في ظل حصار خانق وقصف مستمر من قبل الطائرات والدبابات الإسرائيلية، التي تمركزت على خط صلاح الدين غرب حي الشجاعية في مدينة غزة، وجدت أم محمد عياد نفسها تواجه أصعب لحظات حياتها حينما كانت تعاني من آلام المخاض. ومع اقتراب موعد ولادتها، كانت تسعى جاهدة للعثور على أي مساعدة. "كل شيء كان ينهار حولي، ولم أكن أستطيع فعل شيء سوى الدعاء بأن أخرج أنا وطفلتي من هذا الجحيم سالمتين"، تقول لـ"المدن"، واصفة تلك اللحظات العصيبة.
وتحولت حياة أم محمد وعائلتها إلى كابوس في تلك اللحظات. "أذكر أنني كنت أتواصل مع كل من يمكن أن يساعدنا، لكن الرد كان واحداً: المكان خطر، ولا يمكننا الوصول إليك"، مما زاد منسوب قلقها، ليس على حياتها فحسب، بل أيضاً على حياة جنينها.
انتظار المساعدة في قلب الدمار
وتقدر الأمم المتحدة أن هناك حوالي 50 ألف امرأة حامل في غزة، يولدن أكثر من 160 طفلاً يومياً في ظل هذه الظروف الكارثية. تعكس هذه الأرقام معاناة الأمهات وأطفالهن، حيث يضطر الأطباء إلى توليد النساء دون تخدير، وأحياناً على ضوء الهواتف المحمولة. وتقول ليلى بكر، المديرة الإقليمية للدول العربية في وكالة الصحة الجنسية والإنجابية التابعة للأمم المتحدة: "إننا نشهد فقداناً كاملاً للإنسانية في غزة. هذه الأوضاع تهدد حياة الأمهات وأطفالهن".
خوف الولادة تحت الأنقاض
تتفاقم الأوضاع في غزة بشكل مروع، وليس الأمر مجرد إحصائيات؛ فقد كانت أم محمد تواجه هذه الحقيقة بشكل شخصي. "كان الخوف من الولادة في هذه الظروف يرافقني طوال فترة حملي، لكنني لم أتخيل أنني سألد طفلي وسط هذا الدمار".
وتؤكد ليلى بكر أن الظروف المعيشية أصبحت غير صالحة للبقاء، مما يعمق مأساة النساء الحوامل والمرضعات، اللواتي يعانين من نقص حاد في الرعاية الطبية والغذاء، حسبما ذكرت في تصريح لها لموقع الأمم المتحدة.
لحظة الولادة
في اليوم الخامس، وبمساعدة بسيطة من أم زوجها التي استخدمت خبرتها المتواضعة، تمكنت أم محمد من ولادة طفلتها. تقول لـ"المدن": "كانت تلك اللحظة مليئة بالخوف، لكنها كانت أيضاً لحظة انتصار صغيرة وسط كل هذا الخراب". ومع ذلك، لم تتوقف المعاناة حتى بعد الولادة. تضيف: "لم أستطع الوصول إلى أي مستشفى بعد الولادة. القصف كان مستمراً، والمستشفيات كانت عاجزة عن استقبال المزيد من المرضى".
وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن المستشفيات في غزة تعمل بطاقة مقلصة، وغير قادرة على تقديم الرعاية اللازمة بسبب نقص التجهيزات الطبية والعاملين.
الهروب إلى الأمل
ومع استمرار الحرب المدمرة، أصبح الوصول إلى المأوى والغذاء تحدياً يومياً. تقول أم محمد: "كنا نبحث عن أي مكان آمن نلجأ إليه، لكن القصف كان يلاحقنا أينما ذهبنا". وبعد إعلان هدنة مؤقتة لمدة ثلاث ساعات، تمكنت أم محمد وعائلتها من النزوح إلى مدرسة في غرب غزة. وتشرح أنه "عندما وصلنا إلى المدرسة، ظننت أننا قد نجد بعض الراحة، لكن الواقع كان صعباً. لم يكن هناك مياه نظيفة، ولم تكن المرافق الصحية موجودة تقريباً".
ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، فإن ثلثي سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة أصبحوا بلا مأوى، وهي مأساة تتجسد في قصة أم محمد وعائلتها.
غير أن الظروف في المدارس التي تحولت إلى ملاجئ للنازحين كانت شديدة الصعوبة. وتشير الأمم المتحدة إلى أن 95% من النساء الحوامل أو المرضعات في غزة يواجهن نقصاً غذائياً حاداً، مما يعزز معاناة الأمهات وأطفالهن في ظل هذه الأوضاع.
تقول أم محمد "إننا حاولنا أن نتكيف مع الوضع، لكن الماء كان شحيحاً، والطعام لم يكن كافياً". وتشير الى أنها كانت تحاول إرضاع طفلتها، وتكافح للحصول على التغذية اللازمة لها ولأسرتها.
تحديات الرعاية الصحية
لتسليط الضوء على التحديات التي تواجهها النساء الحوامل في مناطق النزاع، تحدثنا مع القابلة برديس سليمان، التي وصفت الوضع بالقول: "الوضع مأساوي جداً في هذه الآونة خصوصاً بسبب ما تتعرض له المرأة من ظروف معيشية وصحية سيئة". وتضيف أن هناك زيادة ملحوظة في حالات الإجهاض نتيجة سوء التغذية، وانتشار الأمراض بسبب المتفجرات، كما تشير إلى المشكلات الاجتماعية مثل انعدام سبل الراحة في الخيم.
وتوضح سليمان أن "ظروف الولادة تغيرت بشكل جذري مقارنة بفترات السلم"، حيث كانت هناك رعاية دورية للجنين، لكن "الآن هناك انعدام لمراكز صحية ووسائل النقل، مما يؤثر على الحمل والولادة".
وعما يواجهه الكادر الطبي، تقول سليمان: "انعدام الأدوية وشحها سبب وضعا مأساويا كبيرا، والتوتر نتيجة القصف المستمر وعدم الأمان بسبب اقتحام المستشفيات".
رسالة صمود
ولا تعد تجربة أم محمد استثناءً، بل هي واحدة من آلاف القصص التي تعكس الواقع الإنساني في غزة. وتبرز تلك الحالات الحاجة الملحة إلى تعزيز جهود الإغاثة وإيجاد حلول دائمة لتوفير الأمن والسلامة للنساء والأطفال في غزة.
ويشهد الوضع الإنساني في غزة تفاقماً كبيراً نتيجة القصف المستمر والحصار الذي يعيق الوصول إلى المساعدات الأساسية والخدمات الصحية. وتعاني النساء الحوامل من تحديات صحية خطيرة، مع زيادة ملحوظة في حالات الإجهاض ونقص حاد في الرعاية الطبية نتيجة تدمير المرافق الصحية ونقص الأدوية. كما يواجه الكادر الطبي، رغم تفانيه، صعوبات كبيرة تشمل نقص الموارد والتوتر الناتج عن القصف المستمر، مما يؤثر سلباً على قدرته على تقديم الرعاية الضرورية.
ويتطلب الوضع الحالي تعزيز الجهود على عدة أصعدة، بما في ذلك تحسين الرعاية الصحية من خلال زيادة عدد المراكز الصحية وتوفير الأدوية الأساسية، فضلاً عن تحسين ظروف النظافة والتغذية.
ويقول المسؤولون في غزة إن هناك حاجة ملحة لتدخل دولي عاجل، يتسم بالاستجابة السريعة والتنسيق الفعال بين الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية. هذا التدخل ضروري لتخفيف معاناة السكان، وضمان توفير الدعم الضروري للأمهات والأطفال، والعمل نحو تحقيق استقرار إنساني أفضل في غزة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها