الأحد 2022/08/07

آخر تحديث: 17:11 (بيروت)

إيران.. المتاجرة بالفشل

الأحد 2022/08/07
إيران.. المتاجرة بالفشل
increase حجم الخط decrease

لم تخسر ايران معركتها معنا بعد، لكن كل شيء يوحي بأنها في الطريق إلى ذلك. وهناك في العراق، حيث خط الدفاع الأخير لإيران، تتجلى خسارة استثمار طويل ومكلف، سيكون له ما بعده من انقلاب قطع الدومينو.

بَنَت إيران استراتيجية الهيمنة في المنطقة، على أساس تمكين القوى المحلية المؤيدة لها من التغوّل والتوغّل واكتساب النفوذ والسلطة والمال، مقابل القضاء على الخصوم بالإرغام والقهر أو بالرشوة والحيلة، وهي في ذلك، تستخدم الرافعة الطائفية كموجة عبور وتسلق، كما أنها تربط كل ما تبنيه من معالم قوة ونفوذ، بواقع على الأرض، يمتد ما بين التغيير الديموغرافي وإقامة الهياكل المسلحة والميليشيات التي جردت الدولة من حق احتكار العنف، وامتلكت موارد اقتصادية تجعلها قادرة على التجنيد والهيمنة.

تعمل إيران على ذلك منذ 40 عاماً، بدأته في لبنان، ثم انتقلت الى العراق بعد العام 2003، ثم سوريا منذ العام 2011، وأخيراً في اليمن منذ 2015، مع محاولات فاشلة في دول الخليج، ودول أخرى مثل مصر والمغرب والأردن، وهي نجحت بشكل واضح في الدول الأربعة الأولى بفضل القوى المحلية العميلة لها، وانخراطها القوي في دعمهم بكل طاقاتها العسكرية والاستخبارية والمالية، مقابل تقصير دول المنطقة في منعها من ذلك أو على الأقل دعم القوى المحلية المعادية لها.

في غمرة جهودها، جندت إيران مجموعات متلاحقة من الأفاقين والفاشلين وقطّاع الطرق والمجرمين وانتهازيي الفرص والوصوليين وخونة بلادهم، وقامت بتحويل بعضهم إلى أمراء حرب وقادة ميليشيات وسياسيين ومسؤولين، وقدم كل من هؤلاء خدمات كبيرة للراعي الإيراني في التمكن من بلادهم، لكنهم كانوا أيضاً سبباً في ترسيخ ربط إيران بكل أوجه الفشل والفساد وانهيار الدولة. 

ايران اليوم هي في المخيال العربي، حتى بين من تظنهم بيئتها الطائفية التقليدية، هي رمز للتخريب واشاعة التخلف، ودعم الفساد، وتمكين الفاشلين، والقضاء على فرص التقدم. أما وجودها من خلال عملائها في أي بلد، فمقرون بنقص الخدمات، وغياب هيبة الدولة، وبالاضطراب الاجتماعي، ونشر الطائفية، ونزوح الفضيلة، وغلبة الشر وانتشار مظاهر الانحلال والمخدرات، وزياد التطرف، وخلق جذور الإرهاب وأسبابه. وبعد الثورة السورية، تكرست صورة إيران الدم والقهر والتعذيب ودعم النظم المارقة، ومعاداة الحرية.

هذه الصورة، بل الصور، كفيلة بتدمير المشروع الإيراني التوسعي الإجرامي، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فسوء سمعة إيران، عادت لتصيب عملائها بذات الوصمة، وعلى هؤلاء أن يواجهوا غضب شعوبهم وأن يحملوا وزر فشل الدولة، حتى ولو كان لذلك الفشل أسباب وجذور أخرى.

في لبنان، يحاول "حزب الله" أن يزايد على الدولة، ليقدم نفسه كحام لها، وقد سعى في قضية حقل كاريش أن يكون رديفاً للدولة، لكن آوان ذلك قد فات، فالدولة اللبنانية فشلت أساساً في حفظ حقوق شعبها لأنها ضعيفة وممزقة بين التيارات ومراكز القوى، ولا سيطرة لها على كل أراضي البلاد، مع وجود سلاح أقوى من سلاحها، ومع تهميش لقدرة الحكومة في اتخاذ القرار.

وفي العراق، يكاد المعبد يسقط على رؤوس الجميع، بعدما أصبحت الدولة مليئة بالثقوب مثل الجبنة السويسرية، وأيضاً تلقى المسؤولية على عاتق إيران وميليشياتها وعملائها المتهمين بأنهم رؤوس الفساد ورعاته، حتى أن أكثر الزعماء الشيعة شعبية وهو مقتدى الصدر، أصبح الأكثر خطراً على المشروع الإيراني، بعدما أصبح يدعو علناً للقضاء (جذرياً) على النظام السياسي الطائفي الراهن، بل ووعد بجعل الوجوه السياسية الحالية شيئاً من الماضي، وغالبية هذه الوجوه مشمولة بالحماية الإيرانية.

فات على إيران أن الموجة الطائفية التي منحتها قدرة اختراق المناخ العام في المنطقة، في خضم الوجود الأميركي، هي عنصر شديد السيولة، فهي يمكن أن تستقطب الناس بقوة، وتمنح الراكبين عليها فرص السيطرة واستخدام عواطف الحشود، لكن الناس تريد بعد ذلك، أن تعيش بكرامة واستقرار، وهو ما يتناقض مع المشروع الإيراني ورافعته الطائفية، ومع أدواته المحلية المتخلفة والعنيفة، وهنا يرتد السحر على الساحر، ويبدأ وكلاء إيران بالبحث عن مخارج مستحيلة، منها العودة إلى الدولة التي أسهموا في تحطيمها، أو بمحاولة افتعال أزمات لتأجيل دفع الاستحقاقات التي لا بد منها.

وبين العراق ولبنان، لن يبقى لإيران في سوريا الكثير، ويكفينا هنا أن النموذج الذي يساند النظام، هو ذاته المرفوض شعبياً ودولياً، وستكون هذه المساندة أكثر تعقيداً وضعفاً، مع مرور الوقت، بل لن يكون بعيداً ذلك اليوم الذي تكون فيه إيران منشغلة بحماية نفسها عن دعم عملائها، سواء كانوا سياسيين من أمراء الحرب أم زعماء ميليشيا أم تجار مخدرات أم نظام الاسد.

إيران تاجرت بالفشل، وراهنت عليه، وهي اليوم تخسر، وشعوبنا تربح. هذا قدر حتمي، سيتحقق، لكن الرحلة كانت صعبة ومؤلمة، وخساراتها كبير، وهي لم تنتهِ بعد، لكن معالمها تتوضح اليوم أكثر من أي وقت.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها