تترقب الأوساط السورية المعارضة الانتخابات التركية المقررة في 14 أيار/مايو، في ظل اعتقاد واسع بين اللاجئين السوريين في تركيا وسكان الشمال السوري بمصيرية نتائجها لجهة مستقبلهم.
وتحت تأثير وعود المعارضة التركية (الطاولة السداسية)، التي تدخل الانتخابات موحدة ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم وتحالفه، بتغيير طريقة تعاطيها في الملف السوري في حال فوزها بالانتخابات، تبدو غالبية السوريين أكثر تفضيلاً لفوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وفي هذا الإطار ناقش مركز "الحوار السوري" في ندوة حوارية شارك فيها عدد من الباحثين والخبراء والناشطين السياسيين والمهتمين، انعكاسات الانتخابات التركية على مستقبل اللاجئين السوريين والشمال السوري، من دون أن يكشف المركز في تقريره عن مجريات الندوة، وهوية المشاركين (تشاتام هاوس).
اللاجئين السوريين
وبما يخص مستقبل نحو 4 ملايين لاجئ سوري في تركيا، أشار المركز إلى ارتباط الملف بتوافقات مع دول أخرى، ما يجعل التعامل معه معقداً، ولا إجماع عليه حتى ضمن أحزاب كل تحالف من التحالفات الانتخابية القائمة على الرغم مما قد يظهر إعلامياً أحياناً من وعود بإعادة السوريين.
ويرى أحد المشاركين أن تركيا لم تكن لديها سياسات واضحة في قضية التعامل مع اللاجئين منذ بداية دخولهم حتى الآن، مرجحاً أن تبقى مشكلة اللاجئين قائمة سواء بقي الحزب الحاكم الحالي في الحكم أو فازت المعارضة، لأن "المشكلة موجودة في النظم القانونية للقانون التركي، فموضوع الحماية الإنسانية ليس قانوناً مكتملاً ويحتاج إلى إعادة تأهيل، وحصل خلاف بين الاتحاد الأوروبي والحزب الحاكم في تركيا على مدى سنوات لإعادة تأهيل قانون الحماية الإنسانية".
مطولاً، استعرض المركز رؤية "الطاولة السداسية" لمسألة إعادة السوريين، وذكر متحدث مطلع مقرب من المعارضة التركية في الندوة، إن إعادة السوريين إلى الداخل السوري شكلت صراعاً أساسياً بين أحزاب المعارضة، مضيفاً أن حزبي "المستقبل والدواء" هما من أكثر الأحزاب في الطاولة التي تُعرقل موضوع إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
ويُعلق مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "الحوار السوري" الدكتور محمد سالم بقوله: "من المعلوم أن هناك مبالغة في التصريحات التي تخص مستقبل اللاجئين السوريين في تركيا، لحسابات انتخابية، وكل الأطراف السياسية التركية (معارضة، حكومة) تدرك أن ملف الوجود السوري لا يمكن حله في غضون عامين".
ويشير في حديثه ل"المدن" إلى قرب المعارضة من أوروبا والولايات المتحدة أكثر من الحكومة التي تنسق مع روسيا، ويقول: "هناك اتفاقيات عقدتها تركيا مع الاتحاد الأوروبي وأميركا بخصوص اللاجئين، ما يعني أن تأثير نتيجة الانتخابات على الوجود السوري في تركيا لن تكون على المدى القريب".
الوجود العسكري التركي
وحول تأثير نتيجة الانتخابات على الوجود العسكري التركي في سوريا، ينقل المركز عن أحد المشاركين قوله إن "الوجود العسكري يُناقش على مختلف المستويات في الدولة التركية مثل البرلمان والحكومة والأحزاب، ومن المفترض أن هذا النوع من القرارات لا يتأثر بشكل مباشر وسريع بمسألة تغير الحزب الحاكم، وإنما يأخذ وقتاً".
المشارك دعا إلى التفريق بين قرارات تركيا وتوجهاتها التي هي على مستوى الحكومة الحالية والقرارات التي تم اتخاذها من طرف تركيا بسبب حسابات داخلية معقدة واتخذت على مستوى مجلس الأمن القومي التركي، مضيفاً: "لا تخضع بشكل مباشر وسريع وبدرجة كبيرة لحسابات نتائج الانتخابات، لكنها ستتأثر على المدى البعيد في حال حدوث تغير فعلي أو كبير في الحكومة والبرلمان وأوزان المشهد السياسي في تركيا".
وعن رؤية المعارضة يؤكد أن أحد أحزاب الطاولة طرح بند إعادة مبادئ السلام الداخلي والخارجي، مبيناً أن المقصود بالداخلي القضية الكردية، وبالخارجي المنطقة بأكملها، وعلى أساسه يبنى موضوع انسحاب القوات التركية من سوريا، ولكن ليس بشكل آني مباشر، وإنما على شكل مراحل عديدة، بحيث يكون هناك تنسيق وتفاهم مع الدول الإقليمية وفق التفاهمات الروسية التركية الإيرانية، مما يعني أنه لن يكون هناك انسحاب تركي عسكري من شمال سوريا على المدى القريب.
وهنا يشير محمد سالم إلى حالة شبه إجماع بين كل الأحزاب التركية على وضع الوجود التركي في سوريا في إطار ضرورات "الأمن القومي التركي"، ويقول: "من الصعب أن يتغير هذا الإجماع، وخاصة أن قرار دخول الجيش التركي إلى سوريا جاء من مجلس الأمن القومي التركي، وهذا المجلس لديه اعتبارات لا تتأثر بشكل كبير بتغيير الحكومة".
ودونما شك، يستبعد سالم انسحاباً تركياً سريعاً من سوريا، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات.
التطبيع مع النظام
وبعد أن أشار سالم إلى اتفاق الحكومة والمعارضة التركية على التطبيع مع النظام السوري، قال: "لا خلاف على هذا المسار، وفي الغالب سيستمر هذا الزخم، وتركيا بحاجة إلى شرعنة وجودها في سوريا، وهذا الأمر يتطلب موافقة مباشرة أو غير مباشرة من نظام دمشق".
لكن أحد المشاركين في الندوة قال إن "السياق الذي يأتي فيه هذ التطبيع مختلف بشكل كبير، فالحكومة الحالية تركز على شروط معينة تتعلق بالوضع السياسي الداخلي والمعتقلين وأولوية محاربة الإرهاب وشروط وتفاصيل أخرى، أما إن حصل تغير فإن عملية الانفتاح تبقى قائمة ولكن تأتي في سياق آخر، إذ تميل بعض أطراف المعارضة للمضي في عملية الانفتاح أو التطبيع في سياق المصالحة، وفي سياق أقرب إلى الاعتذار عما مضى".
ويعزز استمرار الحكومة التركية الحالية من آليات تطبيق الخطط والتفاهمات التي رسمتها بخصوص اللاجئين السوريين، أو فيما يخص الشمال الغربي وقضية التطبيع مع النظام، والتي سيتم التوصل إليها بالتنسيق مع الأطراف الدولية والإقليمية والمضي بها نحو تعزيزها أو توسيعها والبناء عليها أكثر، في حين أن قدوم المعارضة التركية سيترك تأثيرات مختلفة على تلك الملفات، ولكن على المدى الطويل لا السريع، وهذه التغييرات ما تزال غامضة، ولا يبدو أنها ستتضح بسهولة، كما يؤكد المركز "السوري للحوار".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها