newsأسرار المدن

خور عبد الله يُأزم العلاقات العراقية الكويتية من جديد

بغداد - وليد إبراهيمالأربعاء 2025/05/07
السوداني أمير الكويت.jpg
Getty
حجم الخط
مشاركة عبر
لم تشهد العلاقات العراقية الكويتية منذ العام 1990 حالة من الهدوء. ولم تنجح مساعي البلدين في إعادة هذه العلاقات إلى مسارها الطبيعي الذي كانت عليه قبل هذا التاريخ.
شهدت العلاقة بين البلدين بسبب الغزو العراقي للكويت في آب/أغسطس من العام 1990 وما تلاه من أحداث، انعطافة حادة بل وانتكاسة في مسار تاريخ العلاقات بين البلدين.
ومنذ ذلك التاريخ، شكًل غياب الثقة وفقدان النوايا الحسنة عاملان أساسيان لجوهر الخلاف بينهما طوال هذه الفترة. ولم ينجح البلدان في طي صفحة الماضي رغم العديد من محاولات التقريب بينهما، خصوصاً بعد العام 2003. 
شكل ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية وتقاسم الثروات، خصوصاً النفطية التي تقع على الحدود المشتركة، مشكلة عصية على الحل. ولم تنفع القرارات الأممية التي صدرت في العام 1990 والأعوام التي تلته من إنهاء هذه المشكلة. 
مثّل قرار مجلس الامن 833 في العام 1993، الذي تضمن ترسيم الحدود للممر المائي بين البلدين والذي يسمى خور عبد الله، واحدة من المشاكل الحقيقية بين البلدين التي لا تزال قائمة حتى اللحظة.

نظرة تاريخية
ينظر العراق إلى هذا الممر المائي بأهمية كبيرة لأنه يعتبر المنفذ المائي الوحيد والإطلالة البحرية الوحيدة للبلاد للوصول إلى مياه الخليج العربي والبحر العربي، وبدونه فإنه سيفقد هذه الإطلالة.
ورغم موافقة العراق على قرار مجلس الامن بعد عام من صدوره، ألا أن البلدين لم يوقعا على اتفاقية تنظيم الملاحة بينهما في هذا الممر المائي إلا في العام 2012. 
لم تختلف هذه الاتفاقية وجوهر ما نص عليه القرار 833، خصوصاً ضمان حرية الملاحة في هذا الممر المائي وما تضمنه القرار بشان ترسيم الحدود بين البلدين. وفي العام 2013، صوّت البرلمان العراقي بالمصادقة على الاتفاقية. 
أحدثت الاتفاقية ومصادقة البرلمان العراقي عليها، غضب عراقي واسع النطاق. فقد اتهم نواب وسياسيون الحكومة والبرلمان آنذاك بالتنازل لصالح الكويت عما وصفوه حقوق عراقية تاريخية في الممر المائي.
عادت الازمة مرة أخرى إلى الواجهة بعد قيام المحكمة الاتحادية (وهي أعلى سلطة قضائية) في أيلول/سبتمبر 2023، بنقض قرار البرلمان المصادقة على الاتفاقية بعد اعتراض تقدم به عدد من النواب. واعتبرت المحكمة تصويت البرلمان بأنه غير دستوري لأنه لم يتم بأغلبية ثلثي الأعضاء، وكما تنص المادة 61 من الدستور العراقي. 
وبسبب هذا الموقف، عبرت الكويت عن انزعاجها وغضبها من القرار، ودعت الحكومة العراقية إلى احترام التزاماتها الدولية في إبرام الاتفاقية.
وفي تطور مفاجيء، قدم رئيسا الجهورية والوزراء العراقيان قبل أسابيع طعنين منفصلين للمحكمة الاتحادية طالبا فيه المحكمة بالعدول عن موقفها بنقض قرار البرلمان وإعادة الاعتبار للاتفاقية المبرمة بين البلدين.
تسبب هذا الموقف بردود فعل سياسية وشعبية غاضبة وواسعة في الداخل العراقي. واتهم برلمانيون وسياسيون رئيسا الجمهورية والوزراء بمحاولة استرضاء الكويت وتقديم تنازلات، لإقناعها بحضور مؤتمر القمة العربية المزمع عقده في بغداد منتصف الشهر الجاري. ولم تعلق الحكومة أو رئيس الجهورية على هذه الاتهامات.

ميناء مبارك الكبير
وفي هذه الأثناء وفي خضم الخلاف على مصادقة البرلمان العراقي على الاتفاقية، بادرت الكويت في العام 2011 إلى وضع حجر الأساس لبناء ميناء جديد أطلقت عليه اسم "ميناء مبارك الكبير". واختارت الكويت خور عبد الله ليكون مكاناً لهذا الميناء. 
أثار هذا الاجراء استياءاً عراقياً واسع النطاق رسمياً وشعبياً. واعتبرت أطراف عراقية الإجراء بأنه تعمد كويتي يهدف لإيذاء العراق وحرمانه من الإطلالة البحرية الوحيدة، إضافة إلى خنق ميناء الفاو الكبير الذي كان العراق قد شرع بإنشائه في العام 2010، والمطل على هذا الممر المائي.
ورغم مطالبة بغداد للكويت بوقف العمل في إنشاء الميناء أو نقله إلى مكان أخر حيث تمتلك الكويت إطلالات بحرية أخرى بعيدة عن حدودها العراقية، الا أن الكويت رفضت رسمياً طلب العراق. 
واعتبر نواب ووزراء سابقون إصرار الكويت على إنشاء ميناء مبارك في هذا المكان، بأنه يتعارض مع قرار مجلس الأمن 833، والذي دعا البلدين إلى المحافظة على حرية الملاحة في الخور. وطالب هؤلاء الحكومة العراقية باللجوء إلى مجلس الأمن لحسم هذا الخلاف، وهي مطالب لم تستجِب الحكومة العراقية لها حتى الآن.

الدستور العراقي
ومع تقاطع المواقف بشكل حاد وتصاعد الاتهامات، نظم ناشطون وقفة احتجاجية وسط بغداد قبل أيام استجابة لدعوة أطلقها نواب بالبرلمان عبروا فيها عن دعمهم للمحكمة الاتحادية ولقرارها القاضي ببطلان الاتفاقية. ودعا المشاركون بالوقفة المحكمة إلى عدم الاستجابة للدعاوى التي تقدم بها رئيسا الجمهورية والوزراء، أو الركون للضغوطات التي قد تمارس ضدها. 
تقول مصادر مطلعة إن رئيسي الجمهورية والوزراء استندا في طلبيهما اللذان تقدما بهما إلى المحكمة ودعوتها العدول عن قرارها، إلى المادة الثامنة من الدستور العراقي التي تنص على ضرورة أن "يراعي العراق مبدأ حسن الجوار والسعي لحل النزاعات مع الدول بالوسائل السلمية، وأن يحترم التزاماته الدولية".
لكن الرافضين لهذه المواقف، اعتبروا أن موقف رئيس الجمهورية يخالف الدستور الذي ألزمت المادة 67 منه، رئيس الدولة بالعمل على "ضمان الالتزام بالدستور والمحافظة على استقلال العراق وسيادته ووحدته وسلامة أراضيه".
وإزاء هذه التطورات عمدت المحكمة الاتحادية قبل أيام، إلى تاجيل البت في الدعوتين إلى 22 حزيران/يونيو المقبل.

العراق والقوانين الدولية
يرى فريق من العراقيين من بينهم قضاة، أن عدم التزام العراق بالقرارات الدولية هو تصرف خطير قد ينعكس سلباً عليه في المحافل الدولية مستقبلاً.  ويؤكد هذا الفريق أن لا خيار أمام العراق سوى الالتزام بقرارات مجلس الأمن، لأن هذه القرارات تسمو بوضعها القانوني على القرارات والتشريعات المحلية، حتى وإن تضمنت تفاصيلها ما يمكن وصفه بالتجني وفرض الإرادات، وأن أمر تنفيذها يبقى جزء من التزامات العراق الدولية ولا يجوز في أي حال من الاحوال التنصل منها. 
ويعتقد هذا الفريق أن أفضل شي يمكن أن يفعله العراق، هو التقدم بشكوى إلى مجلس الأمن يطالب فيه بإعادة تفسير القرار أو تعديله. ورغم الاعتقاد الذي أبداه أصحاب هذا الرأي بصعوبة هذا المسار في تحقيق الغاية المراد منه، لكنهم أكدوا أنه يبقى أمراً ممكناً، خصوصاً إذا رافقه مسار أخر وهو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لكن بشروط معقدة جداً تتلخص بوجود نزاع قانوني حول تفسير او تطبيق القرار الدولي.
هذا الموقف يعارضه فريق أخر يرى أن القرارات الدولية يمكن الطعن بها عندما تكون هذه القرارات قد تسبب بضرر لهذه الدولة، وأن هذا الضرر نتج بعد الموافقة على القرار ونتيجة ممارسات حصلت من الطرف الأخر أضرّت بروح ما تضمنه القرار.
ويستند هذا الفريق في موقفه على أن قيام دولة الكويت بإنشاء ميناء المبارك في خور عبد الله، قد أضرّ بأهم فقرة في القرار وهي ضرورة أن يحافظ البلدان على حرية الملاحة في هذا الممر المائي.
وبين هذا الموقف وذاك، فإن وصول هذه الأزمة إلى ما وصلت إليه، وضع السلطات العراقية (الحكومة والبرلمان)، خصوصاً المحكمة الاتحادية في موقف صعب وأن تراجع المحكمة عن قرارها السابق بنقض التصديق على الاتفاقية من قبل البرلمان، سيكون محرجاً للغاية ونكولاً للدستور العراقي الذي أعطى صفة البت والإلزام لقراراتها، يضاف إلى هذا وجود رأي عام واسع بات يضغط باتجاه رفض الاتفاقية.
يتفق المعارضون للموقف الحكومي والمؤيدون له، على أن وصول الأزمة إلى هذه النهاية، هو موقف تتحمل جزء كبير منه دولة الكويت لأنها لم تظهر حسن نية في علاقاتها مع العراق طوال ما يزيد على العقود الثلاثة الماضية.
ويذهب هؤلاء إلى الاعتقاد بأن إصرار الكويت واستمرارها المطالبة والحصول على كل المكاسب التي وفرتها لها قرارات مجلس الامن، حتى بعد سقوط النظام العراقي السابق بعد العام 2003، قد أضرّ بمصداقية الكويت تجاه العراق لإرساء صفحة جديدة وبناء علاقات طبيعية بينهما، لأنه تسبب بتحميل العراق تبعات كبيرة بالإيفاء بهذه الإلتزامات من بينها إصرار الكويت على المطالبة بالتعويضات، وهو موقف شكّل غصة عراقية صعبت كثيراً في إعادة الامور لنصابها الصحيح والعلاقة بين البلدين. 

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها