الأحد 2022/04/24

آخر تحديث: 14:05 (بيروت)

الاتفاق النووي الايراني.. عودٌ على بدء

الأحد 2022/04/24
الاتفاق النووي الايراني.. عودٌ على بدء
increase حجم الخط decrease
غياب الثقة بين واشنطن وطهران يمكن اعتباره السبب الاساس في حالة الانسداد التي وصلت اليها مفاوضات فيينا لاعادة احياء الاتفاق النووي، ومن المحتمل ان تطيح به. فلو استطاع الطرفان بناء او اعادة ترميم هذه الثقة المفقودة بينهما، لكانت الامور قد وصلت الى خواتيمها منذ الاسبوع الاول لعودة المفاوضات قبل نحو سنة من الآن. 

لا الوعود الايرانية والفتوى الدينية للمرشد الاعلى بحرمة امتلاك او تصنيع الاسلحة النووية، استطاعت توليد ثقة لدى المجتمع الدولي، أصدقاء وخصوماً، بالنوايا الايرانية المعلنة، خصوصاً في ظل ما يقوم به النظام من استخدام لورقة تخصيب اليورانيوم ورفع مستوياته الى حدود الاستخدام غير المدني. فضلاً عن رفضه طرح أي مسألة خارج البرنامج النووي وتتعلق بطموحاته الخارجية وتطوير برنامجه الصاروخي على طاولة البحث او الاقتراب من هذين الملفين. 

ولا مواقف الادارة الاميركية التي اعلنت نيتها العودة الى التفعيل الاتفاق الموقع عام 2015، استطاعت طمأنة النظام الايراني بجديتها، وعدم امكانية العودة الى سياسة العقوبات والحصار مع تغيير الادارة، خصوصاً وان تجربة الرئيس السابق دونالد ترامب بالانسحاب منه لا تزال شاهداً وتشكل العقدة الاساس في المفاوضات، وهي التي دفعت طهران للتمسك بمطلب الحصول على ضمانات قانونية اميركية بعدم تكرارها او العودة الى سياسة الحصار والعقوبات، بالاضافة الى تشدد واشنطن مع مطلب رفع مؤسسة حرس الثورة التي تعتبر جزءاً من المنظومة العسكرية الوطنية الايرانية، عن لائحة المنظمات الارهابية والداعمة للارهاب. 

الوقوف على طرفي الثقة المفقودة، هو ما يوّلد أو يسهم في خلق حالة من التأرجح بين التفاؤل واليأس، من اقتراب الحل ومن فشل التفاوض. فاذا توقّف المتابع امام حجم التأكيدات الإيرانية والأميركية عن اقتراب التوصل الى الاتفاق وان المسودة النهائية له باتت شبه ناجزة، وهي بانتظار عودة الاطراف للجلوس الى طاولة التفاوض للتوقيع عليها، وان التأخير بالانتقال للخطوة الحاسمة يرتبط ببعض المسائل العالقة التي لا تتعدى ما نسبته 2 في المئة، التي تحتاج الى قرار سياسي من الطرفين الايراني والاميركي للانتهاء منها. 

هذه النقاط العالقة، حول الضمانات وعقوبات الحرس، هي التي ترفع مستويات اليأس وتجعل التوصل الى اتفاق أمراً بعيد المنال، لما لهاتين المسألتين من اهمية استراتيجية، قد تعادل في اهميتها انشطة التخصيب، لجهة ما تواجهه ادارة البيت الابيض من صعوبة في تمرير هذا الاتفاق في الكونغرس، فضلاً عن أن أي إجراء يخفف العقوبات عن حرس الثورة يعني دخول هذه الادارة في ازمة مع حلفائها الاقليميين الذي يرون في هذه المؤسسة مصدر تهديد لاستقرارهم وامنهم، واطلاقا ليد الذراع الاقليمية للنظام الايراني لمتابعة الانشطة التي قامت وتقوم بها في الاقليم. 

في حين ان النظرة الايرانية لهذه المطالب باتت تشكل مسألة اعتبارية وحيثية للنظام ومؤسسات السلطة، جعلت عملية التفكير بأي تنازل صعبة وبمثابة الهزيمة المعنوية والاستراتيجية لكل المشروع الداخلي والاقليمي للنظام. فالتنازل يعني في رؤية النظام، فتح الباب امام تنازلات اخرى صعبة، خصوصاً في ما يتعلق بالمعادلة الداخلية، لما ستسهم فيه من كسر حالة الرهبة التي استطاعت فرضها على القوى الداخلية السياسية والشعبية وتكسر قوة الردع للنظام ومؤسساته الامنية والسياسية. 

اما على الصعيد الاقليمي، فيعني رضوخاً ايرانياً لما سبق ان رفضته بعدم الدمج او التداخل بين اعادة احياء الاتفاق ورفع العقوبات ودخول اي طرف جديد على السداسية الدولية التي تتفاوض معها. 

وفي ظل هذه الاجواء، يبدو ان الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي استطاع ان ينأى بنفسه عن تحمل اي مسؤولية في القرار المتعلق بالمفاوضات، وجل ما يشغله ان تقوم وزارة الخارجية في حكومته بالتنسيق مع المجلس الاعلى للامن القومي الذي يتولى مسؤولية الاشراف على المفاوضات، بمتابعة جهودها لالغاء العقوبات، لما لها من تأثير مباشر على الوضع الداخلي الاقتصادي المعيشي المتأزم والذي يضع برنامجه الرئاسي في دائرة الخطر والفشل. وهو رهان لا يلتقي مع ما يعلنه ويؤكده في اللقاءات الحكومية او الشعبية، من السعي لافشال العقوبات من دون انتظار نتائج التفاوض في فيينا، وان تتضافر جهود جميع المؤسسات لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة وتوسيع التجارة، بحيث يتحول الاتفاق في حال التوقيع عليه الى عامل يرفد هذه التنمية. 

واذا ما كان كلام "رئيسي" يؤكد ان السياسة العامة للنظام لا تزال متمسكة بمبدأ التفاوض واعادة احياء الاتفاق والخروج من العقوبات، لكن مع التمسك بالحفاظ على الكرامة الايرانية واتفاق قوي وثابت وصلب حسب تعبير وزير الخارجية حسين امير عبد اللهيان، فإن البرلمان الذي يسيطر عليه المتشددون ويلتقي مع الجماعات المعارضة للاتفاق، يقف بالمرصاد لاي خطوة لا تنسجم مع السقوف العالية والمرتفعة التي وضعها اواخر عهد الرئيس السابق حسن روحاني وباتت تشكل حجرة عثرة امام المفاوض الايراني وتكبل يديه، في حال لم يحصل على غطاء مباشر وعلني وصريح من المرشد الاعلى الذي يملك وحده حق وصلاحية تعطيل القوانين والاجراءات البرلمانية. 

التشدد البرلماني الايراني، قابله تشدد مقابل من نظيره الاميركي، حتى باتت مسألة الرسائل الموقعة من نواب المجلسين لرؤساء الجهمهورية حول موضوع المفاوضات والاتفاق، وما فيها من تحذيرات وتبعات جراء اي اتفاق لا ينسجم مع المصالح القومية والاستراتيجية لكلا البلدين، باتت مسيطرة على المشهد السياسي والتفاوضي، وقد تشكل العقدة الاساس التي تعرقل عملية التفاوض وامكانية التنازلات المتبادلة، وتهدد بانهاء كل الجهود التي بذلت على مدى الاشهر الماضية من اجل ايجاد الصيغة المناسبة للخروج من عنق ازمة المراوحة المسيطرة. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها