الثلاثاء 2023/01/17

آخر تحديث: 11:59 (بيروت)

فرصة وسط مفترق الطرق

الثلاثاء 2023/01/17
فرصة وسط مفترق الطرق
increase حجم الخط decrease
أفهم طبعا أن السياسة هي فن الممكن، وأن الرغبة بالانتقام، ليست سبيلاً مناسباً لبناء دولة على أنقاض الاستبداد، ولذلك، لا أرى أن في ما تقوم به أطراف في المعارضة السورية المختلفة، نتائج ذات جدوى يمكن أن تحقق خرقا لصالح الشعب السوري، فالأمر تعدى فراغ الرؤية، وقلة الحيلة، والانقسام، والتخوين المتبادل، إلى ظهور من يدعو إلى خيارات ذات طبيعة انتحارية مثل التحالف مع قوات سوريا الديمقرطية (قسد) نكاية بتركيا وبالنظام سوية، أو من يدعو للمراهنة "حتى النهاية" على ما يمكن أن تخرج به الترتيبات التركية مع روسيا والنظام.
ما زالت المعارضة بأطيافها وتياراتها بلا خطة، بل إن الساحة خلت حتى من مبادرات لنبذ الانقسام مؤقتاً على الاقل، ولذلك يستمر التخبط، في الوقت الذي تستمر فيه ترتيبات سياسية وميدانية مختلفة للوضع السوري، من تركيا وروسيا والإمارات والولايات المتحدة وإيران وإسرائيل، وكل منهم يحاول أن يقتنص أقصى ما يستطيع من المصالح والفوائد الاستراتيجية والميدانية وحتى الاقتصادية.
في هذا المناخ تبدو الخيارات محدودة فضلاً عن كونها معقدة، لكن لحسن الحظ فإن الوقت ما زال يحتمل بعض المبادرات بالاستناد إلى تيار شعبي واسع رافض للمصالحة مع النظام بدون توفر إطار مرجعي ذا طبيعة قانونية تحقق العدالة، وتضمن تغيير النظام، والحد الأدنى لذلك هو قرار مجلس الأمن 2245، غير أن مفاعيل الضغط الشعبي لها حدود، وهي بطبيعتها غير منظمة، ولن يقدر لها أن تستمر بنفس الزخم والوضوح إن لم يجرِ تحويلها إلى سياق سياسي يقدم خطة واضحة ويفرضها باعتبارها موقف الشعب السوري.
هذا السياق السياسي ليس بلا أساس واقعي، فحتى الآن لا يبدو أن الترتيبات الروسية للتطبيع بين تركيا والنظام تسير على مايرام، وقد ألغي الاجتماع الذي كان مقررا أواسط هذا الشهر في موسكو بين وزراء الخارجية الثلاث بعد تصريحات للأسد وضعت شرطا مسبقا للاجتماعات مع الجانب التركي يقوم على أساس "انهاء الاحتلال"، وهو ما يعني طرح الانسحاب التركي من سوريا، من دون ضمانات للخطوات اللاحقة التي يتوجب على النظام تنفيذها، وقد بدا أن هذه المقاربة لا تناسب أنقرة التي أعلنت لاحقاً عن تأجيل اجتماع موسكو الذي كان مقرراً أواسط الشهر الحالي بين بين الوزراء الثلاثة، مع تحديد موعد مفترض الشهر المقبل، لايبدو مؤكدا بدوره.
في الوقت ذاته، ستكون المباحثات المرتقبة الأربعاء بين وزير الخارجية التركية ونظيره الأميركي في واشنطن، ذات أهمية خاصة في تحديد المسار التركي في التقارب مع نظام الأسد، والمضي في المقاربة الروسية، وتحديد الخيارات التركية في المستقبل.
وما بين السقوف العالية لكل من المصالح التركية والأميركية في المنطقة وفي سوريا بشكل خاص، ومع ابتزاز النظام الذي لا يبتعد عن رؤية إيرانية لن تسمح بحلول تستبعدها ولو جزئيا، وفي ظل ضعف روسي فرضته حرب أوكرانيا وتداعياتها، هناك وسط هذا التقاطع في المصالح والأهداف مفترق طرق يمكن للسوريين أن يجدوا فيه موطئ قدم لبرنامج سياسي رصين وواقعي أساسه، رفض شعبي للتصالح مع الأسد تحت أي لافتة أو مسمى.
الوقت قصير بطبيعة الحال، ولن يسمح بترتيبات سريعة وحقيقية لبناء رؤية سياسية للمعارضة، لكن من المهم الآن عدم اتخاذ اي موقف انفعالي مثل التقارب مع قسد أو الميل إلى أي طرف من المتدخلين في سوريا، قبل أن يتضح مسار المواجهات السياسية الحالية، وصراع المشاريع، والأهم أن يتعّظ الجميع مما جرى في سبيل عدم وضع كل مصائر الثورة والثوار في سلة واحدة.
أدرك مثل كثيرين أن الثورة تعرضت لاضرار جسيمة لأسباب متعددة، لكنها ما زالت باقية، ورغم خطورتها، فإن الترتيبات الروسية الأخيرة مع تركيا والنظام أسفرت عن نتيجة مهمة، هي أنها جددت وهج الثورة في ضمائر السوريين، ومنحتهم فرصة التعبير عن موقف حاسم برفض النظام، ربما توقع كثيرون أنه قد انهار أو كاد، ومع كل الحقائق بضعف النظام وخرابه من الداخل، وحصاره الخارجي الذي يتسع كل يوم، فإن المعادلة هي بالتأكيد لصالح الثورة، لكننا نحتاج لجهد يستثمر كل ذلك ويحقق منه نتائج ملموسة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها