newsأسرار المدن

الفصائل المسلحة في السويداء بين صراع الوطنية ورهانات السلاح

مهيب الرفاعيالجمعة 2025/05/23
السويداء الذكرى الأولى للحراك.jpg
السويداء ترفع شعارات الثورة السورية عام 2022 (Getty)
حجم الخط
مشاركة عبر
لعب الدروز دوراً مهماً في بناء الدولة السورية، لكنهم تعرضوا للتهميش بعد انقلاب عام 1963 وما تبعه من تصفيات داخلية، خاصة مع رفضهم الانخراط في الخط البعثي، وارتباطهم بدروز لبنان المعارضين لتدخل الأسد. وقد زادت القطيعة مع النظام بعد اغتيال قيادات درزية بارزة ككمال جنبلاط، ما أدى إلى استبعادهم من مراكز القرار في الحزب والجيش والأمن، باستثناءات نادرة مثل عصام وأسامة زهر الدين، الضابطين في المخابرات العسكرية.
هذا التهميش عمّق شعورهم بالغبن، خصوصاً مع تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في محافظة السويداء. وعام 2022، انطلقت احتجاجات سلمية في السويداء عبّرت عن رفض الفساد وغياب الدولة، ورفعت شعارات الثورة السورية، مطالبة بتنفيذ القرار 2254، والكشف عن مصير المعتقلين، وخروج القوات الروسية والإيرانية. ورغم تشويه نظام الأسد لهذا الحراك والحملة الإعلامية ضده، تميز الحراك بطابعه المدني، وشارك فيه شباب ونساء وزعامات دينية، مع تنسيق واضح مع درعا؛ وحاول نظام الأسد احتواءه دون استخدام العنف المفرط، عبر ضغوط واتصالات محلية؛ في الوقت الذي ظهرت فصائل محلية مثل "رجال الكرامة" و"لواء الجبل" لحماية المجتمع والحراك من الأمن والفوضى، ورفض أي تطرف أو تبعية.

نحو مشروع وطني جامع
بعد سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، سعت الإدارة الجديدة إلى تعزيز الوحدة الوطنية وبسط سلطة الدولة في السويداء مع وجود رغبة وإرادة سياسية حقيقية، تُعيد للدروز مكانتهم التاريخية، وتُحقق تطلعاتهم في العدالة والمساواة واحترام تنوع البلاد، والاستفادة من إرثهم النضالي ومثقفيهم. ومنذ الأسابيع الأولى، دعت الإدارة الجديدة إلى دمج الفصائل المحلية في مؤسسات الدولة من خلال برامج تأهيل وتدريب لضمان ولائها، بهدف تعزيز الأمن والاستقرار؛ كما دعت إلى تعزيز دور القضاء المحلي وتفعيل الضابطة العدلية بإشراف شخصيات موثوقة من أبناء المحافظة لضمان العدالة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، بما يتوازى مع إطلاق حوار وطني شامل يضم جميع الأطراف المعنية.
شهد المشهد العسكري في السويداء بعدها تنوعاً لافتاً في الفصائل المسلحة من حيث التكوين والانتماء والرؤى السياسية والأمنية، وهو تنوع ناتج عن التحولات الداخلية والإقليمية، خاصة في ظل التصريحات الإسرائيلية بشأن "حماية الدروز". ويمكن تصنيف هذه الفصائل إلى تيارين رئيسيين: الأول هو الفصائل التقليدية ذات التوجه المعتدل، مثل "رجال الكرامة" و"لواء الجبل" و"تجمع أحرار الجبل"، والتي ترتبط بعلاقات وثيقة مع المرجعيات الدينية التقليدية وتؤدي دوراً محلياً في حماية أمن الجبل دون انخراط في مشاريع انفصالية أو فيدرالية، مع إبقاء مسافة محسوبة من السلطة الجديدة التي تقبل بها بشروط تحفظ استقلالية القرار المحلي.
أما التيار الثاني فيتمثل في الفصائل الراديكالية حديثة التشكيل، مثل "قوات العليا" و"سرايا الجبل" و"شيخ الكرامة"، والتي تتبنى مواقف الشيخ حكمت الهجري وتطرح مشاريع سياسية أكثر طموحاً، تدعو إلى نظام فيدرالي وترفض السلطة الجديدة بشكل قاطع، كما تسعى إلى توحيد العمل العسكري ضمن هيكل مؤسساتي يحقق التمثيل السياسي لمحافظة السويداء.

فصيل ثالث
ورغم التباينات الجوهرية بين هذين التيارين، فإن كليهما يتفق على أولوية الدفاع عن السويداء ورفض أي تهديد خارجي، خصوصاً من الجماعات المتطرفة أو التدخلات الإقليمية. وفي موازاة ذلك، يبرز فصيل ثالث مغاير من حيث الهوية والانتماء، يتمثل في "تجمع عشائر السنة" من البدو وعشائر السنة المقيمين في السويداء، وهو داعم صريح للسلطة الجديدة ويتميّز بقربه منها مقارنة بالفصائل الدرزية. ويعكس هذا التعدد الفصائلي توتراً عميقاً بين الهوية الوطنية والخصوصية الطائفية، وبين المركزية واللامركزية، ويكشف عن مشهد غير متجانس تتحكم فيه المرجعيات الدينية والانتماءات السياسية والمواقف من القضايا الإقليمية الكبرى، وعلى رأسها العلاقة مع إسرائيل والإدارة الذاتية.

التوترات الأمنية وشبح العسكرة
ومع تصاعد التوترات الأمنية في السويداء، وتعدد الفصائل والولاءات، واتساع دائرة المزايدات بالوطنية والانتماء، ودخول العشائر على الخط عبر مناوشات مع فصائل محلية في المدينة والقرى المحيطة، كان لا بد من إفساح المجال لرجال الدين والمسؤولين الأمنيين المحليين ليكونوا مرجعيات معنوية وعملية في أوقات حرجة، لا سيما وأن الحكومة السورية الجديدة تركز على محافظة السويداء لترتيب أوراقها وتصحيح مسار التعامل معها عمّا كان عليه نظام الأسد، مع تقديم ضمانات حقيقية عبر الممثل الحكومي (المحافظ) فيها، من خلال اجتماعاته مع الوجهاء ورجال الدين.
ويبرز دور المشيخة في ضبط السلم الأهلي عبر تهدئة التوترات الداخلية، ودرء الاقتتال بين الفصائل المحلية المعارضة للحكومة الجديدة والموالية لها. كما كانت طرفاً مقبولاً لدى الأهالي للتفاوض مع الدولة الجديدة من خلال منع الانزلاق نحو الحرب الأهلية داخل السويداء ودعم الاحتجاجات السلمية والوقوف بوجه العصابات والفلتان الأمني الذي حصل في الأسابيع الأولى من التحرير ولو عبر وساطات معنوي وأهلية. ولم تكن مشيخة العقل داعمة لحمل السلاح خارج الدولة بشكل دائم، لكنها في الوقت نفسه تفهمت الأسباب التي دفعت الفصائل للتسلح، مثل غياب الأمن وعمليات الخطف وتفشي الجريمة. لذا كانت دعوات المشيخة دائماً تدور حول حصر السلاح بيد الدولة، لكن بعد إصلاح أجهزتها وتفكيك العصابات الإجرامية المرتبطة ببعض المليشيات المحلية التي لربما يكون لها ارتباطات خارجية مع التأكيد على إعادة بناء ثقة الناس بالمؤسسات الرسمية.
تعزز هذه التوصيات موقع المشيخة الدينية في عملية السلم الأهلي وخلق مناخ آمن لتفعيل دور العدالة الانتقالية، كونها تؤكد على ترسيخ موقع المشيخة كمؤسسة وطنية لا طائفية، تعبر عن الدروز كمكون وطني، لا ككيان منفصل؛ مع إشراك المشيخة في جهود المصالحة وإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع المحلي.

تغيرات تجاه الفصائل المسلحة
من خلال البيان الصادر عقب اجتماع المشايخ مع محافظ السويداء، يبدو أنهم قد حسموا موقفهم بوضوح تجاه مسألة السلاح والفصائل المسلحة التي أصبحت تشكل تهديداً واضحاً لسيادة الدولة وممثليها في المحافظة، لا سيما بعد الاعتداءات المتكررة من قبل أفراد ومليشيات منفلتة على مبنى الأمن الجنائي ومبنى المحافظة وصولاً إلى الاعتداء على مكتب المحافظ شخصياً. فقد أبدوا قلقاً واضحاً من حالة الفوضى التي نجمت عن تجاوزات بعض الأفراد بحق الضابطة العدلية وعناصر الشرطة، وهو ما دفعهم إلى اتخاذ خطوة لافتة بتفويض الفصائل المحلية والأهلية بدعم مهام هذه المؤسسات، لا بهدف فرض واقع مليشياتي، بل في محاولة لضبط السلاح وتوجيهه نحو حماية القانون وهيبة الدولة.
ومن خلال دعوة المشيخة العلنية لجميع الفصائل بالتعاون الكامل مع الضابطة العدلية والأجهزة الأمنية، هناك نية جدية لتحويل الفصائل من قوى خارجة عن القانون إلى شركاء في حفظه، ضمن أطر واضحة تحترم المؤسسات القضائية والشرطية. والأهم من ذلك، أن المشيخة لم تكتفِ بالدعوة، بل أطلقت تحذيراً واضحاً من أي اعتداء على هذه الأجهزة أو على أفرادها، في خطوة تُظهر تحولاً نوعياً في الخطاب والموقف تجاه منطق الفوضى والسلاح المنفلت.
في المقابل، يظهر أن المشيخة لا تتعامل مع الفصائل وحدها، بل توجه أيضاً خطاباً مباشراً لعناصر الشرطة من أبناء المحافظة، تدعوهم فيه لاستعادة دورهم على الأرض بفعالية وجدية، رغم المقومات اللوجستية الضعيفة، لا سيما وأنهم يدركون أن أي نجاح في فرض القانون لا يمكن أن يتحقق دون عودة المؤسسات الرسمية للقيام بمهامها، وهو ما يجعل موقف المشيخة أقرب إلى رسم معادلة جديدة قائمة على فكرة أن السلاح يجب أن يُضبط، والفصائل يجب أن تتحول من أدوات نزاع إلى أدوات دعم، والقانون هو المرجعية الأولى للجميع.
يعكس هذا الطرح توجهاً جديداً يسعى إلى كبح العشوائية وتنظيم دور القوى الأهلية ضمن مظلة القانون، بما يشير إلى وعي متزايد بأن الاستقرار لا يمكن تحقيقه إلا بتكامل الأدوار بين المجتمع المحلي ومؤسساته الرسمية.
دفع هذا التغير حركة "رجال الكرامة" و"لواء الجبل" إلى إعادة الانتشار في المحافظة، تجاوباً مع نداء المرجعيات، بهدف دعم الشرطة والضابطة العدلية، مع المطالبة بانتشار فوري لوحدات الشرطة التي تم الاتفاق على تفعيلها مؤخراً، وردع أي تجاوزات للقانون ووضع حد للسلاح المنفلت الذي يهدد السلم الأهلي في السويداء.

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

  • image
  • image
  • image
  • image
  • image
subscribe

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث