الأحد 2022/05/29

آخر تحديث: 12:05 (بيروت)

حرب الناقلات الاميركية الايرانية..عود على بدء

الأحد 2022/05/29
حرب الناقلات الاميركية الايرانية..عود على بدء
© Getty
increase حجم الخط decrease
الخطوة التي قامت بها ايران بتوقيف ناقلتي نفط يونانيتين، احدهما تحمل شحنة نفط باتجاه الولايات المتحدة الاميركية، قد يكون مفهوما في اطار الرد على الاجراء الذي قامت به اثينا قبل ايام بتوقيف ناقلة ايرانية وافراغ حمولتها في ناقلة اخرى اميركية. وما ارادته طهران، هو ايصال رسالة الى اثينا بعدم التورط بان تكون جزءا من السياسة الاميركية ضدها، خاصة وانها تسامحت مع 18 ناقلة اخرى ترفع العلم او مملوكة لليونان. 
استعراض القوة الذي قامت به طهران، ينسجم مع اجراءات مماثلة حصلت في السنوات الاخيرة، في ذروة الصراع مع الادارة الاميركية في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب الذي اعاد تفعيل العقوبات الاقتصادية بعد انسحابه من الاتفاق النووي، وتزامنها مع ارتفاع حدة التوتر بينها وبين تل ابيب، الذي كاد يؤدي الى اشعال حرب مفتوحة للناقلات والسفن تذكر بالسنوات الاخيرة للحرب العراقية الايرانية. 
لا شك ان طهران، ومع التغيير الذي حصل في الادارة الاميركية ووصول الرئيس جو بايدن الى البيت الابيض، لمست نوايا مختلفة من واشنطن، تنسجم مع الشعار الذي رفعه بايدن في حملته الانتخابية وضرورة العودة الى الاتفاق النووي والحوار مع ايران. وترافق مع غض واشنطن النظر عن الانشطة التجارية الايرانية، خصوصا في ما يتعلق ببيع النفط، بما سمح لطهران الابتعاد عن دائرة الخطر التي رسمها ترمب بالسعي لتجفيف عائداتها من بيع النفط، من خلال تصفير حصتها في الاسواق العالمية، سواء العلنية او التي تقوم بتهريبها او بيعها بطرق ملتوية والتفافية على العقوبات. 
وقد ارتفع مستوى "التسامح" الاميركي مع طهران، اذ سمح للاخيرة في الاشهر الماضية الاعلان رسميا انها تقترب من مستوى استعادة حصتها الرسمية في اوبك من اسواق النفط الدولية، وانها تستعد لتوقيع عقود استثمارية كبيرة بمليارات الدولارات مع شركات دولية لتجديد القطاع النفطي والاستكشاف والاستخراج، خاصة وان غض النظر الاميركي بات اكثر وضوحا مع دول واشنطن واوروبا في تحدي مواجهة التداعيات السلبية على قطاع الطاقة تحديدا نتيجة الحرب الروسية على اوكرانيا، وسياسة الحصار الاقتصادي الذي فرضته على موسكو، وحاجتها للحصول على مصادر بديلة عن مصادر الطاقة الروسية التي باتت تشكل تهديدا لاستقرار الاقتصاد العالمي وليس فقط اوروبا. 
تعامل بايدن المختلف عما لجأ اليه الرئيس السابق ترمب، الذي ارتفعت ايجابيته مع استنئناف السداسية الدولية جولات التفاوض في فيينا من اجل اعادة احياء الاتفاق النووي، شكل ما يمكن اعتباره نوعا من حسن النوايا الامريكية او الادارة الجديدة للتوصل الى حلول جدية لأزمة الاتفاق النووي وفتح الطريق امام تعامل بناء مع ايران يؤدي او ينتهي الى تفاهمات تؤسس لالغاء جميع العقوبات المفروضة عليها. 
هذه السياسة ولّدت فهمين لدى السلطة او القوى الحاكمة والمسيطرة على القرار في النظام الايراني. واحد يرى في التراخي الاميركي، خاصة بعد الحرب الاوكرانية والتورط الروسي في هذا المستنقع، فرصة لفرض مزيد  من الشروط، والحصول على تنازلات اكبر من واشنطن التي تحتاج الى النفط والغاز الايراني للمساعدة في كبح جماح الازمة الاقتصادية الناتجة عن ارتفاع اسعاره. وهو فهم يرى ان النظام والحكومة لم يعد بحاجة الى الغاء العقوبات الاميركية، بعد ان بات قادرا على الالتفاف على العقوبات والعودة الى الاسواق العالمية وبيع كميات كبيرة من النفط والحصول على عائداتها مباشرة او عبر المقايضة بما يحتاجه السوق الداخلي من بضائع واساسيات. وقد وصل مستوى الثقة لدى هذا الفريق الذي يحمل هذا الفهم، انه بات يرى عدم الحاجة او الضرورة للبقاء داخل الاتفاق او السعي لاعادة احيائه، ولا ضرورة لاستمرار التفاوض.
اما الفهم الثاني، فيرى ضرورة قراءة الرسائل الاميركية الواضحة والمباشرة، التي كشف عنها بوضوح القرار الحاسم للرئيس الاميركي، الذي اقفل باب الجدل والوساطات، حول الشرط الذي وضعته طهران بعد الانتهاء من الجولة الثامنة في فيينا، على طاولة التفاوض، والمتعلق بتمسكها بالغاء العقوبات على حرس الثورة وقوة القدس –الذراع الاقليمية للنظام- ورفع اسمه عن لائحة المنظمات الارهابية والداعمة للارهاب.
ويرى اصحاب هذا الفهم، ان طهران التي كانت على مقربة من الانتهاء من ازمة احياء اتفاق 2015 والخروج من العقوبات، وقعت في الفخ الروسي الذي دفع النظام لوضع شروط من خارج اتفاق 2015، بهدف عرقلة عملية عودة ايران لممارسة دورها الاقتصادي وتعويض خسائرها في قطاعي النفط والغاز. هذه الشروط التي اسهمت في تعطيل التفاوض لاكثر من 3 اشهر حتى الان، جاءت خدمة لموسكو التي عطلت عودة ايران الى الاسواق الطاقة، وسمحت لها بتعميق الازمة الاوروبية والعالمية وعلمية البحث عن بدائل لمصادر النفط والغاز.
الاستدارة الايرانية، وما تضمنته من استجابة لمبادرة مساعد مفوض السياسات الخارجية في الاتحاد الاوروبي انريكه مورا، وكذلك لمساعي امير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في تدوير الزوايا في الموقفين الاميركي والايراني، والتي انتهت بقبول طهران التخلي عن شرطها المرتبط بالعقوبات على حرس الثورة وتأجيله الى مرحلة لاحقة، قد تكون متأخرة، بعد ان ذهب بايدن الى حسم الموقف بابقاء الحرس على لائحة العقوبات وعدم وجود اي امكانية لبحث هذا الملف من خارج الاتفاق النووي. 
عملية "قرصنة" ناقلة النفط الايرانية في اليونان، تدخل في سياق الرسائل الاميركية، بامكانية تخلي واشنطن عن سياسة "التغاضي" التي مارستها في المرحلة الماضية، وعودتها في المرحلة المقبلة الى سياسة "تصفير" انتاج وبيع النفط الايراني من جديد، ما يعني تهديدا مباشرا للاستقرار الداخلي الايراني الذي يعيش حالة من التوتر نتيجة الازمة الاقتصادية التي يعاني منها والتي تقترب من حافة الانهيار. وهو ما يجعل من العودة الى استخدام ورقة الحصول على ضمانات تتعلق بالعقوبات الاقتصادية واعادة دمج ايران بنظام التحويل المالي الدولي "سويفت" التي تمسك بها وزير الخارجية حسين امير عبداللهيان من ملتقى دافوس، مسألة بحاجة الى دورة جديدة من التفاوض الصعب وغير المضمون، خاصة وان واشنطن لا تبدو انها راغبة في اعطاء فرص جديدة لم تحسن طهران استخدامها، ولم تقدر الاولويات الملحة نتيجة صراعاتها الداخلية ومراعاتها لمصالح حلفائها على حساب مصالحها المباشرة. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها