الإثنين 2022/04/18

آخر تحديث: 14:29 (بيروت)

نقل السلطة في اليمن:من خارج قواعد المرحلة الانتقالية

نقل السلطة في اليمن:من خارج قواعد المرحلة الانتقالية
© Getty
increase حجم الخط decrease

انتهت جولة المشاورات اليمنية-اليمنية التي عُقدت في الرياض برعاية الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في الفترة 30 آذار/ مارس - 7 نيسان/ أبريل 2022 بإعلان الرئيس عبد ربه منصور هادي تشكيل مجلس رئاسي ونقل صلاحياته وصلاحيات نائبه علي محسن الأحمر إليه. وقد تفاوتت التقديرات حول ملابسات هذه الخطوة ودلالاتها، والتي جاءت متزامنة مع هدنة مدتها شهران أعلنت عنها الأمم المتحدة في اليمن، وكذلك مع حلول الذكرى السابعة لانطلاق الحرب التي باتت تستنزف قدرات الجميع من دون أن يتمكن أيّ طرف من حسمها لمصلحته. 
أولًا: سياقات إعلان المجلس الرئاسي
سبق إعلان تشكيل المجلس الرئاسي ونقل سلطات الرئيس إليه تصعيدٌ كبير في جبهات القتال أعقب عملية "إعادة تموضع" قامت بها القوات المدعومة إماراتيًا في الساحل الغربي لليمن، برئاسة العميد طارق صالح، التي نفّذت انسحابات مفاجئة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 مكّنت جماعة الحوثي من إعادة السيطرة على مديريات محافظة الحديدة، مع تمكّن الحوثيين من تحقيق اختراقات مهمة أيضًا في محافظتَي شبوة ومأرب نتيجة الحملة التي أطلقوها منذ شباط/ فبراير 2021. وقد شنّت قوات العمالقة مدعومة بطيران التحالف السعودي - الإماراتي هجومًا مضادًا استطاعت خلاله استعادة مديريات محافظة شبوة، التي كانت قد سقطت بيد الحوثيين، قبل أن تتوقف تلك القوات في جنوب محافظة مأرب؛ ما أسهم في إفشال محاولة جماعة الحوثي السيطرة على مدينة مأرب ومواردها النفطية، وهي الخطوة التي كان يمكن أن تمثل ضربة كبيرة لحكومة الرئيس هادي.
خسر الحوثيون في معارك شبوة ومأرب التي احتدمت في كانون الثاني/ يناير 2022 كل المكاسب التي كانوا حققوها على امتداد عام 2021. وأصبح واضحًا للطرفين استحالة تحقيق نصر حاسم على الأرض. وقد استغلت الأمم المتحدة رغبة الطرفين في وقف القتال في ظل الإنهاك الذي أصابهما من أجل التوصّل إلى هدنة بالتزامن مع دخول شهر رمضان. وجاء في نص مبادرة الأمم المتحدة ما يلي: "إدراكًا للاستعجال اللازم لخفض تصعيد العنف ولمعالجة الاحتياجات الإنسانية والاقتصادية، سوف تنفِّذ الأطراف هدنة مدتها شهران تبدأ في 2 أبريل 2022 وتنتهي في 2 يونيو 2022 قابلة للتمديد، بهدف توفير بيئة مواتية للتوصل إلى تسوية سلمية". وتضمنت الهدنة وقف جميع العمليات العسكرية الهجومية البرية والجوية والبحرية داخل اليمن وخارجه. وقد وفرت المناخ المناسب لعقد جولة مشاورات يمنية في الرياض، انتهت بإعلان الرئيس عبد ربه منصور هادي نقل صلاحياته إلى مجلس رئاسة يتكون من ثمانية أعضاء بقيادة رشاد العليمي، بعد أن أعفى نائبه من منصبه. ولكن عبد ربه نفسه لم يستقل من منصبه بعد نقل الصلاحيات.
ثانيًا: تشكيل المجلس الرئاسي
اتخذ قرار نقل السلطة إلى مجلس رئاسي مسارين متوازيَين، أولهما عبر مفاوضات مسقط التي نتج منها مبادرة الأمم المتحدة حول الهدنة، وثانيهما مشاورات الرياض بين القوى السياسية اليمنية التي دعا إليها مجلس التعاون، ورفض الحوثيون حضورها. ورغم أنها ليست المرة الأولى التي تتشكل فيها قيادة جماعية في اليمن، فقد طُرحت تساؤلات حول دستورية هذه الخطوة، وظهرت تخوفات من أن تؤدي إلى الانتقاص من الشرعية التي كانت تمثّلها حكومة الرئيس هادي، باعتبارها السلطة المعترف بها دوليًا ليمَنٍ موحّد، خصوصًا في ظل وجود بعض الشخصيات الداعية علنًا إلى انفصال الجنوب في مجلس الرئاسة الجديد، وقد أعلن، عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، موقفه هذا غداة ضمّه إلى مجلس الرئاسة. 
من الناحية القانونية، استند قرار نقل السلطة في صدوره إلى الصلاحيات الممنوحة للرئيس بموجب الدستور، وإلى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومنها صلاحية اتخاذ كافة التشريعات اللازمة لتنفيذ الضمانات الواردة فيها. ويقول أنصار تشكيل المجلس الرئاسي إن الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية تنص على أن الطرفين الموقّعين يعتبران أن الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح قد فوّض نائب الرئيس تفويضًا لا رجعة فيه الصلاحيات الرئاسية اللازمة للتفاوض بشأن هذه الآلية وتوقيعها وإنفاذها إلى جانب جميع الصلاحيات الدستورية المتصلة بتنفيذها ومتابعتها. لكنّ منتقدي الخطوة يرون أن الدستور في المادة 124 لم يمنح الرئيس صلاحية تفويض كامل اختصاصاته إلى غيره، رغم أن الإعلان الدستوري لتنظيم قواعد الحكم خلال المرحلة الانتقالية نص في مادته قبل الأخيرة (مادة 14) على إلغاء كل ما يتعارض مع أحكامه من نصوص.
سياسيًا وميدانيًا، أخذت التطورات التي شهدها اليمن على امتداد السنوات الثلاث الأخيرة تدفع في اتجاه إعادة النظر في مجمل تركيبة السلطة التي يقف على رأسها الرئيس هادي. فمن جهة، لم تدعم الحكومة الشرعية على نحوٍ كافٍ لمواجهة الحوثيين بريًّا في الشمال، ولا في مواجهة المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يمارس نفوذًا كبيرًا في العاصمة المؤقتة عدن وبعض المحافظات الجنوبية. كما أدى بروز دور قوات العمالقة في الساحل الغربي قبل إعادة تموضعها شرقًا في محافظتَي شبوة ومأرب، وقوات العميد طارق محمد صالح ابن شقيق الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح في الساحل الغربي وباب المندب، وهي القوى التي تحظى بدعم الإمارات، إلى رسم مشهد سياسي وميداني جديد في اليمن. وقد عكس تشكيل المجلس الرئاسي موازين القوى هذه على الأرض من خلال تمثيل الجنوب بأربعة أعضاء، في حين ينحدر سبعة من أعضاء المجلس الثمانية من خلفية عسكرية وأمنية، ثلاثة منهم يتولون قيادة تشكيلات عسكرية تمتد من الساحل الغربي إلى المحافظات الجنوبية، وتوجهاتهم السياسية مختلفة، ولا يعلنون ولاءهم للسلطة الشرعية، رغم أنهم يتشاركون معها معاداة جماعة الحوثي.
ثالثًا: ردود الفعل تجاه تشكيل المجلس
لقي تشكيل المجلس دعمًا قويًا من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فهو أصلًا نتاج تفاهم بينهما؛ إذ أعلنت الدولتان مباشرة بعد الإعلان عن تشكيل المجلس عن تقديم مساعدات مالية قيمتها ثلاثة مليارات دولار لدعم الاقتصاد اليمني. ولقيت الخطوة ترحيبًا من مجلس وزراء خارجية مجلس التعاون الذي رعى الدعوة لعقد المشاورات اليمنية في مقرّه في الرياض، وترحيب الأمم المتحدة أيضًا وجامعة الدول العربية. في المقابل، أبدت جماعة الحوثي تحفظًا على الدعوة لمشاورات الرياض، ويأتي موقف الجماعة متسقًا مع مواقفها السابقة؛ حيث دأبت على رفض إجراء مفاوضات مع الحكومة اليمنية الشرعية في السعودية، فالجماعة تصف المملكة بأنها غير محايدة، وأنها طرف في الحرب، ومن ثم، لا يمكنها أن تقوم بدور الوسيط، علمًا أنّ الجماعة لا تمانع في إجراء مفاوضات مباشرة مع السعودية وهو ما جرى في السنوات الأولى من الحرب، في مفاوضات مدينة الظهران، بل في إطار تأكيد سيطرتها على اليمن وتمثيلها له. وتعدّ الجماعة وقف الحرب وفتح مطار صنعاء وفكّ الحصار والسماح بدخول المشتقات النفطية منطلقًا لأيّ مفاوضات جدية. لذلك كان متوقعًا ألّا تتجاوب جماعة الحوثي مع مشاورات الرياض وإعلان نقل السلطة إلى مجلس قيادة رئاسي من مهماته التفاوض معها؛ حيث اعتبر أحد قادتها "أن أي نشاط خارج حدود اليمن عبارة عن مسرحيات هزلية [...] تمارسها دول العدوان".
رابعًا: آفاق الحرب وإمكانية التسوية السياسية
صدر خلال السنة الأخيرة عدد من المبادرات السياسية الهادفة إلى إنهاء الحرب، منها المبادرة السعودية التي أعلن عنها، في آذار/ مارس 2021، وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، بالتعاون مع مبعوثَي الأمم المتحدة والأميركي الخاصَّين باليمن. تنص المبادرة على وقفٍ شامل لإطلاق النار تحت رقابة أممية خطوةً تجاه الوصول إلى اتفاق سياسي، وفتح مطار صنعاء أمام رحلات محددة، وإيداع الضرائب والإيرادات الجمركية لسفن المشتقات النفطية من ميناء الحديدة في الحساب المشترك بالبنك المركزي اليمني في الحديدة، وفق "اتفاق ستوكهولم". وقد لاقت المبادرة السعودية ترحيبًا دوليًا ورحبت بها الحكومة الشرعية، لكن جماعة الحوثي أبدت موقفًا سلبيًا منها لاعتقادها في إمكانية الحسم العسكري خصوصًا بعد أن أوقفت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن دعمها للتحالف السعودي-الإماراتي في اليمن ورفعت الجماعة عن قائمة الإرهاب. في المقابل، قدّمت جماعة الحوثي مبادرة خاصة بمدينة مأرب في آب/ أغسطس من العام نفسه، بالتزامن مع اتجاهها نحو التصعيد العسكري في المحافظة. وقد تضمنت المبادرة "تشكيل إدارة مشتركة متكافئة من أبناء مأرب لقيادة المحافظة وإدارة شؤونها، وتشكيل قوة أمنية مشتركة، وإخراج كافة القوات الأجنبية منها...". لكنها قوبلت بتنديد الحكومة التي اعتبرتها "محاولة لتجزئة الأزمة والحل".
وبالتزامن مع الذكرى السابعة لاندلاع الحرب وإطلاق هجمات صاروخية واسعة استهدفت المنشآت النفطية في السعودية في آذار/ مارس 2022، أصدرت جماعة الحوثي مبادرة تضمنت تعليق الضربات الصاروخية والطيران المسيّر وكافة الأعمال العسكرية في اتجاه السعودية برًا وبحرًا وجوًا، ووقف المواجهات الهجومية في عموم الجبهات الميدانية بما فيها جبهة مأرب مدة ثلاثة أيام، مع الاستعداد لتحويل وقف المواجهات إلى التزام نهائي إذا أعلنت السعودية سحب جميع القوات الخارجية من اليمن. وأثناء ذلك، وجّه مجلس التعاون دعوة للأطراف اليمنية لإجراء مشاورات بينها في الرياض، ولم تستجب جماعة الحوثي للدعوة لكنها وافقت على حضور محادثات الهدنة في العاصمة العمانية مسقط.
يوحي السياق الذي أُقرّ فيه نقل السلطة ومضامينه برغبة السعودية في حلٍّ سياسي ينهي الحرب المستمرة منذ سبع سنوات والأزمة السياسية المستمرة منذ ثورة فبراير 2011، وهو ما أشارت إليه كلمة رئيس المجلس في تأكيده أن مجلس القيادة الرئاسي هو "مجلس سلام، إلا أنه أيضًا مجلس دفاع وقوة ووحدة صف مهمته الذود عن سيادة الوطن وحماية المواطنين". وقد تضمن قرار نقل السلطة في المادة السابعة منه حول الحل السياسي الشامل، أن يتولى مجلس القيادة الرئاسي التفاوض مع جماعة أنصار الله "الحوثيين" لوقف إطلاق نار دائم في كافة أنحاء الجمهورية والجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي نهائي وشامل يتضمن مرحلة انتقالية تنقل اليمن من حالة الحرب إلى حالة السلم. وللتأكيد على هذه الرغبة، فقد سبق قرار نقل السلطة إعلان التحالف عن وقف عملياته الجوية وفتح المنفذ البحري في ميناء الحديدة لدخول المشتقات النفطية، واستئناف رحلات الطيران من العاصمة صنعاء وإليها، تجاوبًا مع الهدنة التي أعلنتها الأمم المتحدة.
خاتمة
جاء إعلان نقل السلطة وتشكيل مجلس قيادة رئاسي خارج إطار الترتيبات الدستورية وقواعد المرحلة الانتقالية. لكنه يعكس التغييرات التي حصلت على الأرض خلال السنوات الثلاث الماضية والتوافق بين السعودية والإمارات وحلفائهما من القوى السياسية والعسكرية لتقاسم السلطة والنفوذ في المحافظات التي تقع خارج نطاق سيطرة جماعة الحوثي. ويبدو المجلس مثل هيئة يتقاسمها النفوذ الإماراتي والسعودي. ورغم أن المجلس الرئاسي سيحاول التمسك بالشرعية التي امتلكتها حكومة الرئيس هادي على ضعفها في مواجهة الحوثي، وذلك من خلال الحصول على تصديق مجلس النواب الذي نص قرار نقل السلطة في مادته الخامسة على استمرار ولايته مع مجلس الشورى، وقيامهما بالمهام المناطة بهما، فإنه من المرجح أن تسعى جماعة الحوثي إلى استغلال الأجندات المتباينة لأعضاء المجلس لإضعافه وتفكيكه، ما يعني أن فرص التوصل إلى حل سياسي ما زالت ضعيفة رغم الإنهاك الذي أصاب الجميع.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها