حجم الخط
مشاركة عبر
طغت على المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي، طوال العام المنصرم 2024 وحتى لحظة كتابة هذه السطور (أواخر آذار/ مارس 2025)، تداعيات الحرب على قطاع غزة وفي جبهات أخرى، ولا سيما عدم مقدرة حسم الحرب باعتبار أن الحسم كان هدف الحكومة الإسرائيلية النهائي منها، مثلما ظلت تؤكد، والأهم من ذلك فشل الحكومة في استعادة جميع المختطفين الإسرائيليين المحتجزين في القطاع من خلال الضغط العسكري.
وما ميّز المشهد على نحو خاص أنه كانت هناك مواقف انتقادية للحكومة من طرف أحزاب المعارضة، ولكنها ركزت بالأساس على الفشل في استعادة المختطفين وليس على مناهضة الحرب، ولا حتى على وجوب المضي قدماً نحو تسوية القضية الفلسطينية، ووضع حد للاحتلال في أراضي 1967.
وتنشر "المدن" على ثلاث حلقات، هذه الدراسة للباحث أنطوان شلحت بشأن المشهد الإسرائيلي خلال العام المنصرم.
اتسم الائتلاف الحاكم بشكل عام بالاستقرار النسبي وذلك على الرغم من الحرب، ومظاهرات المعارضة، والتناقضات داخل الائتلاف نفسه. مع بداية الحرب، انضم تحالف "المعسكر الوطني" المعارض بقيادة بيني غانتس إلى الإئتلاف الحاكم وإلى إدارة كابينت الحرب، قبل أن يغادره في 13 حزيران/يونيو 2024. كما استطاع نتنياهو توسيع نطاق الائتلاف بانضمام حزب "اليمين الرسمي" بقيادة جدعون ساعر في 29 أيلول سبتمبر 2024. من جهة أخرى، هددت قضايا رئيسية مثل مفاوضات وقف إطلاق النار مع حركة "حماس"، والمصادقة على الميزانية العامة، إلى جانب احتجاجات المعارضة في الشارع، الائتلاف، لكنها لم تتفاقم لدرجة طرح خيار تفككه. وتشير التقديرات إلى أن نوعية الضربات العسكرية التي وجهتها إسرائيل تحديداً إلى قطاع غزة ولبنان، قد ساعدت في تعزيز الوحدة بين التيارات القومية واليمينية الداعمة للحكومة. وبالرغم من أن حزب "القوة اليهودية" غادر الائتلاف الحكومي (في 19 كانون الثاني/يناير 2025) قبل أن يعود إليه (في 19 آذار/مارس 2025)، يمكن اعتبار مغادرته تكتيكاً يرتبط أكثر بمسألة التفاوض مع "حماس" وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين، بدلاً من كونه موقفاً أيديولوجياً أو سياسياً يتعلق بالاستراتيجية العسكرية. يعكس هذا التماسك النسبي داخل الائتلاف اليميني الحاكم قدرة الحكومة على إدارة المصالح الحزبية لمكوناتها، حتى في أوقات الأزمات.
ضغط ترامب
ضغط ترامب
في 17 كانون الثاني/يناير 2025، أقرّ الاتفاق لإطلاق المختطفين الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة، والذي كان من المتوقع أن يؤدي إلى إنهاء الحرب. ووفقاً لتحليلات إسرائيلية متطابقة وصف الاتفاق بأنه "صرير أسنان"، وبتأكيدات أنه جاء استجابة لضغوط مارستها إدارة الرئيس المنتخب للولايات المتحدة دونالد ترامب قبل تسلمه مهمات منصبه يوم 20 كانون الثاني/يناير الماضي، ناهيك عن أنه تقريباً نفس الاتفاق الذي تم التوصل إليه في أيار/مايو 2024، وعرضه الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن، ولكن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عرقله من خلال إصراره على رفض بعض بنوده والتي عاد ووافق عليها تحت وطأة ضغوط إدارة ترامب.
وبحسب جلّ التحليلات الإسرائيلية، فإن مغزى الاتفاق واضح، وهو أن إسرائيل لم تقضِ على حركة حماس، وإن وجهت إليها ضربات قوية وموجعة. كما أن الحكومة الإسرائيلية لم تطرح خطة سياسية لما يوصف بأنه "اليوم التالي" للحرب، وبقيت مصرة على استخدام القوة والمزيد من القوة لأسباب سياسية، ومن أجل البقاء الشخصي بالنسبة إلى نتنياهو. وبموجب ما يؤكد محللون عسكريون، فإنه بموازاة ذلك كله جرى إنهاك الجيش الإسرائيلي بمهمات لم يكن لها أي تأثير في شروط إنهاء الحرب، كما أضعفت مكانة إسرائيل الدولية.
أما بالنسبة إلى الاتفاق المتعلق بالحرب على غزة، فقد انتهت المرحلة الأولى منه (19 كانون الثاني/يناير 2025 حتى 18 آذار/مارس 2025، عندما أعلنت إسرائيل أنها في حل منه بدون أن تتجه نحو مرحلته الثانية). وبحسب جلّ القراءات الإسرائيلية، يعمل نتنياهو استناداً إلى مصالحه، وأصبح بقاؤه السياسي على رأس سلّم أولوياته. والاستنتاج الأبرز يفيد بأن المرحلة الثانية من الاتفاق توقفت لأن حلفاء نتنياهو من أحزاب الصهيونية الدينية والحريديم (المتشددون دينياً) يهددون بقاء الحكومة ومستقبل نتنياهو السياسي الخاص. وراجت تقديرات بأن ما يخطط له نتنياهو هو تجميد كل شيء مدة شهر، ثم يعود إلى القتال الكثيف في قطاع غزة، والهدف هو تفكيك حُكم حماس، كأن هذا الهدف لم يكن هو نفسه منذ 17 شهراً. وهو ما حدث فعلاً وعزّز استنتاجاً إسرائيلياً يفيد بأن استئناف القتال يمكن أن يكون بمثابة حُكم إعدام بحق أغلبية المختطفين الذين ما زالوا على قيد الحياة.
أهداف نتنياهو
أهداف نتنياهو
ومثلما أكد رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود باراك، الذي شغل أيضاً منصبي وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، تقف إسرائيل في الوقت الحالي أمام هدفين يمكن القول إنهما متناقضان: الأول، هو استعادة جميع المختطفين فوراً، وهو ما سيقود إلى نهاية الحرب، بحسب الاتفاق الذي تم التوصل إليه؛ والثاني، هو تفكيك سلطة حماس في غزة، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلّا عبر العملية العسكرية الكثيفة، بحسب نتنياهو، وهذا ما يتجهز له الجيش، على ما يبدو. ويؤكد باراك كذلك أنه "هنا يكمن الخطأ الاستراتيجي الكبير الذي يجرّ نتنياهو إليه أيضاً الرئيس دونالد ترامب ومستشاره ستيف ويتكوف". فالحقيقة هي أن الطريقة الوحيدة لتفكيك حُكم حماس كلياً تكمن برأيه "في استجلاب كيان شرعي آخر لكي يحكم مكانها في القطاع. هذه الحقيقة معروفة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ونتنياهو أفشل كلّ محاولة لنقاشها لمنع سقوط حكومته".
وفي الوقت الذي تلا الاتفاق تُطرح في الحلبة السياسية توجهات، من قبيل المضي قدماً من أجل تغيير وجه الشرق الأوسط بواسطة تحالف إقليمي يشكّل مركز ثقل مضاداً لـ"أعداء إسرائيل"، بحسب ما تطرح إدارة ترامب أيضاً ناهيك عن إدارة جو بايدن (على سبيل المثال، خلال خطابه الأخير في منصب وزير الخارجية الأميركي، لخص أنتوني بلينكن رسالته الدبلوماسية، وقال: "يجب أن ننشئ في الشرق الأوسط واقعاً جديداً، تكون فيه الشعوب كلها آمنة أكثر، ويمكن أن تحقق طموحاتها القومية، وتستطيع العيش في سلام". وأضاف: "هل من الصعب الوصول إلى هذا؟ نعم. السلام في هذه المنطقة كان دائماً صعباً. لكن هل هذا مستحيل؟ لا. وهل هذا ضروري؟ نعم").
مع ذلك هناك عوامل أخرى قد تؤدي إلى تفكيك الائتلاف الحكومي، وأهمها موضوع إدارة غزة في اليوم التالي للحرب، وهو الموضوع الذي تحوّل إلى قضية مهمة للغاية بسبب إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي في القطاع، وقضية تشغيل معبر رفح بين القطاع ومصر، من ضمن عوامل أخرى.
في هذا السياق، ينوّه أبرز الخبراء في شؤون العلاقات الثنائية الإسرائيلية- الأميركية إلى أن اليمين في إسرائيل فرح عندما فاز دونالد ترامب في انتخابات رئاسة الولايات المتحدة العام 2024، ورأى أن العلاقات مع إسرائيل ستكون أكثر قرباً وأفضل مما كانت عليه في فترة إدارة جو بايدن، مما يزيد فرص الإئتلاف الحاكم بالاستمرار والتماسك بعيداً عن الضغوطات الأميركية المتعلقة بسير الحرب. بالتوازي، هناك في إسرائيل حجم كبير من التوقعات والآمال من إدارة ترامب، فيما يخصّ مواضيع مثل إيران، وسوريا، وضم الضفة الغربية، والموقف من حركة حماس وحزب الله والحوثيين. والصورة ليست واضحة بعد، وإن كانت هناك تلميحات متعددة تشير إلى أنه لا يوجد "شيك مفتوح" لإسرائيل يسمح لها بأن تفعل ما ترغب فيه، فترامب يريد على ما يبدو استعادة عظمة الولايات المتحدة قبل أي شيء آخر. وبالرغم من أنه طرح أفكاراً بشأن قناة بنما، وغرينلاند، فإنه أوضح أن الحروب ليست على جدول أعماله، وأنه يسعى لتطبيع علاقات إسرائيل مع السعودية، ولإرساء نظام جديد في منطقة الشرق الأوسط.
وبينما تتجه الأنظار السياسية والحزبية الإسرائيلية إلى الرئيس ترامب، ثمة تأكيد على أنه يرث خريطة مركّبة لمنطقة الشرق الأوسط. وكذلك تأكيد على أنه لم يطرح حتى الآن خطة عمل واقعية على صعيد قضايا تكتيكية فورية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى رؤيته والاستراتيجية التي ينوي تطبيقها من أجل ترتيب إدارة قطاع غزة، والدفع قدماً بمسار سياسي بين إسرائيل والفلسطينيين، أو بالنسبة إلى التطبيع بين السعودية وإسرائيل. وفي هذا الشأن الأخير تشدّد تقارير إسرائيلية على أنه يجب متابعة كيف يريد أن يتغلب على مطالب السعودية التي تريد خطة لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين في مقابل التطبيع مع إسرائيل.
ولمّح أبواق رئيس الحكومة نتنياهو إلى أن ترامب يمكن أن يأمر بعملية عسكرية مشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة ضد المنشآت النووية في إيران، أو على الأقل لن يعارض، كبايدن، هجوماً إسرائيلياً كهذا. وكان وزير المالية وزعيم "الصهيونية الدينية" بتسلئيل سموتريتش قد أعلن أن العام 2025 سيكون عام بدء فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية (ضمها إلى إسرائيل). غير أن تأثير ترامب في اتفاق إطلاق المختطفين الإسرائيليين ووقف الحرب في غزة قد يكون، بحسب الخبراء أنفسهم، مؤشراً إلى ما سيأتي، ويمكن أن يخيّب أمل مَن ينتظر إطلاق حرّية يد إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط.
وهنا ينبغي أن نشير، مثلاً، الى حديث نتنياهو عن خطة ترامب بشأن تهجير سكان قطاع غزة طوعاً، حيث قال: "لقد قدّم الرئيس ترامب رؤية يجب أن ندعمها، رؤية ستسمح بمستقبل آخر لمنطقة الشرق الأوسط. خلال العام ونصف العام الماضييَن، خرج عشرات الآلاف من غزة. لقد شقوا طريقهم إلى الخارج، غادر الأغنياء وبقيَ الفقراء. وحان الوقت كي نقدم إلى سكان غزة خياراً حقيقياً- حرية الخروج وحرية الاختيار".
لجنة التحقيق: رسمية أم حكومية؟
تدل الكلمة التي ألقاها نتنياهو في الكنيست يوم 2 آذار/مارس الماضي، ضمن إطار نقاش طلب من 40 عضواً في الكنيست تشكيل لجنة تحقيق رسمية لتقصي وقائع أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، على وجهته. فقد استغل نتنياهو المناسبة من أجل شن هجوم عنيف على المعارضة، وللحديث عما وصفها بأنها "الدولة العميقة"، وضد التحقيقات التي تجري في مكتبه.
وعلى صعيد الداخل رغم تصاعد الطلب بأن تتجّه إسرائيل على الفور نحو استكمال التحقيقات بشأن الحرب، وبشأن من يتحمّل المسؤولية عنها، يصر نتنياهو على منع إقامة لجنة تحقيق رسمية. وعن سبب عدم تشكيل لجنة تحقيق، بعد مرور 17 شهراً على القتال، قال نتنياهو إن التحقيق ضروري، لكن في رأيه، إن لجنة التحقيق الرسمية غير موضوعية. ومما قاله: "إننا نستعد للمراحل المقبلة من حرب النهوض (هذه هي التسمية التي يطلقها نتنياهو على الحرب الحالية التي تشنها إسرائيل) على سبع جبهات. لن نتوقف حتى نحقق كل أهداف النصر، وإعادة المختطفين، وتدمير القوة العسكرية والسياسية لحماس، والتأكد من أن غزة لن تشكل تهديداً لإسرائيل".
واتّهم نتنياهو أعضاء المعارضة بأنهم يدمرون نفسياً عائلات المختطفين، كما اتّهم المعارضة بالتحريض ضده وضد الحكومة. وتطرّق نتنياهو إلى آخر مخطط طرحه المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، فقال: "لسنا نحن مَن خرق الاتفاق. ولا نريد العودة إلى القتال فوراً، لكن مَن يدري؟ ربما سنضطر إلى ذلك. وأقول لحماس: إذا لم تُحرروا كل المختطفين، فسيكون لذلك تداعيات لا يمكنكم تصوُّرها". وأضاف: "الآن، مع تأييد الرئيس ترامب وإدارته، نحن مستعدون للمراحل المقبلة من المعركة".
كما تطرّق إلى قضية التحقيق في التسريبات من مكتبه، وقال: "نحن نطالب بالتحقيق في التسريبات الجنائية لنقاشات سرية جرت في لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، ونريد التحقيق في الفيديو المتعلق بمنشأة سديه تيمان، والتحقيق في تحريض يائير غولان ضد الخدمة في الجيش". وذكر نتنياهو أن حالته الصحية جيدة، وأنهى كلامه بالهجوم على التعاون القائم بين البيروقراطية و"الدولة العميقة" ووسائل الإعلام.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها