الإثنين 2022/06/06

آخر تحديث: 18:44 (بيروت)

المحنة السورية..أطرقوا على الرؤوس

الإثنين 2022/06/06
المحنة السورية..أطرقوا على الرؤوس
increase حجم الخط decrease
هذا النص عسير ومؤسف، وكنت أرجو أن لا يكتب، فهو يسترجع بعض صدى محنتنا الاستثنائية، لكن الصدى في نهاية المطاف لا ينتظر إشارتنا أو ما نريد، فهو سيرتد أكثر قوة، محدثا جلبة لا بد منها، للطرق على كل الرؤوس، لا سيما تلك التي  خطر لها أن السوري اللاجئ هو السوري الضعيف والسوري العاجز والسوري الرخيص.
لم أنسَ قضية بلادي يوما، لكن الركلة على عين ليلى محمد، أحدثت دويا في بصيرتي، أرجعتني إلى تيه السنوات الأحد عشرة الماضية. مرت بخاطري رحلة الثورة، وما حققته فينا من بعث للروح لم يعرفه جيلنا على الأقل من قبل، ثم ما شابها وأصابها، وما قام به النظام من شريط جرائم طويل وقاس ملئ بالدم والدموع والقهر والوجع، والحرب ودمار المدن وحرق البشر والحجر، ثم تلك التغريبة الكبرى لنحو 10 ملايين سوري توزعوا في أرجاء الأرض منفيين بلا زاد ولا متاع ولا راعٍ، متشابهين في الحاجة، لا فرق بين غني وفقير ومتعلم وجاهل، كلهم في المنافي سواء ، خرجوا بما عليهم هاربين من الموت إلى المجهول والغربة وأحيانا إلى موت آخر.
أول ما طرحته الركلة على وجه ليلى، هو صورة السوري اللاجئ، وسأضيف، صورة السورية اللاجئة، فهل كان ذلك المعتدي مستعد لتوجيه نفس الركلة لمواطنة من بلاده أو ربما من بلاد أخرى، بل وحتى لرجل من السوريين اللاجئين؟ بالطبع أعرف أن الأمر ليس نمطيا في تركيا، والدليل هو ما أثارته من ردود فعل مستنكرة بين الأتراك انفسهم، ليس فقط لأنه تعدى بكثيرأشكال التجاوزات التي نسمع عنها، بل لأن الأمر أيضا يخص سيدة مسنة، والأتراك يحترمون النساء ويحترمون المسنين.
المشكلة ليس في أن الحدث وقع في تركيا، وليس في أنه مجرد حدث فردي، فكل ذلك يمكن استيعابه، المشكلة هي في الضرر الجسيم الذي تسببنا به نحن لأنفسنا حينما لم نتعامل مع اعتداءات أكثر من ذلك بكثير جدا تعرض لها لاجئونا وتحديدا النساء منهم في بلدان أخرى، بلغت حدا يقارب الاسترقاق والنخاسة بشكل حرفي. لسوء الحظ، أهملنا ذلك أو عبرناه لنجد أن الأحداث تتغير، لكن الصورة تظل وتكبر وتترسخ، حتى تصبح الإساءة نمطا، والعنصرية جزءا من الثقافة الاجتماعية، تنتقل عبر المجتمعات، وكأنها قدر أو وصمة، فتتحول صورة اللاجئ من منفي إلى (متسول) ومن هارب من القمع والموت، ليعتبر ثقلا على الاقتصاد والمجتمع والثقافة، وشماعة لكل الأزمات ونتائج الفساد وسوء الحكم في بلد اللجوء، وهكذا حتى يصبح الاعتداء على كرامة اللاجئ وعرضه وشرفه أمرا اعتياديا ليس له رادع قانوني ولا اجتماعي.
أقول، أن جزءا من الخطأ يتعلق بنا، لأننا لم نتصدَّ كما يجب كسوريين ومن يناصرنا، بوضوح وقوة لهذه الأشكال من الاعتداءات والتنمر ووحشية التعامل وفوقيته، واستغلال اللاجئين وحاجاتهم، والتعرض خصوصا لشرف اللاجئات وابتزازهن بوقاحة وانعدام شرف وضمير. لقد فاتنا الكثير من الجهد اللازم أفرادا ومنظمات، فسمحنا لمن هب ودب أن ينال منا، ويعتدي علينا ويرسم لنا صورة منطبعة مشوهة، هي بالأصل تجسيد لروحه المريضة وانعدام مروءته.
المؤلم، أن يستوعب الغريب الغربي الملايين منا دون ضجيج، فيستفيد من ابداع السوري ومهاراته وذكائه وشغفه بالعمل، ويمنحه بالمقابل الأمن والكرامة والاحترام، ولا عليكم بحالات فردية من العنصرية هنا وهناك، فذاك يمارسه العنصريون ضد كل الأجانب، ومنهم المسلمون، لكن ليس هناك نمط يستهدف السوري تحديدا ولا صورة تسيء له وتمتهن كرامته، بل على العكس، فالسوري في الغرب، هو اللاجئ المضطهد في بلاده المضطر لتركها، والقادرعلى خدمة بلد اللجوء ليحصل مقابلها على غالبية حقوق مواطنيه، ومنها تولي مناصب رفيعة.
وبالمقابل كان بعض القريبين أكثر الناس شططا وإيذاءا وفجورا بنا، وبما يتجاوز بكثير صورة الركلة على وجه ليلى، فقد أثارت المحنة السورية عند كثيرين من أبناء بعض دولنا العتيدة هوس الاستباحة، وكان أول ما خطر لهم أن الدول الفاشلة تكون (لحوم) بناتها رخيصة، فعادوا إلى عنصرهم البدائي قبل الحضارة، وبتنا نسمع عن ذكور في أمتنا يتطلعون إلى اللاجئة والنازحة السورية كسلعة متاحة ومستباحة، وكان من غير هؤلاء من تعامل مع السوريات، ممن فقدن معيلهن زوجا أو أبا أو أخا في سجون النظام وقصف قواته، كرقيق للعمل شبه المجاني مقابل السلامة والإقامة.
هل نستعيد ما خطر للبعض من زاوية وحيدة للحرب في أوكرانيا تمثل باللاجئة الشقراء المستعدة (لكل شئ) مقابل السلامة؟ لكن أولئك (الشقراوات) حفظت لهن أوروبا كرامتهن، ولم يمر عليهن ما واجهته لاجئات سوريات في بلدان عربية، فأصبحن هدفا لزيجات شكلية بمهور بسيطة وحقوق مهدورة، لا سيما صغيرات السن منهن دون الثامنة عشرة، وقد سجل في مخيمات النزوح السوري في الأردن ولادة عدد كبير من الاطفال بسبب هذا النمط من الزيجات القسرية الشكلية، التي اقيمت لها مكاتب (سمسرة) خاصة. وليس المتهمون بهذا الاستغلال الفاحش لأوضاع اللاجئات من أبناء البلد بالضرورة، فهناك من دول عربية أخرى من (شد الرحال) إلى الأردن لهذا الغرض.
وفي دراسة قامت بها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة (الأسكوا) فإن اللاجئات السوريات في لبنان يتعرضن لأشكال مختلفة من الانتهاكات على أساس جنسهن، ومن بين ذلك، تعرضهن للتحرش والابتزاز الجسدي، مقابل العمل، مع حرمان من الحقوق الانسانية والقانونية والاجتماعية، مما يضطرهن الى العمل من البيوت أو عدم العمل على الإطلاق. وقبل تقرير الإسكوا، كانت منظمة العفو الدولية، قد توصلت إلى نفس النتائج حول أوضاع اللاجئات السوريات في لبنان، لكن أيّا من التقريرين لم يحدث فرقا، ولم نجد لا السلطات ولا المجتمع ومنظماته قد تنبه لحجم الجرائم الإنسانية والأخلاقية التي يتعرض لها اللاجئون السوريون والنساء منهم خاصة.
والآن، هل ستحقق الركلة على وجه ليلى ما فشلت فيه ركلات سابقة على وجوهنا جميعا؟ أخشى أن تمر من جديد، فننسى، أو نعتقد أن الصورالنمطية تتغير من تلقاء نفسها، أو أن الحقوق تسترد دون مطالب. في حقيقة الأمر، لا تسير الأمور على هذا الشكل، وسواء كان اللاجئ يعيش في الغرب أو في مخيمات لجوء ببلدان عربية، أو حتى نازحا في بلده، فوصمة السوري اللاجئ ستناله، ما لم يقم كل سوري بالانتصاف لهويته، واسترداد كرامة انتسابه الوطني، والتاكيد أنه عزيز النفس أينما حل وارتحل، والضرب على كل رأس يفكر عكس ذلك، مهما كان ومن أي جحر خرج.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها