حققت فصائل المعارضة خلال يومين من معركة "ردع العدوان"، تقدماً سريعاً على حساب قوات النظام السوري في ريف حلب الغربي، تمكنت خلاله من الاقتراب من مدينة حلب الاستراتيجية، ما يدفع إلى التساؤل عن أسباب وخلفيات الانهيار السريع لدفاعات النظام العسكرية في هذه المنطقة.
وبشكل كان مفاجئاً اكتسحت الفصائل بقيادة "هيئة تحرير الشام" في غضون يومين، بلدات وقرى وثكنات عدة في ريفي حلب الغربي والجنوبي، وقطعت طريق حلب –دمشق الدولي، من دون أن تُعلن الفصائل عن هدف المعركة الاستراتيجي، وحدود هجومها.
في المقابل، يؤشر أداء قوات النظام وفرارها من المناطق التي تتقدم إليها الفصائل من دون السلاح، إلى فشلها بامتصاص الصدمة حتى الآن، وخصوصاً أن الفصائل تتبع تكتيك العمل على أكثر من محور، ريف حلب الغربي، وريفي إدلب الشرقي، والجنوبي.
لماذا هذا الانهيار السريع؟
سؤال يجيب عليه الباحث محمد منير الفقير، بإشارته إلى التحضير "الجيد والطويل" من قبل الفصائل للمعركة، ويقول: "رصدنا خلال الأشهر الأخيرة معلومات عن تحضيرات وترتيبات لهذه المعركة"، وترافق ذلك مع زخم قوي أُحيطت به المعركة من الفصائل، وهذا ما يمكن رؤيته من خلال غرفة العمليات "المتماسكة" (إدارة العمليات العسكرية- ردع العدوان).
ويلفت إلى المشاركة الواسعة من الفصائل، ويقول: "الفصائل المشاركة هي حتى من خصوم تحرير الشام، بمعنى أن الفصائل نجحت في إدارة المعركة عسكرياً ولوجستياً وحتى إعلامياً".
كل ما سبق مكّن الفصائل من امتلاك عنصر "المباغتة"، وفق الفقير الذي قال إن "قوات النظام كانت غير متيقنة من جدية الفصائل، وعندما فطن النظام للمعركة، لم يسعفه الوقت لتنفيذ عمليات إعادة انتشار القوات، وتوقيت المعركة كان مفاجئاً".
من جانب آخر، أشار الباحث إلى "تخبط" قوات النظام، موضحاً أن "سير المعارك أظهرت ضعف إمدادات النظام إلى خطوط التماس". وبالفعل، لم تصل الأنباء عن وصول مؤازرات لقوات النظام إلى المعركة إلا بعد مرور أكثر من يوم على بدء تقدم فصائل المعارضة. وحتى إعلامياً، تأخر النظام في الحديث عن المعركة، وهو ما يؤكده البيان الصادر عن "القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة" التابعة للنظام، الذي صدر في اليوم الثاني للمعركة، والذي اعتبر فيه أن المعركة تعد "انتهاكاً سافراً لاتفاق خفض التصعيد".
انكفاء روسيا
الخبير العسكري والاستراتيجي العقيد أديب عليوي، تحدث لـ"المدن" عن جملة من الأسباب التي أدت إلى ما يبدو انهياراً لدفاعات النظام، أوصلته إلى خلاصة وهي أن "جيش النظام لا يمكن أن يقاتل من دون حماية روسية جوية، ومن دون دعم إيراني بري".
وأظهر سير المعارك في اليومين الماضيين مشاركة "غير فعالة" للطائرات الروسية. وعن ذلك يقول عليوي إن "غياب الطائرات، أظهر فروقات القوى بين الفصائل وقوات النظام، وخصوصاً أن الفصائل أدخلت تشكيلات وأسلحة جديدة إلى المعركة مثل كتيبة شاهين المسؤولة عن المسيرات".
في الإطار ذاته يشير الخبير العسكري إلى ضعف مشاركة إيران و"حزب الله" إلى جانب قوات النظام، ويقول: " يبدو أن انشغال إيران وحزب الله في لبنان، أضعف قوات النظام عسكرياً ومعنوياً وأصابها في مقتل، والملاحظ أن قوات النظام استعاضت عن التواجد الكثيف للميليشيات سابقاً، بعناصر غير مدربة وغير مؤهلة للقتال".
تأثير الدومينو
ومنحت سيطرة الفصائل على مناطق "مفتاحية" مثل "الفوج 46" ونقطة "الشيخ عقيل" شمالي غرب حلب، فرصة التقدم "السريع" إلى مناطق في عمق سيطرة النظام، بعد أن شكلت هذه المناطق نقطة ارتكاز.
ويمكن بحسب العقيد أديب عليوي، الحديث عن مجريات تشبه "أثر الدومينو"، موضحاً أن "الخسائر التي تكبدتها قوات النظام في معركة الشيخ عقيل كانت كبيرة، وسيطرة القوات على هذا المعقل، أعطى الفصائل فرصة ذهبية للتقدم، عقب كسر الدفاعات الأولى للنظام، إلى أن وصلت إلى نقطة خان العسل بوابة حلب".
يبدو أن أسباباً كثيرة تفاعلت لتؤدي إلى ظهور قوات النظام بهذه الحالة من الضعف، أهمها انكفاء روسيا وعدم كثافة الدعم الإيراني، والترهل الناجم عن عدم انخراط قوات النظام في معارك كبيرة منذ فترة طويلة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها