الإثنين 2023/02/13

آخر تحديث: 16:27 (بيروت)

عن أيّ خذلان يتحدث المسؤولون الأمميون؟

عن أيّ خذلان يتحدث المسؤولون الأمميون؟
increase حجم الخط decrease
لم يكن السوريون في حالة انتظار شديد لما صرّح به وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الإغاثة الإنسانية في حالات الطوارئ مارتن غريفيث حول خذلان المجتمع الدولي لسكان شمال غرب سوريا حيال الزلزال المدمر الذي اجتاح سوريا وتركيا، بل ربما كان معظم السوريين قد خبروا هذا الخذلان وقبل وقوع الزلزال بسنوات. ولئن أظهر الزلزال الجديد صوراً مُروّعة لمبانٍ كبيرة وهي تسقط فوق رؤوس ساكنيها، كما أظهر صور الأشلاء المتناثرة للبشر وهي تتطاير وتتقطع، فإن براميل بشار الأسد كانت سبّاقة لكوارث الطبيعة، إذ تعيش سوريا منذ 2012، مقتلة بشرية بفعل آلة التوحّش الأسدي التي لم تدّخر أيّاً من وسائل الدمار الشامل بما في ذلك السلاح الكيمياوي الذي شاهد العالم بأسره تداعياته المفجعة سواء على سكان الغوطة الشرقية عام 2013 أو على أهالي دوما عام 2018 أو على خان شيخون في نيسان 2017 وسواها الكثير. 
وعلى الرغم مما ينطوي عليه اعتراف السيد غريفيث من جانب أخلاقي على الأقل، إلا ان المفارقة تكمن في التمييز بين مصدر الحدث المدمّر، أهو الطبيعة أم البشر، وأعني أنه حين كان مصدر الموت كائناً بشرياً لا يجهله أحد، وهو لا يزال يمارس الإبادة بكل تجلياتها، فلم يردعه أحد، لا الأمم المتحدة ولا الدول العظمى، وبينما كان الجميع يكتفون ببيانات الإدانة، كانت براميله وغازاته السامة تحصد آلاف الأرواح، ولم يتجرأ أي طرف دولي مؤثر أو منظمة أممية على الاعتراف بخذلان الشعب السوري، ولكن يبدو أن الاعتراف بفداحة كوارث الطبيعة أسهل بكثير من الاعتراف بفداحة فعل الوحوش البشرية.
ولعل المفارقة الثانية في اعتراف المنظمة الأممية بتقصيرها، تكمن في تلهّف نظام الأسد وحلفائه لتصريح السيد غريفيث، ليجدوا فيه تعزيزاً لما بدأت به الجوقة الإعلامية للنظام منذ الساعات الأولى لوقوع الزلزال، بل يمكن التأكيد على أن سلطات دمشق بدأت بتشغيل أبواقها مطالبةً برفع الحصار الاقتصادي الأوروبي والأميركي على نظام دمشق، قبل أن تعرف الآثار الحقيقية لما وقع على الأرض، ولم يستطع أنين وصيحات المئات من المواطنين الذين علقوا تحت الأنقاض في حلب وجبلة واللاذقية وحماة، لفت انتباه السلطة إلى معاناتهم، بل لعل انتظار رأس النظام مرور خمسة أيام على وقوع الكارثة، ليقوم بزيارة استعراضية إلى مدينة حلب، إذ كان في استقباله إسماعيل قآاني الذي سبق الأسد إلى المدينة، ومن ثم ليقف موزّعاً على من حوله ضحكاته البلهاء، كل هذا يدل على أن الكارثة السورية كانت مغنماً بل ربما فرصة ذهبية لفتح آفاق جديدة في العلاقات أمام نظام دمشق.
وإذا كان الاعتراف بالتقصير غالباً ما يجسّد شجاعة في الضمير -على المستوى الأخلاقي- فيمكن التأكيد على أن المسؤول الأممي غريفيث كان أشجع من سواه في تصريحاته واعترافه بخذلان الضحايا، وخاصة أنه مسؤولٌ في منظمة دولية ومحكوم بضوابط مهنية ربما لا تفسح مجالاً كافياً للتعاطف أو الانحياز الأخلاقي، وذلك على خلاف الأطراف الأخرى، وخصوصاً بعض الدول العربية التي استفاقت نخوتها بغتةً وأبدت تضامنها المادي والمعنوي مع نظام الأسد، علماً أنها علمت وشاهدت ممارسات السلطات الأسدية المخزية حين بدأت عصابات النظام بالاقتتال فيما بينها على سرقات المعونات، وتركت جانباً الضحايا يغرقون بدمائهم، بل ربما وجدت بعض هذه الدول الفرصة مناسبة لإعادة علاقاتها مع الأسد، تلك العلاقات التي كانت تهمّ للمبادرة بإحياها ما قبل وقوع الزلزال.
يمكن التأكيد على أن اختزال خذلان السوريين بتداعيات الزلزال هو أمر فيه الكثير من التشويه وخلط الحقائق، فالموت تحت الأنقاض هو جريمة بشعة سواء أكانت نتيجة التقصير والإهمال أم كانت بفعل براميل الأسد، وهو بالتالي خذلان واضح وموجع، والتضامن مع القاتل والوقوف إلى جانبه ضد ضحاياه هو ليس خذلاناً فحسب، بل جريمة لا تقل شناعة عن جريمة القاتل، وكذلك تركيز الاهتمام والأضواء على وجع الضحايا وكيفية موتهم، وترْك المجرم طليقاً دون محاسبة  هو خذلان من الطراز الرفيع، وبقاء سكان الشمال السوري طيلة أربعة أيام في قطيعة عن العالم دون إدخال أي شكل من أشكال المساعدات هو خذلان فاقع، وعدم سعي المعارضة الرسمية لانتزاع قرار بفتح معابر إضافية هو خذلان أيضاً، وبالتالي عن أي شكل من أشكال الخذلان سيتحدث السوريون؟ وأي خذلان كان أشدّ إيلاماً من الآخر؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها