الإثنين 2023/02/06

آخر تحديث: 15:44 (بيروت)

نظام اقتصادي جديد في سوريا.. مؤسسات الدولة مقابل الدولار

الإثنين 2023/02/06
نظام اقتصادي جديد في سوريا.. مؤسسات الدولة مقابل الدولار
increase حجم الخط decrease
يبدو أن النظام الاقتصادي الجديد الذي سعى النظام السوري لتطبيقه منذ أشهر، قد وصلت ترتيباته الى مراحلها الأخيرة، مع تنازل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك عن السوق الداخلية للتجار والمستوردين، ورفع الرسوم والضرائب الجمركية بنسب متفاوتة، الأمر الذي أدى إلى تضخم غير مسبوق في كتلة الأسعار.

ومنتصف شهر كانون الثاني/يناير، طالبت وزارة التجارة الداخلية من مديرياتها في قرار حمل صيغة التعميم الداخلي، متابعة الإعلان عن الأسعار في السوق، وفق الفواتير التداولية التي تحرر من قبل المستوردين والمنتجين وتجار الجملة، واعتماد فواتيرهم أساساً في تحديد سعر مبيع المستهلك.

تحرير الأسعار لرفع الحرج
ورغم تأكيد وزارة التموين "التجارة الداخلية" على أن التعميم يهدف إلى ضمان استمرارية تدفق المواد والبضائع إلى السوق المحلية، إلا أن المعطيات تشير إلى تضخم أسعار المواد الأساسية بنسب تراوحت بين 30 إلى 50 في المئة فور صدور التعميم وفقدان بعضها.

ويعتبر الباحث الاقتصادي فراس شعبو أن عملية تحرير الأسعار خطوة منطقية، خاصة وأن وزارة التجارة تفرض تسعيرات بعيدة تماماً عن المنطق وسعر التكلفة وتغيرات سعر الصرف المستمرة، التي تدفع التجار لتسعير بضائعهم بما يتناسب مع واقع السوق.

ويقول ل"المدن": "هدف النظام من تحرير الأسعار إبعاد مؤسساته عن الواجهة، ورفع الحرج عن وزارة التموين التي تدعي محاولتها ضبط الأسعار وحماية المستهلك، وتقديم القرار على أنه استمرار لنظام اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يدعي تطبيقه".

ويضيف: "هذه الخطوة تجعل الشارع السوري في مواجهة الكتلة الحقيقية للأسعار من دون تعتيم أو احتيال عليها كما كانت تفعل مؤسساته سابقاً، وهي خطوة تحمل آثاراً سلبية على المواطنين من حيث القفزات السعرية، وأيضاً فئة من التجار المرتبطين باعتمادات نقدية وفواتير قديمة، وهو ما يفسر غياب بعض السلع عن السوق".

ويشير إلى أن الفائدة تعم الشريحة الأوسع من التجار "الموردين وكبار التجار" وهي الفئات المرحبة بالقرار، بعد رفع الضابط الأساسي لعمليات التسعير وعدم الخوف من الجهات الرقابية، وبالتالي تضخم الأسعار بشكل كبير خلال الأيام القادمة.

قرارات عشوائية
لكن قرار وزارة التجارة الداخلية تزامن مع رفع قيمة الرسوم الجمركية بنسب متفاوتة على السلع المستوردة، وفرضها سلسلة من القرارات المتعلقة بالسوق المحلية التي أدت إلى ارتفاع كلفة الأسعار، الأمر الذي اعتبر محاولة من قبل النظام لتخفيف الضرر عن التجار.

وكانت مواقع محلية تحدثت عن رفع هيئة الضرائب والرسوم التابعة لوزارة المالية التكليف المالي لكل الفئات بنسب لا تقل عن 30 في المئة، إضافة إلى رفع وزارة الاقتصاد الرسوم الجمركية على جميع المستوردين بنسب تراوحت بين 15 و20 في المئة، ما ساهم في زيادة أسعار البضائع المستوردة.

لكن فراس شعبو، اعتبر أن هذه الإجراءات تعكس الحالة الاقتصادية في سوريا، والمبنية على إصدار مجموعة من القوانين بشكل عشوائي لخدمة فئات محددة.

ويقول: "لم يكن في سوريا شكل اقتصادي واضح، حتى مع الاعتماد على نظام السوق الاجتماعي بعد العام 2000، لكن النظام لم يقم بتطبيقه، وبعد الثورة انهار الاقتصاد كلياً وبات اقتصاداً قائماً على بعض الأفراد والمستفيدين، وتحولت مؤسسات الدولة للعمل بما يتناسب مع هذه الفئة".

ويعتقد شعبو، أن التغيرات الجديدة قد تلحق بقرارات للتخفيف من احتقان الشارع، وتقدم على أنها تدخل للتخفيف من حالة الغلاء، إلا أنها فعلياً امتداد لسياسة إزالة الدعم عن السوريين التي يتبعها من عامين.

ويضيف: "من المتوقع خلال الأيام القادمة أن يقوم النظام برفع الرسوم عن بعض المواد مثل السكر والأرز والزيت، دون التفريط ببقية السلع التي ترفد خزينته بالمال، خاصة وأنه يفرض قوانين وتعليمات غير منطقية للحصول على موارد هو بأشد الحاجة إليها".

اقتصاد سوري جديد
بدوره اعتبر الباحث الاقتصادي يونس الكريم في حديث ل"المدن"، أن قرار تحرير الأسعار وإلى جانب ما يلحقه من تضخم في كتلة الأسعار وتأثيره في توسعة الفقر وطبقة المعدومين غذائياً، فإنه يؤدي إلى المزيد من انهيار مؤسسات الدولة، وبالتالي طرحها للاستثمار الخاص وهو ما يريد النظام الوصول إليه.

ويقول: "دائماً الفئة المستفيدة من القرارات التي تصدر عن حكومة النظام هم أمراء الحرب الداعمين للمليشيات العسكرية والمسيطرين على طرق التهريب والاستيراد الشرعي، ويحاول النظام من خلال المكتب الاقتصادي الذي تديره أسماء الأسد جعلهم جزءاً من البنية الاقتصادية والسيطرة عليهم".

ويشير إلى أن الشكل الاقتصادي القادم يقوم على مبدأ الفائدة المتبادلة بين النظام وطبقة رجال الأعمال الجدد، ما يعني تقديم مؤسسات الدولة لتكون الحامي لهذه الفئة مقابل الحصول على الأموال، وبالتالي إخراج المدنيين وصغار التجار من هذه المعادلة.

ويضيف الدكتور الكريم: "فعلياً يعمد النظام إلى جعل السوريين أمام واقع اقتصادي جديد، في إطار توجهه نحو النيورأسمالية، وهو نظام يقوم على حماية المستثمرين من طبقة رجال الأعمال الجدد ودعمهم وتسهيل أعمالهم، خاصة وأنهم اليوم تحولوا إلى بوابة النظام نحو العالم الخارجي بسبب علاقاتهم الخارجية وقدرتهم على توفير النقد الأجنبي والبضائع".

يبدو أن معاناة السوريين لن تقتصر على تآكل ما تبقى من وسائل عيشهم بعد التضخم الهائل الذي يواجهونه، خاصة وأن آثار النظام الجديد الذي يتم العمل عليه لن تقتصر على المجال الاقتصادي فقط، بل تمتد لتشمل بنية الدولة ومؤسساتها كاملة وتمهد لتخليها عن واجباتها الخدمية والتنظيمية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها