الأربعاء 2022/06/22

آخر تحديث: 13:38 (بيروت)

العملية العسكرية التركية "طارت"..بين حسابات أردوغان وضغوط روسيا

الأربعاء 2022/06/22
العملية العسكرية التركية "طارت"..بين حسابات أردوغان وضغوط روسيا
increase حجم الخط decrease
مع تصاعد حدة الخلافات بين فصائل المعارضة في شمال غرب سوريا، تلاشى الحديث عن العملية العسكرية التي يهدد المسؤولون الأتراك يشنها ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بينما تؤكد مصادر إعلامية تركية أن العملية لا تزال قائمة.
وكانت اشتباكات قد اندلعت السبت بين الفيلق الثالث، وهو أكبر تشكيلات الجيش الوطني المعارض، وتقوده الجبهة الشامية، وبين الفرقة-32، التي تتبع للفيلق رسمياً لكنها جزء من حركة أحرار الشام، ويقودها الفريق المؤيد لهيئة تحرير الشام في الحركة، الأمر الذي جعل الهيئة ترسل قوات اقتحمت منطقة "غصن الزيتون" بريف حلب الشمالي، قبل أن تتوقف الاشتباكات لكن مع استمرار الحشود والتوتر.
وبينما رأى الكثيرون أن الاقتتال الداخلي بين فصائل الجيش الوطني وتدخل الهيئة قد أثر على مخطط العملية التركية المنتظرة ضد "قسد"، تؤكد مصادر معارضة ل"المدن"، أن هذه العملية التي توقف الجانب التركي عن التهديد بتنفيذها رسمياً منذ انعقاد الجولة ال18 لاجتماع أستانة، على الرغم من ابقاء الحديث حولها قائماً في بعض وسائل الاعلام المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.
وحسب هذه الصادر فإن الجانب التركي أبلغ فصائل المعارضة السورية، بعد اللقاء الذي ضم مسؤولين من روسيا وإيران بالإضافة إلى ممثلين عن الحكومة التركية، بتأجيل العملية إلى أجل غير مسمى، مرجحة أن يكون ذلك نتيجة تفاهمات جديدة تم التوصل إليها بين الدول الضامنة الثلاث لمسار أستانة، وليس بسبب عدم التوصل لاتفاق بين موسكو وأنقرة كما يُعتقد.
وحول حديث بعض وسائل الإعلام التركية خلال الأيام الأخيرة التي تلت الاجتماع عن تواصل الاستعدادات من أجل العملية، أكدت المصادر ل"المدن"، أنه ليس هناك على الأرض أي استعدادات من قبل الجيش الوطني على الأقل، بل إن فصائل المعارضة غارقة في صراعاتها الداخلية التي لم يكن لتتفجر على هذا النحو لولا تأجيل العملية إلى أجل غير مسمى.

تراجع التصعيد لا يلغي التهديد
وكان تلفزيون "تي جي إر" التركي قد أكد الاثنين، أن الاستعدادات العسكرية للعملية ما زالت مستمرة وأنها شارفت على الاكتمال، بينما قالت صحيفة "حرييت" إن هذه العملية ستنطلق بعد عيد الأضحى.
لكن الكاتب والمحلل السوري حسن النيفي يرجح أن حسابات الحكومة التركية عندما أطلقت تهديداتها بشن هجوم جديد ضد "قسد" لا يبدو أنها تطابقت مع الوقائع التي فرضها الموقفان الروسي والأميركي، لكنه مع ذلك يعتبر أن احتمالات تنفيذها تبقى قائمة لاحقاً.
ويقول ل"المدن": "على الرغم من النبرة العالية  التي اتسم بها الحديث التركي عن العملية العسكرية التي حدد معالمها أردوغان صوب تل رفعت ومنبج بريف حلب الشمالي والشرقي، إلا أن الوقائع على الأرض لا تواكب التصعيد الإعلامي"، مشيراً إلى أن "ما دفع أنقرة للتصعيد هو اعتقادها بأنها باتت تملك من أوراق القوة ما لم تكن تملكه من قبل، وذلك وفقاً للتداعيات التي أفرزتها الحرب الروسية على أوكرانيا، وأنها تستطيع من خلال هذه الأوراق الجديدة أن تنفذ العملية العسكرية وتحقق أهدافها دون أن تقدم تنازلات، ولكن يبدو أن بوتين يصر على مبدأ المقايضات ( تل رفعت مقابل جبل الزاوية كاملاً) وهذا ربما لا تريده أنقرة".
ويتابع النيفي أن "الولايات المتحدة تعتبر منبج البوابة الاقتصادية لشرق الفرات، فضلاً عن أن أكبر قاعدة أميركية عسكرية موجودة في ناحية سد تشرين (15 كيلومتراً) جنوب منبج"، وقال: "لا أعتقد أنها ستقدمها هدية لأنقرة من دون أن تضمن ابتعاداً تركياً كاملاً عن روسيا، وهذا لم يتحقق حتى الآن".
ويضيف "على أية حال فإن انخفاض مستوى التصعيد لا يلغي إمكانية تنفيذ العملية، وهذا ما يجعلني أعتقد أن تركيا ربما تسعى لتحقيق مبتغاها من خلال التفاهمات مع واشنطن وموسكو، ومن غير المستبعد اللجوء إلى عمل عسكري تراه ضرورياً، على الأقل في ما يخص الداخل التركي الذي يشكل ضغطاً على الحزب الحاكم، بل تحدياً حقيقياً للاستعداد لانتخابات حزيران/يونيو 2023".

استمرار المفاوضات والاستعدادات
ومنذ إطلاق المسؤولين الأتراك تهديداتهم بتنفيذ عملية عسكرية جديد في شمال وشمال شرق سوريا، عبّرت الولايات المتحدة عن معارضتها الشديدة للخطوة، بينما ظل الموقف الروسي غامضاً.
ورغم إعلان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف خلال زيارته الأخيرة إلى أنقرة، أن بلاده "تتفهم المخاوف التركية من وجود تنظيمات إرهابية على حدودها الجنوبية" إلا أن القوات الروسية الموجودة في سوريا أرسلت تعزيزات إلى مناطق انتشارها في القامشلي وريف الرقة ومحيط منبج، بينما عززت قوات النظام والميليشيات الإيرانية من وجودها في محيط تل رفعت بريف حلب الشمالي، الأمر الذي اعتُبر مؤشراً على عدم التوصل لاتفاق يسمح بتنفيذ العملية التركية، أو ضوءاً أخضر أمامها، كما جرت العادة مع العمليات الثلاث السابقة.
لكن المحلل السياسي التركي جواد غوك يؤكد أن الاستعدادات العسكرية التركية ما زالت مستمرة، جنباً إلى جنب مع تواصل المفاوضات حولها وخاصة مع الروس، الذين يعتقد رغم ذلك أنهم أقرب إلى "قسد" هذه المرة من قبل.
ويضيف ل"المدن"، أن "هناك تحركات عسكرية للجيش التركي في المناطق الحدودية مع سوريا، وهذا دليل على أن أنقرة لم تلغِ فكرة شن هجوم جديد حتى وإن كان محدوداً، لكن الأمر كما هو واضح يحتاج لمزيد من التفاوض، وخاصة مع روسيا"، لافتاً إلى أن "روسيا عززت من الناحية العملية، مع قوات النظام، من مساندتها لقسد، والحكومة التركية لا تريد أن ترى جنائز لجنود من الجيش التركي في حال انطلقت العملية، في وقت بلغ فيه الاستقطاب السياسي الداخلي ذروته بينها وبين أحزاب المعارضة تحضيراً للانتخابات القادمة".
ويضيف أن "الحرب الروسية الأوكرانية عززت من موقف تركيا، والرئيس أردوغان سيستفيد أيضاً من علاقاته الشخصية بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن ما تجب الإشارة إليه أن المناطق التي تستهدفها التهديدات التركية الأخيرة لا تعتبر مهمة جداً بالنسبة لأنقرة لأنها لا تشكل خطراً مباشراً على الأراضي التركية، بل على القوات التركية الموجودة في سوريا، وتحديداً في ما يتعلق بتل رفعت التي تنطلق منها الهجمات على هذه القوات، وبالنتيجة فإن عامل التوقيت ليس أولوية ملحة الآن".
يشعر الكثيرون من السوريين المعارضين بخيبة أمل كبيرة بسبب ما يرونه  تراجعاً تركياً عن الوعود باستعادة السيطرة على الأقل على منطقة تل رفعت للمرة الثالثة على التوالي، بينما تشير المعطيات إلى أن تعقد الحسابات أمام انقرة، وخاصة مع عدم وجود ضوء أخضر من الغرب ومن روسيا لتنفيذ عملية عسكرية جديدة ضد "قسد"، فرض تعاطياً مختلفاً على الجميع، وترك اللجوء لخيار العمل العسكري مؤجلاً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها