أنهى السوريون داخل مناطق سيطرة النظام السوري في ساعة متأخرة من ليل الأحد، الاقتراع لانتخاب ممثليهم في المجالس المحلية في دورة هي الثانية من نوعها منذ بدء الثورة السورية في آذار/مارس 2011، والتي تأتي بالتزامن مع أزمات معيشية واقتصادية جمّة وضعت أكثر من 90 في المئة منهم تحت خط الفقر.
ولم تثنِ تلك الأزمات المتلاحقة والمتزامنة ابتداءً بأزمة الوقود مروراً بأزمة انهيار الليرة وليس انتهاءً بأزمة المواصلات، من عقد هذه الدورة الانتخابية، التي سبقها نصب خيم للمرشحين المستقلين لعضوية مجلس المحافظة الذين وضعوا نصب أعينهم الحصول على أحد كراسي المكتب التنفيذي لتدر عليهم الأموال الطائلة بعد وصولهم إليه، مستفيدين من صفقات يعقدونها مع المقاولين والتجار وصولاً للمنح والهبات الدولية من الدول الصديقة للنظام السوري.
وجرى الاقتراع المفترض بحسب وكالة أنباء النظام الرسمية "سانا" في 7 آلاف و345 مركزاً، وزّعت على جميع المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة النظام، يتنافس خلالها 59 ألف و498 مرشحاً على 19 ألف و86 مقعداً في 14 ألف و70 وحدة إدارية في 14 محافظة.
انتخابات شكلية
ولم تختلف هذه الانتخابات عن تلك التي سبقتها قبل 4 أعوام، وكذلك لم تشهد تغييراً عن تلك التي سبقتها قبل انطلاقة الثورة السورية، بل ازدادت خلالها السطوة الأمنية لفرز الناجحين مسبقاً وأيضاً في إعطاء الموافقات الأمنية للذين قرروا خوض غمارها كمستقلين، وذلك عبر اختيار الأعضاء السابقين في المكاتب التنفيذية للمجالس عبر "مسرحية الاستئناس الحزبي" التي سبقت موعد البدء بالانتخابات.
ويقول عماد ص.، وهو أحد المشرفين على صندوق انتخابي في مدينة الكسوة بريف دمشق الغربي: "وضعت أسماء المرشحين للانتخابات الصادرة عن شعبة حزب البعث الاشتراكي في الكسوة في ورقة واحدة، بعد الموافقة عليها أمنياً من قبل أجهزة المخابرات السورية، ولم يتبقَ على الناخب المفترض إلا وضع الورقة في الصندوق الانتخابي مع كتابة اسم المرشح المستقل الذي لن يفلح غالباً بالحصول على مقعد بالمكاتب التنفيذية لمجالس المحافظات والمدن والبلديات، لأن تلك الأسماء وضعت مسبقاً، عبر عملية الاستئناس الحزبي أو عبر عمليات تزكية مزعومة".
ويضيف ل"المدن"، "لم تتغير عقلية النظام بالنسبة للتدخل في تحديد الأسماء الناجحة، وتحجيم المستقلين الناجحين عن المراكز التي ضمن أصحابها بشكل مسبق الحصول عليها لأنهم من المرضي عنهم أمنيا وحزبياً"، موضحاً أن الاقبال من السوريين على الانتخابات "كان ضعيفاً جداً"، واقتصر على الموظفين في مؤسسات ودوائر الدولة خوفاً من تقارير كيدية بحقهم، تدخلهم على إثرها بدهاليز مراجعات الأفرع الأمنية يمكن أن تودي بهم إلى الفصل من الوظيفة.
رسائل خارجية وداخلية
وشارك في تلك الانتخابات مسؤولون في حكومة النظام أبرزهم رئيس الحكومة حسين عرنوس ووزير الخارجية فيصل المقداد. واعتبر عرنوس أن "الاقتراع الديمقراطي" هو بمثابة "رسالة تؤكد لأعداء سوريا أن الشعب السوري مستمر بالاستحقاقات الدستورية على الرغم من الحرب الإرهابية"، في حين نقل المقداد "تأكيد" رئيس النظام السوري بشار الأسد على "ممارسة الشعب الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها المحددة".
ويرى الباحث السياسي محمد السكري بتصريحات العرنوس والمقداد وبالانتخابات عامةً، بأنها محاولة جديدة من النظام السوري لإثبات نظريته في سيادة واستقرار الدولة بالتزامن مع الانفتاح العربي لتطبيع العلاقات معه، معتبراً أنها جاءت عقب تمكنه من فرض سيطرته العسكرية على مساحات واسعة من الجغرافية السورية.
ويقول السكري ل"المدن"، إن النظام يسعى لإعطاء مبررات جديدة لانفتاح دول إضافية عليه، ضمنها تركيا، بإظهار نفسه أنه قادر على أن يكون جزءاً من أي حل سياسي في سوريا، إضافة إلى رسالة توكيدية مفادها أن أي انتخابات مستقبلية يجب أن يكون هو المشرف عليها كلياً، وليس بإشراف دولي.
كما يريد النظام، حسب السكري، توجيه رسائل داخلية إلى كل من الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا وأهالي الطائفة الدرزية في السويداء، يؤكد خلالها على الاستجابة لمطالبهما باللامركزية الإدارية، لكن كما يرى النظام ذلك مناسباً.
ويعتبر أن هذه الانتخابات شكلية لا يعول عليها بالحل السياسي المستدام في سوريا لأنها غير قادرة على تغيير سلوكيات النظام خلال الفترة القادمة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها