السبت 2022/12/24

آخر تحديث: 15:44 (بيروت)

أميركا وسوريا وتكتيك الكبتاغون

السبت 2022/12/24
أميركا وسوريا وتكتيك الكبتاغون
increase حجم الخط decrease
لا وجود للمصادفات في السياسة، ولا نيات حسنة في تلمّس المصالح والأدوار، ولذلك لا يمكن تصور إثارة قضية الكبتاغون وتقديم مشروع يتعلق بتفكيك وتعطيل شبكة الإتجار بمخدرات النظام في سوريا، إلا بكونها محاولة أمريركية مباشرة لإفشال محاولات روسيا فرض تسوية بقيادتها في سوريا، يكون مستقبلها وما يرتبط بها من قضايا الشرق الأوسط بيد موسكو.
كان يمكن بسهولة ملاحظة الهدوء الأميركي في التعامل مع محاولات روسيا المستمرة لتحقيق اختراق سياسي في علاقة تركيا مع نظام الأسد، ولم تبدِ واشنطن ردود فعل متناسبة مع ما يمكن أن تعنيه تلك العلاقة من ضخ الحياة في شريان النظام وإعادة ترتيب للأوضاع في الشرق الأوسط، بشكل يؤثرعلى مصالحها لحساب روسيا وايران وكذلك تركيا، بل أن المحاولات الأميركية لثني أنقرة عن الهجوم العسكري على الشمال السوري بدت غير مؤثرة ولا فعالة بقدر المساعي الروسية التي جاءت ضمن سياق أوسع وذو علاقة بترتيبات تمتد الى التأثير حتى في الاستحقاقات الداخلية التركية ذاتها.
كان السؤال المرتبط بكل التحركات الجارية خلال الأسابيع الأخيرة، يدور حول رد الفعل الأميركي الذي بدا وكأنه غير مكترث بما يجري، وكأن هناك اتفاقاً بين موسكو وواشنطن للتهدئة في هذه الجبهة وإبعادها عن تداعيات الصراع الحالي حول الحرب الأوكرانية، وهو بالطبع احتمال ممكن في سياق سياسة الفصل بين الملفات، لكن المشكلة أن نتائج التحركات السورية يمكن أن تتسبب بضرر بالغ لوجود الأميركيين المحدود في سوريا أو لحلفائهم في قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
في واقع الأمر، لا تملك الولايات المتحدة الكثير من أوراق القوة الميدانية على الأرض السورية، وحتى وجودها البسيط المتناثر في الشرق السوري الصحراوي وشمال الشرق بصحبة قسد، فهو فضلا عن كونه محدود، فإنه بموجب القوانين الدولية (غير شرعي)، بسبب رفضه من حكومة الأسد، بل واتهام القوات الأميركية ب"سرقة" النفط السوري، والسماح لقسد باستثماره وبيعه وحرمان الدولة من عوائده.  هذا الوضع لم يمنح الأميركيين الكثير من التأثير، بل إنهم لم يلقوا أذاناً صاغية حتى من قبل حلفائهم الأتراك، لأنهم لا يمتلكون بالمقابل ما يقدمونه لأنقرة كي توقف خططها لمهاجمة قسد، فيما نجحت روسيا على الأقل في تأجيل الهجوم التركي بانتظار حلول ربما يكون شقها السياسي أكثر أهمية.
إزاء ذلك، كان يمكن تفهم "الصمت" الأميركي على أنه اضطراري، لكن يبدو أن الامر خلاف ذلك، حيث تعمل واشنطن منذ وقت ليس بالقصير على "تحسين" وضعها السوري لسدّ هذه الثغرة في المواجهة الدولية مع روسيا، وهي تستعد اليوم للقيام بعملية خلط للأوراق الخاصة بسوريا من خلال تحويل النظام الحاكم الى عصابة خارجة عن القانون وغير جدير أو مؤهل لا للحكم ولا لإبرام معاهدات سلام مع أي دولة كانت.
تحضر هنا قضية الكبتاغون بوصفها نمط من أسلوب ضغط أميركي لإثبات الحضور في سياق التسوية الراهنة. ربما لا تريد أميركا إلغاء الحاجة لتسوية، لكن استبعادها من المشاورات أو دائرة المصالح، بل ومن فرض الخيارات، سيكون بالطبع غير مقبول، وهي يمكن أن تمضي إلى أي خيار لإفشال المسعى الروسي الراهن.
سيكون لهذا القرار الذي وقّعه الرئيس جو بايدن، تأثير مستقبلي على تعزيز العقوبات الاقتصادية التي جاءت في (قانون قيصر)، تظهر آثارها خلال العام القادم، لكن يمكن أيضاً تلمس أثراً فورياً محتملاً له، يتعلق بصورة نظام الأسد، وتحويله من مجرد نظام دموي قاتل لشعبه إلى نظام مارق وخطير على المجتمع الدولي سواء بسبب دمويته أو ما تسبب به من أزمات إقليمية ودولية من بينها إجبارعدة ملايين السوريين على اللجوء، والمساهمة في تنامي ظاهرة الإرهاب ودعم الارهابيين، وأخيراً تصنيعه للحبوب المخدرة وتصديرها للدول الإقليمية والى أوروبا وربما إلى الولايات المتحدة مستقبلاً.
مثل هذه "الصورة" ستكون حاضرة في أي اتفاق قد تصل إليه تركيا مع الأسد برعاية روسيا وإيران، فلن يكون مشرفاً لأنقرة بالطبع أن تتفق مع عصابة مخدرات، على تسوية سياسية، حتى لو كانت في حاجة إليها، ولن يكون مستغرباً أن تستثمر السياسة الأميركية القرار الجديد، لتشكك في شرعية النظام وبالتالي شرعية أي اتفاق يجري معه.
ليس معروفاً بطبيعة الحال حدود استفادة إدارة بايدن من القرار، فهي قد تستخدمه على صعيد قانوني أو جنائي أو حتى عسكري ضد النظام، وربما يكون للابتزاز فقط وتكريس مصالح للولايات المتحدة، لكن في كل الأحوال، فإن التحرك الأميركي في سوريا محكوم بالقدرة المحدودة على الأرض، وسوء التفاهم مع تركيا، وضعف الأوراق الإقليمية أمام إيران، والأهم الفشل في وقف جرائم النظام السوري منذ خطوط أوباما الوهمية حينما كان بايدن نائباً له، وما تبعه ذلك من بقاء النظام وتراجع فرص تغييره، حتى بلغنا حدود الكبتاغون.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها