الخميس 2023/04/13

آخر تحديث: 07:16 (بيروت)

وثائق البنتاغون المسربة:فضيحة أم لعبة؟

الخميس 2023/04/13
وثائق البنتاغون المسربة:فضيحة أم لعبة؟
increase حجم الخط decrease

تثير فضيحة وثائق البنتاغون السرية المسربة مؤخرًا علامات إستفهام أبعد من كم الإحراج أو مدى الإخفاق اللاحقين بالمؤسسة الأمنية الأميركية التي طالما تباهت بمهنيتها وجديتها وهيبتها، وتطرح أسئلة منطقية عن الغاية من نشرها في هذا التوقيت الحساس، خصوصًا ما يتصل بعلاقات واشنطن بدول حليفة، فإذا كانت الوثائق المسربة تظهر القدرات التجسسية الأميركية الهائلة وتعيد الى الأذهان الأزمتين الدبلوماسيتين الكبيرتين اللتين تسبب بهما تسريبان سابقان، ويكيليكس عام 2010، ووكالة الأمن القومي (NSA) 2013، واللذين فضحا تجسس أميركا على حلفائها قبل خصومها، فإن الإنتقائية التي ميّزت التسريب الأخير واستهدفت دولًا لا تتبنى الموقف الأميركي كاملًا في الملف الأوكراني خصوصًا في الشرق الأوسط، تضع واشنطن نفسها في دائرة الشبهة وما اذا كانت تريد احراج هذه الدول وابتزازها علنًا من خلال خلق رأي عام مؤاتٍ لخطوات تأديبية لاحقة، وهو ما ينطبق على دولة الإمارات ومصر وتركيا والى حد ما إسرائيل.

تتناول وثيقة مسربة مؤرخة في التاسع من آذار/ مارس الماضي، العلاقات الروسية مع دولة الإمارات العربية المتحدة وتحمل عنوان "روسيا/الإمارات: العلاقات الإستخبارية تتعمق". تبين الوثيقة أن التنصت على جهاز الإستخبارات الروسي (FSB) منتصف الشهر الأول من هذا العام، التقط احاديث ضباط مخابرات روس يتباهون بأنهم توصلوا الى اتفاق مع سلطات الإمارات للعمل معًا ضد المخابرات البريطانية والأميركية وتقول في تقييم ذلك: "ربما تنظر الإمارات الى التعامل مع المخابرات الروسية كفرصة لتعزيز العلاقات بين أبو ظبي وموسكو وتنويع الشراكات الإستخبارية وسط مخاوف من التخلي الأميركي عن المنطقة".

لم يقلل إعلان أبو ظبي عدم الإطلاع على التقرير ونفي مضمونه جملة وتفصيلًا في بيان نشرته "اسوشييتد برس"، ولا عدم تأكيده في واشنطن التي نبهت أن الوثائق المنشورة عرضة للتزوير والتعديل، من حقيقة امتعاض أميركا المتنامي من موقف الإمارات من الحرب في أوكرانيا والذي ترجم نفسه قضائيًا الخريف الماضي في الادعاء الفدرالي على رجلي أعمال روسيين يقيمان في دبي بتهمة سرقة معلومات تقنيات عسكرية من شركات أميركية وتهريب ملايين براميل النفط وغسيل عشرات ملايين الدولارات لصالح مقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كما دأب الإعلام الأميركي مؤخرًا على نشر تصريحات منسوبة الى مسؤولين رسميين يحذرون من تحول الإمارات الى نقطة ساخنة لغسيل الأموال الروسية عبر صفقات عقارية ومالية أو الإشارة الى أن الرحلات الجوية المباشرة بين الإمارات وروسيا لم تتوقف رغم العقوبات.

وتشير وثيقة ثانية مؤرخة في السابع عشر من شباط/ فبراير الماضي، الى ان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أوعز الى معاونيه بإنتاج 40 الف صاروخ ليتم شحنها الى روسيا مع قذائف مدفعية وكميات من البارود، وأنه طلب من الضباط المكلفين بالمهمة الحفاظ على سرية الموضوع لـ "تجنب المشاكل مع الغرب"، كما تشير وثيقة ثالثة الى أن مجموعة "فاغنر" الروسية طلبت من تركيا تزويدها بالأسلحة، دون إيضاح مصير الطلب. وفي وثيقة أخرى مصدرها تل أبيب أن قادة الموساد الإسرائيلي دافعوا عن مشاركة ضباط المخابرات المواطنين بالتظاهرات ضد حكومة بنيامين نتنياهو، وفيما لم يصدر أي رد فعل تركي أو مصري رسميًا على التسريب، سارع مكتب نتنياهو الى نفي التقرير (راجع المدن). 

لا يقل الوجه الآخر للوثائق المسربة التباسًا، ولا يبعد الشبهة عن واشنطن. المعلومات الواردة عن الحرب في أوكرانيا،  والتي كانت محط محاولات "تزوير" عاجلة من قبل مناصري موسكو على ما قالت المصادر الأميركية، حيث ورد في الصور الأولى أن الخسائر البشرية الروسية تتراوح بين 189.500 و223.000 إصابة، بينهم 43 الف قتيل،  وأن الخسائر البشرية الأوكرانية بين 124.500 و131.000 إصابة، بينهم 17.500 قتيل، ظهرت في صور مطابقة للأصل نشرت على منصات شبكة "تيليغرام" الواسعة الإنتشار في روسيا بأرقام مختلفة اشارت الى ان عدد قتلى القوات الروسية يتراوح بين 16.000 و17.500 فقط بينما تضاعف عدد الإصابات الأوكرانية. كذلك اشارت الوثائق الأصلية الى أن الدفاعات الجوية الأوكرانية في حاجة الى مساعدات عاجلة لمنع التفوق الجوي الروسي، وشككت في قدرة القوات الأوكرانية على تغيير الوضع الميداني بشكل مؤثر من خلال الهجوم المضاد المنوي شنه في الربيع. وبشيء من التدقيق يمكن ملاحظة أن النقاط الثلاث مفيدة لموقف ادارة الرئيس جوزيف بايدن التي تضغط بقوة لإلزام مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون تقديم مزيد من المساعدات لكييف.

بين الأهداف الداخلية الواضحة والأهداف الخارجية الممكنة، وفي عالم الإنترنت والتواصل الاجتماعي القائم على فوضى هائلة، لا يمكن تبرئة واشنطن من مسؤولية التسريب خصوصًا وأن الطريقة المعتمدة لا تشبه التسريبين السابقين. الفاعل لم يخترق حسابات سرية، بل كان على اطلاع مباشر على النسخ الورقية للوثائق التي تم تصويرها بواسطة هاتف ذكي من داخل إضبارات على نسق التقارير التي ترفع لكبار المسؤولين، وفي هذه الحالة يعتقد أن المسؤول الذي كانت معدة له هو الجنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان المشتركة، وطبيعة الوثائق تستبعد احتمال أن يكون الفاعل مدفوعًا بضميره لفضح التعسف الحكومي، وهذا يعني أن التحقيق الذي أعلنت إدارة بايدن فتحه فورًا سيواجه صعوبة هائلة في التعرف على المسرّب لأن مئات الأشخاص من أجهزة ووكالات مختلفة يعملون على جمع وتبويب ونقل هذه الوثائق قبل أن تدرج في التقارير الرسمية. 

اللافت في التسريب الذي بدأ أواخر الشهر الماضي على منصة تواصل غير معروفة وتم اغلاقها وجد طريقه لاحقًا الى تويتر و"تيليغرام"، ولم تتمكن السلطات الأميركية من منع نشر المزيد من الوثائق التي يتم استنساخها فورًا ليعاد نشرها كما هي أو بعد تعديلها دون رقيب، والمعضلة التي تواجه المسؤولين والمحققين على السواء أنهم غير قادرين على التأكد من إحتمال نشر المزيد منها، ولم يتوصلوا حتى الآن الى أكثر من الإشارة الى أن أول تسريب كان مصدره عنوان بريد إلكتروني يعود الى حساب مسجل في جنوب كاليفورنيا في صفحة مخصصة لألعاب الإنترنت، حسب تقرير لـ "نيويورك تايمز"، الّا أن ذلك لا يعني الكثير لأن التقنيات الحديثة تسهل عملية نشر أية مادة على التواصل الاجتماعي من أي مكان في العالم.

هل هي صفعة جديدة للمؤسسة الأمنية الأميركية التي فقدت الكثير من هيبتها ومصداقيتها في الداخل والخارج منذ هجمات 11 أيلول/ سبتمبر الإرهابية 2001، والتي تبدد الكثير من شعبيتها ودعمها بعد أن حولها الرئيس السابق دونالد ترامب الى هدف يومي لإنتقاداته واتهاماته ولا يزال، أم أنها لعبة محسوبة تبرر غايتها الوسيلة؟ من المبكر الجواب على ذلك، لكن الأكيد أنه سيكون على الدبلوماسية إصلاح ما أفسدته المخابرات حيث إنشغلت الخارجية على أعلى المستويات لطمأنة "الشركاء والأصدقاء على الإلتزام بحماية المعلومات الإستخبارية والوثائق الحساسة وأمن شراكاتنا مع الدول الصديقة" على حد تعبير الناطق باسمها فيدانت باتل.    

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها