الجمعة 2022/08/19

آخر تحديث: 13:28 (بيروت)

الحراك الشعبي السوري..له وزنٌ في تركيا

الحراك الشعبي السوري..له وزنٌ في تركيا
increase حجم الخط decrease
لا تزال تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاووش اوغلو بخصوص المصالحة مع نظام الأسد، تثير المزيد من الجدل، سواء على المستوى الحكومي التركي أو على المستوى الشعبي السوري.

فالحكومة التركية من جانبها ربما تفاجأت بردّة الفعل التي تجسدت بمظاهرات عارمة عمّت كافة مدن وبلدات الشمال السوري، ما دفعها في الأيام اللاحقة إلى إصدار توضيحات وتعقيبات تحاول تليين أو تخفيف ما جاء على لسان وزير خارجيتها، مؤكدةً في الوقت نفسه أن الدعوة إلى مصالحة نظام الأسد إنما تأتي في سياق الحل السياسي التوافقي الذي تضمنته القرارات الدولية وخاصة القرار (2254)، مشددة على أن دعوتها للحوار مع حكومة النظام لا تمثل تنازلاً من جانبها، ولا تعني تنصلاً من دورها الداعم للمعارضة السورية.

لعله من الممكن للمرء أن يتفهّم الموقف التركي الذي بدا مستعجلاً لحسم الكثير من المسائل السياسية العالقة، استعداداً لمواجهة الاستحقاقات الانتخابية مع حلول شهر حزيران/يونيو المقبل، وتأتي في طليعة تلك المسائل القضية السورية وتداعياتها الاقتصادية والسكانية في تركيا، وهذا بالطبع ليس تبريراً لما تتجه إليه الحكومة التركية، بقدر ما هو محاولة لفهم حيثيات الانعطافة والأسباب الكامنة خلفها.

لكن ما لا يمكن تفهمه كما لا يمكن تبريره حتى الآن، هو غياب ردات الفعل من جانب الأُطر الرسمية للمعارضة السورية، سواء السيادية منها كـ"الائتلاف الوطني" أو الجهات التنفيذية أو الفنية، كالحكومة المؤقتة أو هيئة التفاوض واللجنة الدستورية، الأمر الذي يثير أكثر من سوْال حول ركون تلك الأُطر الى الصمت في الوقت الذي كان من المفترض أن تكون هي أول المتكلمين، باعتبارها ممثلة لقوى الثورة والمعارضة، أو هذا ما تدعيه.

لعل الأمر الأكثر غرابة هو أن يتبجح نظام الأسد بالردّ على التصريحات التركية مدعياً رفضه لما جاء على لسان وزير الخارجية التركي، إلا إذا امتثلت حكومته لشروط النظام، ولكن بطبيعة الحال لا يمكن التعاطي بجدية مع ادعاءات النظام وتبجحاته، فهو أقل وأضعف من أن يتجاوز الأوصياء على مصيره، ونعني روسيا وإيران.

المراد مما سبق هو تبيان أن جميع الأطراف المعنيّة لما صدر عن وزير الخارجية التركي، كان لها رد وموقف بغضّ النظر عن طبيعة موقفها، باستثناء قوى المعارضة السورية الرسمية، فقد لاذت بالصمت وكأنها تريد أن يمضي الوقت سريعاً جارفاً معه أثار الموقف التركي الأخير لتعود بعد فترة وتتصدر المشهد من جديد!

لكن ربما يقول البعض إن كيانات المعارضة الرسمية أبدت موقفاً وواكبت الحدث الأخير وذلك من خلال التصريحات الخجولة لبعض أعضائها في الائتلاف وهيئة التفاوض، أو من خلال تغريدات هنا وهناك على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن ما هو مؤكد أن هذه المواقف الخجولة والمترددة التي لا ترقى لمستوى الحدث، لم تصدر إلا بعد التوضيحات التي أصدرتها الخارجية التركية والتي كانت بمثابة ضوء أخضر خفيف من جانب أنقرة يوحي بأن هؤلاء بإمكانية التحدث، لكن هذه الإشارة لم تكن كافية لتحرير ألسنة القوم ولم تطلق قرائحهم كما كنّا نألفها من قبل.

ما هو مؤكد ومعهود في تاريخ الثورات وحركات التحرر أن أي احتجاج شعبي أو حراك ثوري مناهض للعدو، إنما يتحول إلى ورقة من أوراق القوة بيد من يُفترض أن يكونوا قادة للثورة، وبناء عليه كان يجب أن يكون الحراك الشعبي المناهض لأي مصالحة مع نظام الأسد محط ترحيب ومبعث تفاؤل للمعارضة السورية، لأنه يدعم موقفها ويعطيها مشروعية الرفض وعدم الانصياع لما يُفرض عليها من ضغوطات، بل يمكن أن يكون الغضب الشعبي سبيلاً للمعارضة إلى مخاطبة المجتمع الدولي بصوت عالي النبرة، مؤكدةً أنها تمثل شعباً يصرّ على نيل حقوقه وعدم التفريط بها، وهي بهذا تتمكن من احراج الآخرين بالضغط عليهم للتعاطي بطريقة أكثر جدية مع القضية السورية، أو على الأقل لتجنيبها ضغط تلك القوى من أجل تقديم تنازلات.

لكن المفارقة المؤسفة في ما حدث تؤكد أنه بدل أن تبادر المعارضة السورية الى استثمار هذا الحراك الجماهيري، فقد بادرت الحكومة التركية إلى ذلك، مدركةً أهمية هذا المنجز الشعبي السوري ومدى تأثيره في تفاوضها مع منافسيها الدوليين والإقليميين، ولعل إستهداف طائرة مسيرة تركية لنقطة عسكرية للنظام في السادس عشر من الشهر الحالي في منطقة عين العرب (كوباني)، ومقتل وإصابة عدد كبير من عناصر النظام.

ورغم أنه جاء رداً على استهداف ميليشيا (قسد) لمدينة قرقميش التركية الحدودية ومقتل ضابط تركي وجرح اخرين، يأتي في سياق التصعيد التركي للتخفيف من حدة الاحتجاجات السورية على تصريحات الوزير التركي، وتلك أيضاً رسالة توجهها أنقرة الى موسكو وطهران معاً لتؤكد أن تركيا لا يمكنها تجاهل إرادة السوريين، ولا يمكنها تقرير مصيرهم وحدها كما يظن الكثيرون، بل وأبعد من ذلك، قد تتضمن هذه الرسالة التأكيد لشركاء مسار أستانا أنه إذا كان حقيقياً أن تركيا هي من تقوم باحتواء المعارضة السورية، فإنه من العسير احتواء قرار الشعب السوري.

فعندما يعود وزير الخارجية التركي ليقول "بأن النظام لا يأبه للحل السياسي"، فهذه رسالة للروس والإيرانيين بأن الأمل بما تسعون له ضعيف، والمشكلة عندكم وعند حليفكم الذي تقدمون له الحماية والدعم. وعندما يقول إن تركيا "لا يمكن أن تتخلى عن المعارضة السورية"، وأن "تصريحاتنا فُهمت خطأً"، فهذا إقرار بأن صوت السوريين ومظاهراتهم وغضبهم لها وزن وقيمة وأثر وفعالية. وهذا بالتأكيد يفيد الأتراك إذا كان فعلاً ما يقولونه مجرد تكتيك، ويجعلهم مستندين على ورقة الضغط الشعبي في مفاوضاتهم مع الروس والإيرانيين، وهي الورقة والتكتيك الذي لا يبدو أن المعارضة السورية تهتمان بهما على الإطلاق!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها