الثلاثاء 2023/02/07

آخر تحديث: 13:27 (بيروت)

من سوريا الجنوبية..إلى إقليم الجنوب

الثلاثاء 2023/02/07
من سوريا الجنوبية..إلى إقليم الجنوب
increase حجم الخط decrease
مهما تكن دقة الاخبار حول تأسيس "إقليم الجنوب" في سوريا، فإن الأمر يبدو منطقيا لاعتبارات عديدة، وقد يصبح مجرد بداية لكرة ثلج تكبر بمرور الوقت لتتحول إلى نمط جيوسياسي يوزع فيه نظام الأسد "دم سوريا بين القبائل"، ويتحول فيه من مبدأ "سوريا المفيدة" إلى "سوريا المتشظية" حيث تتوزع السلطة بين قبائل وميليشيات ومتنافسين محليين، فيما سيكفي الأسد عنوانه الرئاسي وحظوته في قصر المهاجرين بدمشق.
هذا الإقليم المكون من محافظتي درعا والسويداء سيكون فرصة الأسد للاحتماء خلف الجدران التي سيبنيها بين المدن في سوريا المتشظية، وسيفلت من حرجه وعدم قدرته على تلبية مطالبة الدول العربية التي بدأت التطبيع معه أو اقتربت منه، وأبرزها الإمارات والأردن، بإجراءات فاعلة لإنهاء الوجود الايراني في المحافظتين، وتأمين هذه الحدود التي تسمح بتهريب المخدرات والمسلحين وصولا إلى دول الخليج. 
تظهر هنا فكرة هذا الإقليم كنوع من تصدير الأزمة إلى سلطة محلية ذات سلطات شرطية وأمنية واسعة تقيم علاقة وثيقة وربما تفصيلية مع الجوار الأردني، وحينها يظن النظام أنه سيتخلص من تهمة المتاجرة بالمخدرات، وسيضع وزرَ تطهير المنطقة من الميليشيات الإيرانية على عاتق السنة والدروز، وسيحتفظ لنفسه كما هو حال الفيدراليات بملفات الخارجية والدفاع والمالية، وهي جميعا ليست مهمة في سياق ما يهدف إليه المشروع، بل أنها بالأصل ليست ذات قيمة مع التوتر الشعبي العام في الجنوب وعدم قدرة النظام على ضبط الأوضاع او تمويل الحياة فيهما كما في سائر أنحاء سوريا.
لكن خلفية هذا المشروع وتبعاته تبدوان أخطر بكثير من أهدافه المحدودة نسبيا، ففكرة الأقاليم في سوريا تعود في واقع الأمر إلى العام 2006، حينما بدأت الحكومة آنذاك بترتيبات بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية، في ما سمي "مشروع تحديث الإدارة البلدية MAM"، وكان يتضمن تقسيم سوريا إلى ستة أقاليم، لكنه ما لبث أن توقف بعد الثورة السورية عام 2011، لتعود الفكرة من جديد عام 2018 مع سبعة أقاليم هذه المرة.
في بدايته، بدا المشروع جزءا من عملية تحديث إداري تمهيدا لدخول سوريا إلى المنطقة الحرة للشراكة الأوروبية المتوسطية، لكن استعادته في عام 2018 جاء في سياق مختلف تماما، ولأهداف ترتبط مباشرة بنتائج التغييرات الديموغرافية الحادة التي أحدثتها عمليات القمع ضد المدن السورية، وتهجير الملايين من السوريين، وكذلك لأسباب تتعلق أصلا بمقاربة بدا أن النظام بات ينظر إليها كحل ممكن لتفتيت البلاد عمليا دون تقسيم رسمي، ونقل الوضع السوري من مظهر الصراع بين المعارضة والنظام، إلى صراعات داخل الأقاليم ذاتها على الموارد والنفوذ والسلطة، لا سيما إن توفرت لها فرص النهب لو حصلت على أموال من الخارج للإعمار، فيما يكتفي النظام بالوجود في دمشق وبالمظهر العام للحكم والشرعية، مستفيدا من الصراعات داخل الأقاليم وفي ما بينها للبقاء.
وعدا عن ذلك، فإن مثل هذه الأقاليم ستوفر للنظام قدرة التملص من مسؤولية التعامل مع النفوذ الإيراني المتنامي وسط مناطق سوريا المختلفة، بأشكال عسكرية واقتصادية وثقافية وطائفية، فهو لن يستطيع إخراج إيران من هذه المناطق، ولن يستطيع الاستغناء عنها أيضا، ومن الأفضل له أن يترك أمر التعامل مع الإيرانيين للأقاليم ذاتها، تاركا للعرب المطبعين معه أو للأتراك أو الأميركيين أمر دعم السلطات المحلية فيها، ولن يهمه حينها أن ينتقل النفوذ من إيران إلى هذه الدولة أو تلك، ففي النهاية ستتكفل هذه الدول بتمويل من تريد، ويحصل هو على عمولته، بوصفه مصدر تشريع كل ذلك.
وبهذا سينتهي عملياً أية فرصة حقيقية لتوحيد سوريا أو إقامة حكومة شرعية منتخبة كما جاء في قرار مجلس الأمن أو في مطالب المعارضة، وسينسخ نظام الأسد نفسه على الأقاليم الستة خارج دمشق، ولن يعود لكل مطالبات الثورة بالحرية والكرامة معنى أو جدوى، إن لم نصل في مرحلة ما إلى التقسيم عندما يحين موعد تنفيذ خريطة الشرق الأوسط الجديد.
وللمفارقة، في مطلع القرن العشرين كانت فلسطين، وبكل ما تمثله قضيتها ومعانيها، وشرق الأردن يوصفان بسوريا الجنوبية، اليوم بعد مائة عام من تشكيل حكومة فيصل والمؤتمر السوري العام، نجح بشارالأسد في تقزيم سوريا وتقسيمها إلى درجة الحديث عن إقليم الجنوب السوري وكانتونات طائفية وعرقية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها