الجمعة 2022/06/24

آخر تحديث: 17:39 (بيروت)

هل طلبت تركيا من تحرير الشام تأديب الجبهة الشامية؟

الجمعة 2022/06/24
هل طلبت تركيا من تحرير الشام تأديب الجبهة الشامية؟
increase حجم الخط decrease
لم تُقنع التحركات التركية التي أعقبت هجوم هيئة تحرير الشام على معاقل الجيش الوطني في شمال سوريا، الكثيرين ممن رأوا أن ما جرى كان بترتيب تركي يستهدف إعادة تشكيل المشهد في مناطق سيطرة الجيش الوطني، وفي مقدمة ذلك "الجبهة الشامية" التي تحمل اليوم اسم "الفيلق الثالث".
و"الجبهة الشامية" هي الوريث أو الامتداد ل"لواء التوحيد"، أحد أشهر فصائل المعارضة السورية وأقدمها، حيث شكل اللواء، منذ تأسيسه في ريف حلب عام 2012، حالة خاصة من خلال المعارك التي خاضها، وبالطبع الأسماء الرمزية التي عملت فيه أو قادته، وأبرزهم عبد القادر الصالح المعروف باسم "حجي مارع"، وكذلك بالنظر إلى القدرة الاستثنائية التي أظهرها على مقاومة مصير بقية فصائل الجيش الحر والمعارضة المسلحة التي تعرضت للتقويض الخارجي على يد تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، أو للتفكك ذاتياً بسبب الانقسامات والانشقاقات وتوقف الدعم، وغيرها من العوامل التي أتت على العشرات من قوى المعارضة العسكرية.

الجبهة الشامية
العام 2015 غيّر "لواء التوحيد" اسمه ليصبح "الجبهة الشامية". وبات اللواء يقود تجمعاً يضم قوى ريف حلب الشمالي كلها تقريباً، بالإضافة إلى جميع تشكيلات ريف حلب الغربي، كحركة نور الدين زنكي وجيش المجاهدين وحركة حزم وغيرها من التشكيلات التي انضمت للتكتل خشية تغول جبهة النصرة وقتها، لكن سرعان ما غادرتها هذه القوى لتواجه تباعاً مصيرها المحتوم على يد الجماعة السلفية التي يقودها أبو محمد الجولاني.

سلسلة النهايات
بدأت النصرة ب"حزم" ثم تبعتها بإنهاء "جيش المجاهدين" قبل أن تجهز على حركة "الزنكي" القوية عام 2018 بعد ثلاثة حروب واندماج، حيث شهد عام 2017 انضمام كل منهما لما عُرف وقتها ب"جبهة تحرير الشام" التي تفككت أيضاً وغيرت "جبهة النصرة" اسمها إلى هيئة "تحرير الشام".
لكن قبل ذلك وأهم من ذلك ربما، كان نجاح "النصرة" في تقويض حركة أحرار الشام، الفصيل الذي ظل يعتبر المنافس الأقوى لها بل وأكبر تشكيلات المعارضة العسكرية وأكثرها قوة وتنظيماً، وذلك بعد خمسة أشهر فقط من الإعلان عن انطلاق مسار أستانة ورفض الحركة المشاركة في هذا المسار.
اللافت هنا أن القاسم المشترك بين جيش المجاهدين وبين حركة تحرير الشام عندما قررت جبهة النصرة شن الحرب عليهما، هو رفض كل منهما المشاركة في هذا المسار، مقابل مشاركتهما السابقة في مؤتمر الرياض-1 عام 2015، الأمر الذي جعل طيفاً من السوريين يعتقد وبقوة أن ما تعرض له هذان الفصيلان، ومن بعدهما حركة "الزنكي" كان بأوامر تركية، أو على الأقل بإيعاز من أنقرة التي اتهمها هذا الطيف من قبل بتنسيق القضاء على حركة حزم وجبهة ثوار سوريا على يد الجبهة نفسها، بسبب الدعم الذي حصل عليه الفصيلان من منافستها اللدودة في ذلك الحين السعودية.

تغييرات وآثار
مرت الأيام ولم يبقَ أمام هيئة تحرير الشام أي منافس حقيقي في شمال وشمال غرب سوريا بين فصائل المعارضة سوى الجبهة الشامية التي شهدت تغييراً داخلياً كبيراً منذ عام 2019 عندما تسلم قيادتها أبو أحمد نور كواجهة لمجلس قيادة  قوي يديرها بشكل فعلي. ورغم أن الجبهة كانت تتوقع باستمرار أن تكون هدف الجولاني القادم، إلا أنها تعاملت بمنتهى الحرص مع كل الملفات التي يمكن أن تودي بها، كما حصل مع التشكيلات التي أقصيت عن المشهد على يد النصرة بمسمياتها المختلفة.

لعبة التوازنات الخطيرة
رفضت الجبهة الشامية المشاركة في مسار أستانة، لكنها لم تشارك في مؤتمر الرياض. وتعاونت مع تركيا في جميع المعارك التي خاضتها في شمال وشمال شرق سوريا ضد تنظيم "داعش" وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، لكنها لم ترسل عناصر من صفوفها للقتال في ليبيا وأذربيجان كمرتزقة.
تعاونت مع المجالس المحلية والمؤسسات الخدمية والإدارية والسياسية والعسكرية التي أنتجها النفوذ التركي في الشمال، لكنها سعت إلى إطلاق مؤسسات أخرى أو تعزيز استقلالية تلك الموجودة في مناطق نفوذها.
وبالإضافة إلى ما سبق كان هناك ملفات أخرى بدا أن الجبهة تعمل من خلالها على تحقيق توازن في العلاقة مع تركيا يميزها عن بقية فصائل الجيش الوطني التي لا تخفي تبعية كاملة وشاملة لأنقرة.
لذلك رأى المؤيدون للشامية، وكثيرون من كوادرها في تفاعلهم وتعليقهم على الهجوم الذي شنته هيئة تحرير الشام ضد معاقل الجيش الوطني في ريف حلب الشمالي، وعدم تصدى الفصائل الأخرى المتمركزة في المنطقة لهذه القوات "مؤشراً واضحاً على توجه تركي لانهاء الجبهة الشامية، أو على الأقل تأديبها أو إضعافها".
ويورد هؤلاء العديد من الأسباب المباشرة التي يقولون إنها جعلت أنقرة تدفع بهذا الاتجاه، وفي مقدمتها حدثان وقعا مؤخراً قي ريف حلب الشمالي: الأول إشكال كبير بين قيادة الجبهة وبين قائد حركة ثائرون وفرقة السلطان مراد (فهيم عيسى)، رجل تركيا الأول في الشمال. والحدث الثاني هو اتهام مسؤولي الملف السوري في أنقرة للجبهة الشامية بالوقوف خلف الاحتجاجات الشعبية ضد كوادر "حركة ثائرون" وكذلك شركة الكهرباء، والتي اندلعت مؤخراً في مدينتي الباب وعفرين.

دلالات التوقيت والتاريخ
وحول التوقيت، يرى هؤلاء أن معظم الحروب التي شنتها هيئة تحرير الشام في السابق ضد الفصائل التي أجهزت عليها، شنتها بالتزامن مع انعقاد جولات أستانة "من أجل تيسير تطبيق مخرجاته"، حسب هؤلاء الذين يعتقدون أيضاً أنه "من غير المستبعد أن يكون هناك تفاهمات جديدة بين تركيا وشريكتها الرئيسية في رعاية هذا المسار، روسيا، ويتطلب إخراج الجبهة الشامية من المشهد".
وهو أمر يرى فيه الباحث في النزاعات فراس فحام مبالغات تصل إلى درجة التوهم، مؤكداً أن تركيا هي من تدخلت وبحزم لوقف اجتياح هيئة تحرير الشام لمناطق سيطرة الجيش الوطني شمال حلب، لأن وجود الهيئة في هذه المناطق يمثل إضراراً بالمصالح التركية بالدرجة الأولى، ويمنح خصومها نقاطاً مجانية على حسابها.
ويقول في حديث ل"المدن": "أعتقد أن سبب هذه الافكار هو القناعات الناجمة عن انطباعات لا تعتمد على معلومات عن الأحداث، أذ أن من يدقق في الواقع يجد أن جميع فصائل المعارضة السورية، إضافة إلى هيئة تحرير الشام نفسها، ليس لديها أي خطوات خارج التفاهمات الدولية حول شمال غرب سورية". وأضاف "لا أعتقد أن خلاف وجهات النظر بين فصائل الجيش الوطني السوري والمسؤولين الأتراك أحياناً حول آليات الحوكمة في المنطقة، يدفع إلى استخدام حل عسكري ضد فصيل ما.. أعتقد أن  هذا كلام فيه مبالغات كبيرة".
ويتابع: "أضف لذلك أن دخول هيئة تحرير الشام إلى عفرين وإن كان بشكل مؤقت، يعني بالضرورة حرجاً سياسياً كبيراً للجانب التركي، إذ أن الهيئة فصيل مصنف على قوائم الإرهاب لدى مختلف الجهات الدولية، بما فيها تركيا ذاتها، ومن غير المتوقع أن تمنح أنقرة فرصة ذهبية لتنظيم قسد من أجل تسجيل نقاط عليها في الملف السوري".

نظرية المؤامرة
وكان صالح الحموي، أحد مؤسسي جبهة النصرة في سوريا، قبل أن ينشق عنها عام 2016، قد استبعد وبشكل قاطع الاتهامات الموجهة لتركيا بالتنسيق مع هيئة تحرير الشام من أجل ضرب الجبهة الشامية، معتبراً أن هذا التصور هو نتيجة حرب إعلامية نفسية تركز عليها الهيئة.
واعتبر الحموي في سلسلة تغريدات، أن "الاطلاع عن كثب على تفاصيل الساعات الثماني والأربعين التي شهدت الاقتتال في شمال وشمال شرق حلب بين فصائل المعارضة، يجعل الصورة واضحة بعيداً عن أي تشويش أو وقوع في فخ نظرية المؤامرة الناتجة بالدرجة الأولى عن حرب إعلامية يبدو أن هيئة تحرير الشام تنجح فيها حتى الآن، وخاصة لجهة الإيحاء بأن ما تقوم به ضد الفصائل الأخرى يتم بطلب تركي، ما يؤثر على معنويات مقاتلي هذه الفصائل، كما حدث سابقاً مع جنود حركة أحرار الشام، وهو ما أرادت الهيئة استنساخه في الحلقة الأخيرة من بغيها"، حسب وصفه.
هذا الرأي يتبناه الكثيرون أيضاً ممن يحملون المسؤولية عن تضعضع الفصائل أمام الهيئة لقيادات هذه الفصائل نفسها، ويقولون إن الشامية تكرر أخطاء من سبقها من خلال ممارسة التسلط والإقصاء والصمت على مظاهر الفساد التي تنتشر في مناطق نفوذها، إضافة إلى تهميش الكثير من القادة داخلها وعدم الاهتمام بمعالجة مشكلة الانتماء التي باتت منتشرة في صفوف مقاتليها، بسبب شعور كثيرين منهم بعدم الانصاف أو الهوة التي تفصلهم عن القيادة، ما يسهل ضرب الفصيل والاجهاز عليه، إلا أن مؤيدي الشامية يصرون على أنه مهما كانت المشاكل الداخلية التي تعاني منها الجبهة فإنه لا يمكن لهيئة تحرير الشام أن تجرؤ على مهاجمتها من دون رضا أو ضوء أخضر تركي بهدف تأديبها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها