بيرق العلويين المرفوع في فضاءات الانتماءات العابرة للوطنية

دمشق - علي الراعيالاثنين 2025/05/12
بيرق العلويين (إنترنت).jpeg
العلويون في سجلات الأحوال المدنية يتبعون المذهب الحنفي
حجم الخط
مشاركة عبر
لعلَّ أكثر ما يتنازع معظم السوريين اليوم انتماءان، ربما لا ثالث لهما، الانتماء الأول العابر للوطنية، والذي تُمثله اليوم التنظيمات الرديكالية الإسلامية، التي لا ترى في (الوطن السوري) إلا مساحة عبور لـ(الوطن – الأمة)، والذي هو هنا "الأمة" ذات الخلافة الإسلامية. وهو ما يُعيدنا بالذاكرة إلى عدد لا يُستهان به من أدبيات أحزاب قومية وإسلامية سادت بعد مُضي الربع الأول من القرن العشرين، وبقيت كذلك حتى سقوط دمشق المدوي في (8\12\2024)، والتي كانت ترى دائماً في سوريا وطناً مؤقتاً للعبور للوطن الأمة: الأخوان المسلمون، الحزب السوري القومي الاجتماعي، الحزب الشيوعي، حزب البعث العربي الاشتراكي، وغيرهم.. والذي كان من نتيجة سردياتها الذهنية والعملياتية، أنها لم تصل لذلك الوطن – الحلم، ولم تحافظ على الوطن – المؤقت، وكان أن تسربت سوريا من بين الأصابع..
الانتماء الثاني، والذي أعتبر أنه ظهر نتيجةً للأول وإقصائية أصحابه وتهميشهم والنظر إلى أصحاب الانتماء الثاني شذراً وبالكثير من خطاب الكراهية، بل وحتى تهديدهم في وجودهم، فارتفعت بيارق الطوائف والأثنيات العرقية من: أكراد، ودروز، وإيزيدية، وكذلك رفرف بيرق العلويين بشكلٍ أثار دهشة وحيرة الكثيرين..

رفعه الآخرون
الدهشة والحيرة جاءت حين رفع ذلك البيرق الآخرون غير العلويين، لاسيما من أكراد ودروز وجماعات الحراك المدني، وكأنهم يقولون للعلويين "هذه هي رايتكم فلماذا تترددون في رفعها؟" ومع ذلك بقي العلويون إلى الآن مترددين في رفعها، وحتى في نشر صورة ذلك البيرق الذي ينتهي بأربع مثلثاتٍ حمراء في زواياه، وتتوسطه شمسٌ صفراء على خلفية بيضاء ناصعة.
وفي لقاءات مع الكثير من العلويين من مختلف أطيافهم وأجيالهم؛ وجدت مثل هذه الدهشة على وجوههم التي تأتي كمن تفاجأ بهذه المعلومة – الاكتشاف.. رغم أن بعضاً منهم لم يُخف غبطةً قصية، وكأنه وجد ما يُمكن الاستناد إليه في ظل عقود طويلة من عمليات تذويب العلويين في محيطهم كما كانت ممارسات النظام السابق، ومن ثم بعد التشبيح بمقولة "نحن بنو أميّة" منذ بداية سيطرة النظام الحالي على حكم دمشق، والتي أطلقت لإثارة الرعب وقهر الآخر وتحقيره والانتقام منه..
وللتذكير هنا أن العلويين في سجلات الأحوال المدنية يتبعون المذهب الحنفي، مذهب الدولة السورية قبل سقوط النظام السابق، وعليه كان العلوي يتزوج ويُطلّق، ويرث ولايزال إلى اليوم على المذهب الحنفي في معاملات سجل الأحوال المدنية، كما ليس لدى العلويين محكمة روحية كما عند المسيحيين والدروز، وإنما كلّ معاملاتهم في سجلات الأحوال المدنية تتم عن طريق المحكمة الشرعية الإسلامية، والتي هي في الغالب على المذهب الحنفي، أحد مذاهب السنة والجماعة.. وعلى ما يرى الكثير ممن قابلناهم فقد كان الانتماء إلى الطائفة العلوية سابقاً مجرد تفصيل عائلي في السير والأحاديث اليومية.. شيءٌ يُقال حين يُسأل عنه، بل يُحاوَل تجنب ذكره في كثيرٍ من الأحيان، لأن الانتماء الإنساني الذي يتغلغل في عمق شخصية العلوي والعلوية يجعلهما يميلان إلى التركيز على الإنسانية انتماءً وسلوكاً وديناً وطائفةً، ومن هنا يُمكن تفسير انخراطهم في الكثير من الأحزاب القومية والأممية.

مذابح الساحل
غير أن أكثر ما ظهّر بيرق العلويين؛ كان خلال الوقفات والمظاهرات الاحتجاجية التي أقامها متعاطفون مع ضحايا مذابح الساحل السوري، والتي اعترفت بها حكومة الأمر الواقع في دمشق غير مرة، وإن كان على استحياء، وحاولت نسب مرتكبيها لأكثر من طرف دون تبرئة قوى مسلحة تنتمي إليها، لاسيما ما صرّح به الرئيس الانتقالي أحمد الشرع في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون خلال زياته للعاصمة الفرنسية باريس مؤخراً..
فقد شهدت عشرات المدن والعواصم الأوروبية والأميركية رفع علم العلويين خلال هذه المظاهرات التي كانت تُطالب بوقف القتل الطائفي، والقتل على الهوية العرقية والدينية، والذي كان ولايزال يجري دون محاسبة.. أما في الداخل السوري، فقد بقي رفع هذه الراية خجولاً وشبه معدوم، ربما باستثناءات قليلة جداً على بعض صفحات الفيسبوك..

في سؤال العارفين
وفي سؤال بعض العارفين من رجال دين وباحثين في المثيولوجيا السورية عن راية العلويين، وجدت إجابات مختلفة عن أسئلة طرحتها من قبيل: هل كان لديك فكرة سابقة عن (علم) الطائفة العلوية، وعما تعني رموزه وألوانه قبل انتشاره مؤخراً لاسيما في المقتلة العلوية؟، وكيف تفسر تردد العلويين بإشهاره والتغني والاحتفاء به أسوة باحتفاء بقية المكونات السورية ببيارقها؟، وكيف تفسر أيضاً؛ أن أول من رفعه كان من مكونات سورية أخرى غير العلويين؟
حيث أجابني الشاعر والباحث عبد الكريم الناعم بالحرف: "لا أعرف شيئاً عن هذا العلم، ولا سمعت عنه سابقاً.."، وهو الخبير بالمثولوجيات السورية كافة، فيما كان جواب الباحث ورجل الدين حسن حرفوش مُلفتاً فقال: "كلُّ ما يتم نشره والترويج له من وجود علم أو راية للعلويين بأشعته الأربعة عشر بدعوى الإشارة بها للمعصومين الأربعة عشر من أهل البيت الطاهرين؛ ومن ثمّ القول في سياق ذلك إنه كان علم الإسكندر الأكبر ليس دقيقاً.."، ويُضيف: "لم نحط علماً ولا خبراً من خلال موروثنا الثقافي والعلمي المعرفي أنه كان (للعلويين) راية عبر التاريخ القديم، أو الحديث بهذه الصورة والشكل، وأول ظهور لهذه الراية كان منذ أشهر من خلال ما يُسمى (الإدارة الذاتية للساحل السوري)، وهذا الأمر شبيه بأيام ظهور داعش حينما نسبوا قولاً لأمير المؤمنين علي كرّم الله وجهه، وهو الحديث حول ظهور الرايات السود، وغير ذلك من الفبركات والتضليل". وبرأيه فإن غياب شاهد النص بالحديث عن وجود هذه الراية للعلويين؛ هو نفي لوجودها، ولو كانت موجودة لكان هناك من أشار لها ولو بكلمةٍ واحدة بما نسب للأمير حسن بن مكزون السنجاري من قيادته لجيش وعسكر أتى لنصرة العلويين في حينه، ولو كان لها، لكان هناك من أشار لرفعها أيام الشيخ فراس الدين (بارمايا) من قبل عندما دافع عن العلويين في جبال الساحل في القرن الرابع الهجري، ولو كان لها وجود لكان رفعها العلويون في معركة (مرج دابق) التي خاضوها ضد العثمانيين، ولو كان لها وجود لشاهدناها في مقام أو مزار واحد على الأقل من مزارات الأولياء العلويين.. هذه الراية – يُضيف- "تمّ أحداثها لجمع شتات العلويين تحتها من قبل (الإدارة) التي أعدّت المشروع لفصل العلويين في الساحل بغض النظر إن كان انفصال أو فيدرالية أو غير ذلك، وللتنويه المجازر التي تعرّض لها العلويون ومازالوا يتعرضون لها؛ إنما هي بتوجيه وإدارة وأمر عمليات من الخارج من قبل الإدارة التي تريد تنفيذ المشروع بدماء العلويين لتُقدّم نفسها لهم كمنقذ، وبالطبع سيتعلق بها العلويون طلباً للأمن والآمان والخلاص من الجوع والحرمان، وللتنويه أيضاً نحن عاجزون عن مقاومة هذا المخطط الشيطاني بأدواته الإجرامية من جهة والتضليل الثقافي والفكري من جهةٍ أخرى، فقد أوصلوا الشعب إلى درجة الكفر بكلِّ القيم والمبادئ، وما من شعب على وجه الأرض يستطيع الصمود كما صمدنا وصبرنا وفقدنا من الأحبة والاعزاء". ويختم: "راية العلويين الحقيقيين الوحيدة هي أخلاقهم وسلوكهم لاغير، فشمسنا بأشعتها هي في السماء وليست على قطعة قماش، ومع ذلك أقول راية تجمع الجميع خيرٌ ألف مرة من (شخصيات) حالية تجمع من جهة، وتُفرّق من جهةٍ أخرى".
أما الشاعر والباحث منذر حسن، فله سردية مختلفة حول هذه الراية، التي يربط ظهورها بإعلان الدولة العلوية (1920 – 1936)،  ويُضيف كان العلويون كبقية الشعوب في المنطقة غائبين عن دورة الحياة وخاضعين لفترة الظلام الاسلاموي على الطريقة العثمانية، وكانت بدايات تلمّس الضوء أخذت أبعاداً قومية ولغوية للرغبة الدفينة بالخلاص من العثمانيين، لذلك لجأ المسيحيون للغة كرابط مع المحيط وليتخلصوا من الاسلام السياسي العثماني، ولولا مساعدة البعثات التبشيرية الغربيه لصعُب عليهم امتلاك أي خطاب.. والمسلمون بدورهم لم يتجرّؤوا لأنهم مسكونين بالانتماء للدين، فرفعوا شعارات الإخاء العربي العثماني، وكان هذا بداية التدرج في الوعي.. العلويون لم يكونوا أكثر من أناس يدافعون عن عقائدهم غير المعلنة بالصمت والصبر، ولم يمتلكوا مشروعاً سياسياً، ولا حتى مشروعاً دينياً معلناً، ومن ثمّ أعتقد أن فكرة العلم فرضتها فكرة الدولة المنتدبة – فرنسا، فلجؤوا لرموز تاريخية وحاولوا صياغتها، ووضعوا الشمس، لأنّ الديانات القديمة إما شمسية أو قمرية، والعلويون يُعتبرون امتداداً توحيدياً للديانة المسيحية التي تُعد بمفهوم الثقافات الدينية القديمة ديانة شمسية، ولهذا اعتمد الروم تقويمهم الشمسي المتبع حتى تاريخه، لذلك وضعوا الشمس في قلب العلم، استكمالاً لانتمائهم وابتعاداً عن فكرة الدولة الدينية العثمانية وعن شعارها الهلال، وانتماؤهم التوحيدي هو امتزاج للثقافة والعقيدة، لأنهم يؤمنون بالمسيح وبرمزيته الدلالية كلمة لله وآية له يُنير الطريق للمؤمنين كما الشمس تنير الكون.. الألوان يُمكن افتراض الدلالات لها عن الحرية والتمرد..الخ.. لكن أميل لفكرة أنّ هذا العلم لم يكن قبل عشرينيات القرن الماضي أبداً، لأنّ فكرة الدولة لم تكن أبداً موجودة من قبل لدى العلويين منذ الاحتلال العثماني للبلاد العربية".
تجد الإشارة إلى أن المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر، والذي تشكّل على عجل بعد سقوط نظام البعث، لم يعتمد حتى الآن هذه الراية، سواء في بياناته وحتى على صفحته الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي.

عن "دول" علوية
في المروية التاريخية؛ يجدُ الباحث أكثر من مرة تشكّل كيانات دول، غلب عليها المنحى العلوي، ومع ذلك ثمة غياب لمثل هذه الراية، أو هي في مناخ من الضبابية لأسباب كثيرة، في المفهوم السياسي للعلم كرمز للدولة، فقد أنشأ العلويون أربعة دول عبر تاريخهم، كانت أعلامها مختلفة وبعيدة عما يروّج له حالياً، وذهبت مع سقوطها، لكن بحملة الأمير المكزون وهي الأقرب إلينا تقريبا (السابع هجري)، كان العلم مأخوذاً عن راية سنجار قديماً – على ما يذكر الباحث جابر محمد- وهي باللونين الأبيض والأحمر يتوسطها شمس، وهو شبيه بالعلم الذي رُفع للدولة العلوية في عشرينيات القرن الماضي.. وأقرب دولة للعلويين لدينا كانت حكومة التنوخيين في اللاذقية (968-1084م)، ولعلّ الأشهر في هذه المروية دولة الحمدانيين في حلب، أو دولة بنى حمدان (930 – 1003م)، وقامت في الموصل وحلب (77) سنة، منها (59) سنة في حلب وأشهر أمرائها سيف الدولة الحمداني.. وتساوقت معها دولتان أخريان: البويهيون (9325-1056م)، قامت في الجزء الغربي من إيران وفي العراق، ثمّ كانت دولة بني عمار في طرابلس الشام، حيث كان بنو عمار قضاة طرابلس، ثم أصبحوا أمراءها.

في السردية الشفاهية
يتوسط العلم شمس "فيرجينا"، وهي نتاجٌ للفن والحضارة الإغريقية القديمة الحاضرة بقوة في الثقافة العلوية، وتُمثل المحارب المقدس الإسكندر الأكبر – الخضر أو مار جرجوس – أما المثلثات الأربع في الزوايا، فترمز لدم الشهداء واتحاد الأطياف العلوية، ولكفاحهم التاريخي من أجل العيش بحرية، فيما اللون الأبيض فيرمز للسلام الذي طالما سعى العلويون إليه وكان منبثقاً من ديانتهم وتعاليمهم، وأخيراً اللون الأصفر فيُمثل الحياة المتجددة، والشمس الصفراء الساطعة كان يضعها الاسكندر على درعه الحربي.
وفي رواية أخرى، رفع العلم على قبة الذهــب التي بناها علي بن بويه أمير الأمراء فوق مرقــد الإمام علي بالنجــف قبل ألف عام تقريباً، والذي رسم العلم حسب رويات حصلت عليها الجمهــورية الفرنسيــة هو الحسين بن حمدان الخصيبــي – معلم سيف الدولة الحمدانية وشيخه، أما الشمس التي ب(14) شعاع فترمز الى ال(14) المعصــوميــن لدى العلويــين ال(12) إمام، ومحمد وفاطمة، أما الشعــاعــان في الأعلى والأسفل فيدالان على الأية القرأنيــة: "هو الذي في السماء إله وفي الأرض إله".. وهو رمز لعيد الغديــر، وهي بعدد الحروف الأبجدية التي امتلكها العلويــين الإيلييــن في أوغاريــت عندما اخترعوا الأحرف ال(14) الأولى والتي كانت تطابق "أبجد هوز حطي كلمن.."..

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث