجعل قاعدة العديد عرضة لهجمات لاحقة". وأضاف "كان أمام جنود وحدات الباتريوت نحو دقيقتين فقط، 120 ثانية، لاتخاذ القرار: إما النجاح أو الفشل".
واعتبر كين العملية دفاعية ذات طابع تاريخي، وقال: "نعتقد أنها أكبر عملية قتالية فردية لصواريخ باتريوت في تاريخ الجيش الأميركي"، مشيراً إلى مشاركة طاقم صواريخ باتريوت القطري في العملية.
وأضاف أن "هؤلاء الجنود بشر رائعون، وقفوا جنباً إلى جنب مع إخوانهم وأخواتهم القطريين في السلاح، بين وابل من الصواريخ الإيرانية وسلامة قاعدة العديد".
هندسة أمن المنطقة
من الناحية العملياتية، أتاحت عملية التصدي فرصة نادرة لاختبار قطر لأنظمتها الدفاعية في ظروف قتالية فعلية، مما وفّر بيانات ثمينة ستُستخدم لتحديث البرامج وتطوير التكتيكات.
الهجوم الذي كاد أن يكون شرارة تصعيد كبير في الخليج، تحوّل إلى لحظة لإعادة التوازن، وإعادة تعريف دور قطر في هندسة أمن المنطقة. فقد أثبتت الدوحة أن الدفاع عن السيادة لا يمر فقط عبر البيانات الدبلوماسية، بل أيضاً عبر المنظومات الإلكترونية، والقرارات الميدانية السريعة، والتخطيط بعيد المدى.
