الأحد 2022/02/06

آخر تحديث: 14:42 (بيروت)

القرشي في ميزان "الخلافة"..تحولات جوهرية أمّنت استمرار داعش

الأحد 2022/02/06
القرشي في ميزان "الخلافة"..تحولات جوهرية أمّنت استمرار داعش
increase حجم الخط decrease
في ساعة متأخرة من يوم الأربعاء في 2 شباط/فبراير، أُسدل الستار عن المرحلة الثانية لما يُعرف باسم "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، إثر عملية نفذتها قوات خاصة أميركية في بلدة أطمه السورية، وأسفرت عن مقتل ثاني زعيم للتنظيم أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، الذي تولى زعامة التنظيم خلفاً للمؤسس أبو بكر البغدادي، والذي قتل بعملية إنزال أميركية في 27 تشرين الأول/أكتوير 2019.
تسلم القرشي "الخلافة"، جاء في وقت عصيب كان يمر فيه التنظيم، الذي خسر جميع الأراضي التي كان يُسيطر عليها في سوريا والعراق، إضافة الى مقتل واعتقال الآلاف من عناصره في دائرة دول مركز التنظيم، التي كان أقساها مقتل "الخليفة" الأول البغدادي، وأبو الحسن المهاجر الناطق الرسمي باسم "داعش".
خلال ما يزيد على العامين من زعامته للتنظيم، يمكن تلخيص إدارة "الهاشمي" للتنظيم في عدد من النقاط هي:
أولاً، الانبعاث الثاني للتنظيم، حيث عمل القرشي على جمع شتات مقاتلي "داعش" الذين تفرقوا نتيجة الهزيمة والملاحقة الأمنية وعمل على محاولة الانبعاث، عبر خلق مناطق وجود جديدة له تتناسب مع المرحلة، عبر العودة لنقاط نشأة التنظيم الأولى في الصحاري والبوادي. ففي الشق السوري وقع اختيار التنظيم على البادية السورية كنقطة انبعاث له هناك، بينما في العراق عاد التنظيم إلى صحاري الأنبار الغربية ومناطق السبخات التي لطالما شكلت ملاذاً آمناً له في الأوقات الصعبة.
مساعي القرشي لبعث التنظيم نجحت، حيث تمكن من التواجد في البادية السورية وصحاري الأنبار كقوة عسكرية لها معسكرات ومقرات، وتمكنت تلك المجموعات من تكبيد أعدائها المئات من القتلى والجرحى إضافة إلى خسائر مادية كبيرة، كما نجحت إدارته في تفعيل عمل الخلايا الأمنية داخل مناطق شرق الفرات في سوريا والعديد من مدن العراق.
ثانياً، التحول من المشروع السياسي "الخلافة" إلى حالة المنظمة، نتيجة انحيازه عن المدن والأرياف التي كانت خاضعة لسيطرته، وهذا دفع التنظيم إلى تغيير إداري عسكري، تحول عبره في عهد القرشي، من حالة المركزية الشديدة التي كان ينتهجها قبل عام 2017 إلى حالة من اللامركزية الإدارية والعسكرية، وبات عمله قائماً على وحدات عسكرية ذات نطاق جغرافي محدد، تتمتع بقدرة على العمل بلا الحاجة للعودة إلى القيادة المركزية.
دوافع "داعش" وقيادته من هذا التحول كانت واضحة ولها أهداف أهمها: الهدف الأمني، لحماية بقايا قيادته المتوارية عن الأنظار والتي كانت الأطراف المعادية له تبذل جهوداً مضنية للقضاء عليها، والهدف الثاني تسهيل عمل الخلايا وتكثيف العمليات العسكرية للحفاظ على فكرة التنظيم وشعاره في البقاء: "باقية".
ثالثاً، التحول إلى الولايات الأمنية، التي تقوم على تفعيل خلايا سرية تنفّذ عمليات استهداف للأطراف المعادية. قوام تلك الخلايا، عناصر كان التنظيم أعدهم وبايعوه في فترات سابقة ولم يكشف عنهم، للعمل في مثل هذه الظروف التي يمر بها، يضاف إليهم عناصر استسلموا وأعلنوا تبرؤهم منه، لكنهم ما زالوا يقدمون الدعم لهذه العمليات، ويشكل أولئك، الجهاز السري الضارب، الذي اعتمد عليه التنظيم في حربه "الأمنية" طويلة الأمد.
رابعاً، تفعيل الفروع الإقليمية. عودة "داعش" كمنظمة دفعت القوى المناوئة له للبحث عن آليات لمنع تلك العودة، إذ سارعت إلى استدراك خطأ إعلان هزيمة التنظيم عبر محاولة زيادة الضغط والمتابعة الأمنية والعسكرية لخلاياه في سوريا والعراق، ما دفع القرشي إلى العمل على تخفيف نشاط "داعش" في دائرة المركز في سوريا والعراق، وبدأ يعتمد على تفعيل فروعه الإقليمية خاصة في أفريقيا ومناطق من آسيا الوسطى.
وهدف التنظيم من تفعيل الفروع الإقليمية إلى تفادي ردات فعل الأطراف المعادية له، ولصرف الأنظار عنه في معقل خلافته السابقة وللسماح لفروعه المنتشرة حول العالم بأخذ المبادرة والعمل، بعدما كانت دائرة المركز تستحوذ على الاهتمام الداخلي في التنظيم وبالنسبة إلى الأطراف المعادية له محلياً وعالمياً.
خامساً، الاستهداف المجتمعي، حيث عاد التنظيم لتغيير حالة الاستهداف من العسكرية للطرف المعادي، إلى التدخل في الشؤون المجتمعية للسكان المحليين في مناطق وجوده، عبر عمليات ضبط داخل تلك المجتمعات، نتج عنها إصدار عدد من القرارات مثل منع بيع الدخان والنرجيلة، وفرض الزكاة وغيرها.
سادساً، البحث عن موطئ بديل. حاول القرشي استكمال مساعي البغدادي، في العمل على إيجاد مناطق سيطرة للتنظيم داخل محافظة إدلب، مستغلين حالة الخلاف بين هيئة التحرير الشام وعدد من الفصائل السلفية، لكن هذه المحاولات فشلت بسبب حملات الهيئة المناهضة لجميع مخالفيها، والتي أفشلت جميع مساعي التنظيم في خلق موطئ قدم له في المحافظة، التي كان يريد منها بقعة جغرافية للعودة لمشروعه وملاذاً آمناً لقيادته.
سابعاً، تعزيز السلطة العراقية داخل التنظيم. استمر أبو إبراهيم القرشي في نهج قيادات التنظيم السابقة في ترك مفاتيح التنظيم بيد شخصيات عراقية، بالرغم من وجود شخصيات كبيرة ومهمة في صفوفه من بلدان مختلفة، هذا التعزيز للسلطة العراقية كان ضمن شخصيات الجيل الأول من التنظيم، بينما اقتصر دور الجيل الثاني على بعض المناصب الثانوية.
بالرغم من كل ما فعله "داعش" وزعيمه، إلا أنه فشل في العودة إلى حالة المشروع السياسي "الخلافة"، لكن ما يحسب لقيادة الهاشمي الحفاظ على بقاء التنظيم بالرغم من كل الأحداث التي عصفت به خلال السنوات الثلاثة الأخيرة.
لكن مقتل القرشي لن يكون له بالمبدأ، الأثر البالغ على "داعش" كمنظمة، فالتنظيم خسر الكثير من قادته منذ عام 2014، لكنه تمكن في كل مرة، من العودة والاستمرار في حالته الوجودية، وما يعزز هذا الاتجاه، هو وجود عديد الشخصيات القيادية من الرعيل الأول للتنظيم والتي يمكن أن تكمل المهمة والتي قد تكون حتى أكثر حنكة منه، خاصة أن الأخير كانت له سقطات استراتيجية، كما في عملية التنظيم قبل أيام التي استهدفت سجن الصناعة في محافظة الحسكة.
مهما كان زعيم التنظيم القادم والذي يرجح أنه سيكون عراقياً في استمرار لهيمنة الجناح العراقي على التنظيم، فأن الظروف الموضوعية لعودته كمشروع سياسي يملك حيزاً جغرافياَ مستقلاً صعبة جدا إذا لم نقل مستحيلة في هذه الفترة، لكن التنظيم سيسعى للحفاظ على رمزية زعيمه وسلامته كأداة جامعة لأنصاره.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها