الخميس 2022/09/01

آخر تحديث: 14:18 (بيروت)

إدلب:الجولاني يراهن على عودة المسيحيين..والنظام ينافسه

الخميس 2022/09/01
إدلب:الجولاني يراهن على عودة المسيحيين..والنظام ينافسه
increase حجم الخط decrease
ظهرت أولى نتائج زيارة زعيم "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني في تموز/يوليو إلى قرى المسيحيين في منطقة جسر الشغور بريف محافظة إدلب، بعدما أعيد مؤخرا افتتاح كنيسة الأرمن الأرثوذوكس في قرية اليعقوبية وهي واحدة من أكبر وأقدم كنائس المنطقة والتي استقبلت عشرات المسيحيين في احتفالات عيد القديسة أنا التي توقفت قبل 10 أعوام تقريباً.
وتجمع عشرات المسيحيين من أبناء طائفة الأرمن الأرثوذوكس المتبقين في قريتي القنية واليعقوبية في كنيسة القديسة آنا الواقعة في قرية اليعقوبية، للمرة الأولى منذ سيطرة المعارضة السورية على المنطقة. وأقام المحتفلون وهم في الغالب من كبار السن، طقوس وشعائر العيد الذي يصادف آخر أحد من آب. وتداول نشطاء وأهالي القرى المسيحية في إدلب صوراً وتسجيلات مصورة لافتتاح الكنيسة والأجواء الاحتفالية والصلوات.

توزع المسيحيين
ويتوزع المسيحيون في محافظة إدلب على عدد من أحياء وسط المدينة، وفي مدينة جسر الشغور في حي المسيحيين، وعلى قرى الجديدة واليعقوبية والقنية وحلوز وأكبرها قرية الغسانية في ريف جسر الشغور، والتي كان يسكنها قرابة 10 آلاف مسيحي قبل انطلاق الثورة السورية. 
العدد الأكبر من مسيحيي ادلب غادروا بلداتهم نحو مناطق سيطرة النظام بعد سيطرة المعارضة في الفترة ما بين العامين 2012 و2015.
وقعت كنائس قرى المسيحيين بريف منطقة جسر الشغور جنوب غرب إدلب تحت سيطرة عدد من الفصائل المعارضة في الفترة بين عامي 2012 و2013، وفي أواخر العام 2013 ظهر تنظيم "داعش" وسيطر على قرى في المنطقة، وقام أحد قادة التنظيم ويدعى عدنان لطيف الدليمي المعروف ب"أبو أيمن العراقي"، بتحويل كنائس الى مقار عسكرية، ومعتقلات، أهمها كنيسة القديس جاورجيوس للروم الأرثوذوكس في قرية الغسانية التي حولها إلى معتقل جماعي، وعندما غادر التنظيم البلدة في شباط/فبراير 2014، تبين أن الكنيسة تحولت إلى مقبرة جماعية وجد فيها أكثر من 20 جثة لمقاتلي الجيش الحر.

مرحلة ما بعد داعش
وبعد طرد "داعش" من إدلب تحولت السيطرة على قرى المسيحيين في ريف منطقة جسر الشغور إلى التنظيمات السلفية، أبرزها، "حراس الدين" و"الحزب الإسلامي التركستاني" و"هيئة تحرير الشام"، وشكلت قرى المسيحيين في تلك الفترة نقطة جذب للتنظيمات بسبب وجود أعداد كبيرة من المنازل التي نزح عنها سكانها، وبالتالي كانت ملاذاً للتنظيمات التي قامت بإسكان عائلات مقاتليها عدا عن استثمارها في أملاكهم من أراضٍ زراعية ومحال تجارية. ويرجع تدفق التنظيمات إلى المنطقة أيضاَ، لكونها بعيدة عن مناطق الاشتباك الساخنة، ولطبيعتها وطقسها المعتدل، ولقربها من الحدود السورية-التركية وبالتالي تؤمن حماية لعائلات مقاتليهم.
ومنذ منتصف 2020 بدأت تحرير الشام بالضغط على تنظيم "حراس الدين" الذي كان يهيمن على الغسانية وعدد من قرى المسيحيين بريف منطقة جسر الشغور، وأجبرت عناصره على الانسحاب من العدد الأكبر من المنازل والعقارات. وفي 2021 قضي كلياً على التنظيم ولم يعد لعناصره ومجموعاته أي تواجد في المنطقة، وفي أواخر العام ذاته أبعدت تحرير الشام عدداً من التنظيمات عن المنطقة، أهمها، "جند الله" و "جنود الشام" وغيرها من الجماعات السلفية، وتم إخلاء عشرات المنازل والعقارات من شاغليها بالقوة.

انفتاح الجولاني
وعملت "تحرير الشام" أيضاَ على تقليص حيازة وانتشار "الحزب التركستاني" لحساب توسع هيمنتها في المنطقة والتي مهدت في ما بعد لمرحلة التقرب من مسيحيي المنطقة والتي بدأت مطلع 2022 من خلال إعادة جزء من الممتلكات للأهالي، وهي خطوات توجها الجولاني بزيارة في تموز/يوليو، التقى فيها بعدد من الوجهاء ورجال الدين المسيحيين المتبقين في المنطقة، ووعدهم بتحسين واقع الخدمات العامة وبمزيد من التسهيلات، والتي تشمل إعادة افتتاح الكنائس وإقامة الشعائر والطقوس الدينية بحرية وبحماية تحرير الشام التي كثفت من جهودها الأمنية لحماية المنطقة.
بداية آب/أغسطس سلمت تحرير الشام كنيسة القديسة آنا لرجال الدين في قرية اليعقوبية، وبدأ العمل مباشرة بعمليات ترميمها لتكون جاهزة لاحتفالية العيد أواخر الشهر ذاته، وهذا ما حصل بالفعل، ونجحت "تحرير الشام" بتأمين المنطقة أثناء الاحتفالية التي لم ترُق للسلفيين المناهضين لها، والذين شنوا هجوماً لاذعاً على الهيئة وزعيمها الجولاني.

غضب السلفيين
وأجرى السلفيون المناهضون لتحرير الشام مقارنة واسعة بين انفتاح "تحرير الشام" المفترض على الأقليات والطوائف الدينية في إدلب وبين سياستها السابقة وسلوكها السلفي الأيديولوجي والذي كان متزمتاً في عدة جوانب، مثل تقييدها للحريات وملاحقتها للمدخنين ومنع الحفلات والأعراس وإغلاق المقاهي وتضييقها على الناس في العادات والطقوس الاجتماعية المحلية.
وقال مصدر سلفي مناهض لتحرير الشام ل"المدن" إن "الجولاني يخبئ للمسيحيين في إدلب المزيد من العطايا خلال الفترة القادمة، والتي يهدف من خلالها إلى استقطاب أولئك المقيمين في مناطق سيطرة النظام أو خارج سوريا. وتشمل العطايا المفترضة إعادة المزيد من المنازل والعقارات لأصحابها، والسماح بإعادة افتتاح المزيد من الكنائس، والتوسع أكثر في قطاع الخدمات والمرافق في مناطق المسيحيين، وكل ذلك يخدم الجولاني الذي يريد التقرب أكثر من الغرب والترويج لمشروعه وانفتاحه المزعوم". 
وأضاف المصدر أنه "قبل 6 سنوات تقريباً تم بناء مساجد في قرى المسيحيين، وبالتحديد في قرية اليعقوبية، ويبدو أن تحرير الشام مستعدة لهدم المسجد الذي يتذرع مقربون منها بأنه مبني على أراضٍ تعود ملكيتها للمسيحيين من أبناء القرية".
ليس السلفيون وحدهم المستاؤين من خطوات التقرب التي يقودها الجولاني تجاه المسيحيين في إدلب ومحاولته استقطابهم، بل نظام الأسد أيضاَ يبدو متابعاً وبقلق لهذه الخطوات، فبعد يوم واحد من احتفالية عيد القديسة آنا في قرية اليعقوبية، اجتمع محافظ إدلب ثائر ناصح سلهب برجال الدين المسيحيين وعدداً من وجهاء النازحين من قرى المسيحيين في منطقة جسر الشغور والذين يقيمون في مدينة اللاذقية، وجرى الاجتماع في صالة دير اللاتين (كنيسة يسوع الأقدس)، ووعدهم بأن النظام سيعمل على إعادتهم إلى قراهم واستعادة السيطرة على المنطقة قريباً.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها