newsأسرار المدن

من السلفية الجهادية إلى الجنسية السورية: رحلة قتال معقدة

مها غزالالأربعاء 2025/06/04
WhatsApp Image 2025-06-03 at 5.05.00 PM.jpeg
المقاتلون الأجانب من الظل إلى الجنسية (انترنت)
حجم الخط
مشاركة عبر
في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والحقوقية، تسرّبت تقارير تشير إلى منح الحكومة السورية الجنسية السورية لمقاتلين أجانب شاركوا في القتال إلى جانبها خلال السنوات الماضية، ودمجهم ضمن صفوف الجيش النظامي أو الأجهزة الأمنية.

هذه الفكرة، التي كانت تُعد من المحرّمات في أدبيات السيادة الوطنية، تعكس تحوّلاً عميقاً في بنية الدولة السورية ما بعد الحرب، وتفتح الباب واسعاً أمام أسئلة حرجة: من هم هؤلاء المقاتلون؟ من أين جاؤوا؟ وما الدور الذي لعبوه في الثورة السورية منذ اندلاعها عام 2011؟
الغوص في الخلفية الكاملة للمقاتلين الأجانب الذين توافدوا إلى سوريا خلال أكثر من عقد، واجبة، وذلك بعيداً عن الصورة النمطية التي تربطهم بتنظيم "داعش" فقط، لنستعرض الفصائل الجهادية متعددة الجنسيات التي قاتلت في صفوف المعارضة أحياناً، وضدها أحياناً أخرى، كما نتابع مسار تحوّل بعضها إلى أدوات إقليمية، أو جماعات ظلّ تمارس تأثيراً سياسياً وعسكرياً غير مباشر.
وبينما تتركز الأنظار حالياً على ملف الاندماج المحتمل لهؤلاء المقاتلين ضمن مؤسسات الدولة، فإن الخلفية التاريخية والديمغرافية والعسكرية لهذه الفصائل لا تزال غير موثقة بشكل كافٍ، لذا، يحاول هذا التقرير سدّ هذه الفجوة، بتقديم تحليل موسّع لمسارات المقاتلين الأجانب في الشمال والجنوب والشرق، وانعكاسات أي خطوة رسمية للاعتراف بهم كمواطنين أو جنود، على مستقبل سوريا وهويتها الوطنية.


الفصائل الجهادية في الشمال السوري:


الإيغور مقاتلون عابرون للحدود بين الجهاد والهوية

ينتمي الحزب الإسلامي التركستاني إلى حركة تركستان الشرقية التي نشأت في إقليم شينجيانغ الصيني، ويُعد امتداداً لفصيل جهادي نشأ في أفغانستان وانتقل لاحقاً إلى باكستان، قبل أن يجد موطئ قدم له في سوريا عام 2012.
ودخل عبر الأراضي التركية واستقر شمال غرب البلاد، لا سيما في ريف إدلب وريف اللاذقية، متبنياً فكراً سلفياً جهادياً متشدداً، وهو على ارتباط عقائدي وثيق بتنظيم القاعدة، رغم إصراره على الحفاظ على استقلالية تنظيمية شكلية.
وتمركز الحزب في مناطق مثل جسر الشغور وسهل الغاب وجبل الأكراد، وقدّر عدد مقاتليه بنحو 4 إلى 5 ألاف، يشكل الإيغور النسبة الأكبر منهم، إلى جانب عناصر من الأوزبك والشيشان.
واتسمت بنيته التنظيمية باللامركزية، وتولى مجلس شورى مشكَّل من قيادات أجنبية إدارة المعسكرات وشؤون الحزب، بما في ذلك معسكرات تدريب الأطفال واليافعين.
وخاض الحزب معارك بارزة إلى جانب فصائل مثل هيئة تحرير الشام، أبرزها معركة جسر الشغور عام 2015، ومعارك سهل الغاب وجبال اللاذقية بين عامي 2017 و2020. وارتبط بعلاقات وثيقة بهيئة تحرير الشام، إذ انضوى ضمن غرفة عمليات "الفتح المبين"، رغم حصول توترات محدودة مع بعض فصائل الجيش الحر، خصوصاً في كفرشلايا عام 2018، ومحيط محمبل عام 2020.
ووثقت منظمات حقوقية استيلاء الحزب على مئات المنازل في قرى مسيحية مهجّرة مثل الغسانية واليعقوبية، ومصادرة بنى تحتية زراعية في سهل الغاب، كما وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تجنيد الحزب لأطفال في معسكرات تدريب بجسر الشغور، وفرضه تعليماً دينياً متشدداً في مدارس خاصة، إضافة إلى تحويل المساجد إلى مقار عسكرية.
واتُّهم عناصر منه بارتكاب انتهاكات مباشرة بحق مدنيين سوريين، منها الاعتداء على عائلة في قرية الكندة عام 2023، ورفض إعادة منازل لأصحابها رغم وساطات عشائرية.
وفي تحول مفاجئ، أعلن الحزب في كانون الثاني/يناير 2025، حلّ نفسه رسمياً والانضمام إلى "الفرقة 84" ضمن ما عُرف بـ"الجيش السوري الجديد"، تحت رعاية تركية-قطرية.
الخطوة أثارت تحفظات داخلية وغضباً صينياً رسمياً، نظراً لما يشكله الحزب من تهديد مزمن لأمن الصين القومي، ومع ذلك، يبقى الغموض يحيط بمصير قادته ونفوذه الفعلي في المرحلة الجديدة.

من شيشان القوقاز إلى جبهات حلب وإدلب
تأسس جيش المهاجرين والأنصار أواخر عام 2012 على يد مجموعة من المقاتلين القوقازيين، يتقدمهم القائد الشيشاني الشهير أبو عمر الشيشاني، الذي برز لاحقاً كأحد أبرز القياديين في تنظيم "داعش".
وحافظ الفصيل في بدايته على استقلاله التنظيمي، متبنّياً المرجعية السلفية الجهادية دون أن يعلن ولاءً رسمياً لتنظيم القاعدة، رغم قربه العقائدي منها، وتكونت نواة الفصيل من مقاتلي "لواء المهاجرين"، ممن خاضوا معارك سابقة في الشيشان وأفغانستان، وكانوا يتمتعون بخبرة ميدانية عالية.
وبلغ عدد مقاتلي الجيش في ذروته بين عامي 2014 و2015، ما بين الف و500 إلى ألفي عنصر، معظمهم من الشيشان وداغستان وأوزبكستان، إلى جانب عناصر من البوسنة وفرنسا، وتمركز الفصيل بدايةً في مدينة حلب وريفها الشمالي، ثم انتقل لاحقاً إلى إدلب بعد انسحاب فصائل المعارضة من أحياء حلب الشرقية أواخر عام 2016.
وشارك الفصيل في معارك بارزة ضد قوات نظام الأسد، كان أبرزها معركة مطار منغ العسكري في آب/أغسطس 2013، ومعارك حي الشيخ سعيد وحلب القديمة، ولاحقاً في جبل الزاوية (2019–2020) ضمن غرفة عمليات الفتح المبين، كما دخل في مواجهات مباشرة مع تنظيم "داعش" في ريف حلب الشمالي، لا سيما في مارع وتل رفعت (2014–2015)، رافضاً مبايعته بعد انشقاق قائده المؤسس.
ورغم غياب صدام مباشر مع فصائل الجيش الحر، وثّقت تقارير محلية تضييقاً مارسه مقاتلوه على المدنيين، خصوصاً في دارة عزة والأتارب، كما رفض الفصيل الانضمام إلى الجبهات الإسلامية الكبرى، وفضّل الحفاظ على استقلاليته.
ووفق تقارير حقوقية، ارتكب الجيش عدداً من الانتهاكات، بينها الإعدامات الميدانية بحق أسرى ومدنيين، وفرض قيود دينية متشددة في المناطق التي سيطر عليها، بالإضافة إلى رفضه التعاون مع المجالس المحلية.
وتراجع نفوذ الفصيل منذ 2016 بعد خسائر في صفوف قيادته، واندمج عدد من مقاتليه مع مجموعات شيشانية أصغر، أبرزها "جنود الشام"، أو انضموا سراً إلى "هيئة تحرير الشام"، ومع حلول عام 2022، لم يعد الفصيل كياناً مستقلاً، بل شبكة مقاتلين مندمجة ضمن كتائب مجهولة الهوية في إدلب.

جهاديو أوروبا في إدلب

تأسست "فرقة الغرباء" أواخر عام 2013 بقيادة الجهادي الفرنسي عمر أومسين (عمر ديابي)، الذي ارتبط بشبكات تجنيد متطرفة في الضواحي الفرنسية، واتخذت الفرقة الخط السلفي الجهادي المتشدد منهجاً، لكنها رفضت إعلان الولاء لأي تنظيم، بما في ذلك القاعدة و"داعش"، وصُنفت من قبل السلطات الفرنسية كواحدة من أخطر الجماعات الجهادية الأوروبية.
تراوح عدد عناصرها بين 100 و300 مقاتل، غالبيتهم فرنسيون وبلجيكيون، مع وجود أقلية مغاربية وسنغالية، وتمركزت في مناطق حارم وسرمدا ضمن تجمعات مغلقة، عُرفت بـ"أحياء الأجانب"، ولم تسجل لها مشاركة بارزة في المعارك الكبرى ضد النظام، واقتصر نشاطها القتالي على خطوط ثانوية.
بينما دخلت الفرقة في اشتباكات مع الجيش الحر في دركوش (2014)، إثر خلاف على معتقلين، وأسفرت المواجهات عن مقتل مدنيين، كما شهدت علاقتها مع "هيئة تحرير الشام" توتراً حاداً، بلغ ذروته عام 2018 بحصار أحد مقراتها واعتقال قائدها ثم الإفراج عنه بشروط، وفرضت الفرقة نمطاً متشدداً من الحياة، ومنعت دخول المدنيين السوريين إلى مناطقها، وارتكبت انتهاكات شملت الخطف مقابل فدية، ومنع الفعاليات المدنية.
كما مارست نشاطاً دعوياً عبر قنوات مشفرة باللغة الفرنسية، ودعت إلى تنفيذ عمليات داخل أوروبا. ومع حلول 2021، تفككت بنيتها نتيجة ضغط "هيئة تحرير الشام"، ونُزع سلاحها، فيما دخل قسم منها في عزلة تنظيمية داخل حي الأجانب بحارم، وتشير تقارير صحافية إلى مغادرة بعض عناصرها إلى تركيا أو أوروبا، فيما لا يزال عمر ديابي مختبئاً تحت حماية عشائرية.

تتار وبشكير على هامش الجهاد السوري

تأسست كتيبة "جنود المهدي" أواخر 2016، بعد اندماج مجموعتين صغيرتين من المقاتلين القادمين من تتارستان وبشكورتوستان، ولم يكن للكتيبة أي ارتباط عقائدي بالمذهب الشيعي رغم تسميتها، بل اتبعت سلفية جهادية قوقازية محافظة.
ضمّت الكتيبة ما بين 200 و400 عنصر في ذروتها، غالبيتهم من التتار والبشكير، وتمركزت في جبال اللاذقية، لا سيما جبل التركمان والأكراد، مستفيدة من وعورة التضاريس في تنفيذ عمليات تسلل وكمائن، أبرز مشاركاتها القتالية ضد نظام الأسد كانت في معركة تلال البيضاء (2017) وكبينة (2018).
وكانت علاقتها بـ"هيئة تحرير الشام" فاترة دون صدام، كما لم تسجل لها مواجهات مع الجيش الحر، وفرضت عزلة تنظيمية شديدة على عناصرها، وامتنعت عن أي تواصل مدني أو إعلامي، لكن وُثّق استيلاؤها على منازل نازحين علويين في قرية الشحرورة، كما فرضت قيوداً دينية صارمة.
منذ 2019، وبعد تصاعد القصف الروسي على جبال اللاذقية، انسحبت الكتيبة إلى مواقع ثانوية، واختفت تدريجياً عن المشهد الميداني، ويُعتقد أن معظم عناصرها انضموا لاحقاً إلى مجموعات شيشانية صغيرة، أو غادروا نحو شمال العراق.

من جبهة النصرة إلى سلطة أمر واقع

تأسست هيئة تحرير الشام في يناير 2017 باندماج عدة فصائل أبرزها جبهة فتح الشام، بقيادة أبو محمد الجولاني. رغم إعلانها فك الارتباط بتنظيم القاعدة، حافظت على عقيدة سلفية جهادية متشددة، ثم تبنّت لاحقاً خطاباً براغماتياً يسعى إلى تقديمها كسلطة محلية معتدلة نسبياً، عبر حكومة الإنقاذ.
تراوح عدد مقاتليها بين 10 ألاف و15 ألف عنصر، مع وجود مقاتلين أجانب من جنسيات متعددة، سيطرت على معظم إدلب، وأجزاء من أرياف حلب واللاذقية وحماة.
وشاركت في معارك كبرى ضد النظام، منها معركة حلب الشرقية، ومعارك إدلب الكبرى (2019–2020)، وحافظت على جبهات ساخنة في كبينة.
وبالرغم من قتالها ضد الأسد، لكن الهيئة شنّت معارك ضد فصائل معارضة، أبرزها الزنكي (2019)، والجبهة الوطنية (2020–2021)، وقضت أيضاً على تنظيم جند الأقصى، اتُّهمت بارتكاب انتهاكات حقوقية، بينها اعتقال صحافيين، إصدار أحكام بالإعدام، وتقييد الحريات المدنية، كما فرضت جبايات واسعة على الأسواق والخدمات.
وسعت الهيئة إلى كسب شرعية إقليمية، متجنبة التصنيف الإرهابي التركي، ومستخدمة حكومة الإنقاذ كواجهة إدارية، ورغم الضربات الأميركية والروسية، حافظت على مكانتها كأقوى فصيل في الشمال الغربي.
وبالاستقلال الجزئي مقابل الولاء العسكري، تغاضت عن هيمنة التركستان في جسر الشغور والغسانية، شريطة التزامهم بغرفة عمليات الفتح المبين، في المقابل، اصطدمت الهيئة مع تنظيم "حراس الدين"، واعتقلت قادته، وفرضت عليه قيوداً صارمة بعد حملات أمنية في 2019–2020.
أما جيش المهاجرين، فحافظ على التنسيق دون اندماج مع الهيئة، فيما واجهت الفصائل الصغيرة مثل فرقة الغرباء وجنود المهدي، تضييقاً أمنياً دفع بعضها إلى الانكفاء أو مغادرة إدلب.
ونجحت الهيئة في احتواء النفوذ الجهادي غير المنضبط، وتحييد القاعدة دون تصادم شامل، محافظة بذلك على تفوقها كسلطة ميدانية وتنظيمية شمال غرب سوريا.

الفصائل الأجنبية في الجنوب السوري

وظهرت مجموعات جهادية أجنبية في جنوب سوريا، منذ عام 2013، لا سيما من الشيشان والقوقاز، وتمركزت في مناطق مثل درعا والقنيطرة، وشاركت هذه الفصائل في معارك نوعية ضد نظام الأسد، منها معارك محيط بصرى الشام وجبل الشيخ، واشتهرت بانضباطها القتالي رغم محدودية أعدادها وتأثيرها بالمقارنة مع نظيراتها في الشمال.
مع انطلاق تسويات 2018، انحسرت هذه المجموعات، فاندمج بعضها ضمن تشكيلات محلية كـ"الفيلق الأول"، وتحولت أخرى إلى خلايا نائمة نشطة في محيط درعا البلد، كما ظهرت فصائل أجنبية صغيرة مثل "لواء المهاجرين والأنصار – الجنوب" و"كتيبة الصادق"، لكنها افتقرت للنفوذ والدعم اللوجستي، ما أدى إلى تفككها أو انكفائها إلى العمل الأمني.
من جهة أخرى، حاولت "تحرير الشام" التمدد جنوباً، لكنها اصطدمت بممانعة من الفصائل المحلية والبيئة الاجتماعية، لتندلع اشتباكات محدودة في ريف القنيطرة الغربي ومحيط نوى، ولم تنجح الهيئة في بناء قاعدة جنوبية، وبقيت علاقتها بالفصائل الأجنبية هناك هشّة وغير مستقرة.
وبحلول عام 2025، تراجع الوجود العلني لتلك الفصائل الجهادية الأجنبية بشكل واضح، بينما تنشط خلايا سرية في تنفيذ اغتيالات وتفجيرات، ما يزيد من هشاشة الوضع الأمني، ويثير مخاوف محلية ودولية حول استقرار الجنوب السوري.


الفصائل الأجنبية في الشرق السوري
في مناطق دير الزور والرقة والحسكة، لم يكن حضور الفصائل الجهادية الأجنبية كبيراً خارج إطار تنظيم "داعش" ومع ذلك، تشير بعض التقارير الميدانية إلى وجود مجموعات صغيرة من المقاتلين التركمان والأوزبك في محيط البوكمال والميادين، يعملون ضمن شبكات تهريب وميليشيات محلية موالية للحرس الثوري الإيراني.
بعض هؤلاء المقاتلين الأجانب، خاصة التركمان والباكستانيين، حصلوا على إقامات طويلة في مناطق سيطرة النظام، وتم تجنيدهم ضمن مجموعات تعرف باسم "لواء زينبيون" و"فاطميون"، حيث يقاتلون تحت إشراف إيراني مباشر، بعيداً عن الأطر السورية التقليدية.
ورغم أن الحديث عن تجنيسهم لا يزال غير رسمي، فإن بعض المؤشرات الميدانية تؤكد حصول عدد منهم على وثائق سورية، خصوصاً ممن قُتل لهم أقارب خلال المعارك.

الفصائل الأجنبية وإشكاليات الهوية والسيادة

طوال السنوات الأربع عشرة الماضية، شكّل وجود الفصائل الجهادية الأجنبية في سوريا عاملاً مضطرباً في مسار الثورة والصراع، وترك تأثيرات عميقة على المستويين العسكري والاجتماعي، فعلى الرغم من مشاركتها في معارك كبرى ضد النظام، إلا أن هذه الفصائل غالباً ما حملت معها أجندات منفصلة عن الأجندة الوطنية السورية، ما أدى إلى توترات متكررة مع الفصائل المحلية، وأحياناً إلى اقتتال دموي داخل مناطق المعارضة نفسها.
كما فرضت هذه الفصائل أنماط حياة متشددة على المجتمعات المحلية التي تواجدت فيها، ما خلق فجوة بين الثورة وقاعدتها الشعبية، ووفّر للنظام ذريعة لتصوير المعارضة كحاضنة للتطرف، لا سيما أن بعض هذه الجماعات ارتكبت انتهاكات موثقة بحق المدنيين، من فرض الضرائب والجباية، إلى الاختطاف، وصولاً إلى الإعدامات الميدانية والمحاكمات غير العادلة.
اليوم، ومع الحديث عن إمكانية دمج هذه المجموعات أو بقاياها في الجيش السوري ومنح مقاتليها الجنسية، تُطرح تساؤلات مصيرية حول الأثر بعيد المدى لهذا الخيار: هل يمكن دمج عناصر مشبعة بإيديولوجيا عابرة للحدود في مؤسسات دولة تسعى إلى إعادة بناء هوية وطنية موحدة؟ وهل سيؤدي ذلك إلى تعزيز الاستقرار، أم أنه يهدد بإعادة إنتاج بُنى موازية داخل الجيش والمجتمع؟
ورغم ما قيل عن موافقة أميركية ضمنية على مشروع الدمج، فإن التحدي الحقيقي يكمن في قدرة الدولة السورية على إدارة هذا التداخل الهوياتي والعقائدي، فدمج المقاتلين الأجانب لن يكون مسألة تقنية أو إدارية فحسب، بل هو اختبار حقيقي لإمكانية إعادة تشكيل مفهوم السيادة والمواطنة بعد عقد ونصف من الحرب والانقسام.
ويبقى مستقبل هؤلاء المقاتلين، كما مستقبل سوريا نفسها، رهناً بإرادة سياسية حقيقية تتجاوز الحسابات الأمنية الضيقة، وتتجه نحو مصالحة وطنية عادلة، تُعيد تعريف الانتماء والشرعية من جديد.

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها