الأحد 2022/12/11

آخر تحديث: 12:50 (بيروت)

وقف الحرب دون إحلال السلام في سوريا

الأحد 2022/12/11
وقف الحرب دون إحلال السلام في سوريا
increase حجم الخط decrease
لو صدقت الأنباء المتعلقة بالخطة الروسية الخاصة بشمال سوريا، فإنها يمكن أن تفضي إلى وقف الهجوم التركي المرتقب، وتوفر بداية لمقاربة سياسية جديدة، تقود فيها موسكو صفقة مفترضة تتضمن حلولاً متعددة الأبعاد ليس من بينها تغيير النظام أو محاسبته ولا تغيير نهجه.

تتضمن المقترحات الروسية التي أكدتها مصادر تركية لقناة "الجزيرة" سحب عناصر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من عين العرب (كوباني) ومنبج شمالي سورية مع أسلحتهم، مقابل وقف خطط الهجوم التركي، وهو ما ترى موسكو أنه يمنح أنقرة ما تريد دون الحاجة إلى عملية عسكرية.

سيعني تنفيذ الخطة الروسية إخلاء غربي الفرات من أي وجود ل"قسد"، من عين العرب التي تقع على الحدود التركية شرقي الفرات وعلى الطريق الدولي السريع الذي يربط شمال شرق سوريا مع بقية أنحاء البلاد، وكذلك من منبج شمال شرقي حلب الواقعة في قلب عقدة مواصلات مهمة، ولم يتضح بعد من سيملأ الفراغ في هذه المناطق، هل هو الجيش السوري الحرالمدعوم من تركيا، أم قوات النظام التي انتشرت بالفعل في مناطق مختلفة بترتيبات خاصة مع "قسد".

وبغض النظر عن التفاصيل الأخرى في المقترح الروسي، إلا أن طرحها وقبول "قسد" بها حسبما نقلته المصادر ذاتها، يعني تعزيز الدور الروسي في سوريا، وتراجع الدور الأميركي والأممي، لتصبح لموسكو قدرات أكبر في تمرير خطط لإنهاء الحرب في سوريا، يمكن أن تلبي المصالح السياسية والأمنية التركية، وتضمن في الوقت نفسه، الحضور الروسي الفاعل في جميع الترتيبات المقبلة

يمكن أن توفر الخطة تطمينات مهمة لتركيا، وتراجعاً مهما لقوات "قسد" من مواقع مؤثرة، لكن تبعاتها السياسية تفوق أثرها الميداني، لا سيما في تأمين سيطرة قوات النظام وميليشياته على أجزاء جديدة تصل إلى الحدود مع تركيا، بموافقة أنقرة التي طالبت بسيطرة مؤسسات النظام على المناطق الحدودية بدلاً من قوات "قسد"، في مؤشر واضح على مقاربة تركية جديدة، تتجاوز حدود الواقعية، إلى نمط من التهيئة لتفاهمات مع دمشق تتغير بموجبه الديناميات الأمنية في الشمال الخاضع لسيطرة الفصائل المدعومة من تركيا، ليتحول بشكل ما إلى سيطرة النظام من جديد.

بطبيعة الحال كل هذه الاحتمالات ما زالت مجرد نظريات افتراضية عامة مليئة بالتفاصيل المعقدة، لكنها في النهاية توضح الشكل العام الذي يمكن أن تسير إليه التسوية المحتملة في سوريا، وفرص أن تصل إلى حلول غير عادلة، قد توقف الحرب، لكنها لن تنهي جذور النزاع، ولا تؤسس مقومات للسلم الأهلي طويل المدى.

مشكلة سوريا، أن الجميع قد وضع قضيتها على الرف، وحولها إلى مجرد قضية إنسانية في أحسن الاحوال، فتلقفتها روسيا في لحظة مناسبة تماماً لها، مستفيدة من رصيد قوتها هناك، بعد سبع سنوات من التدخل المسكوت عنه غربياً ودولياً، وفي ظل مزاج تركي ساع لتسوية مريحة قبل الانتخابات، تضمن الأمن وحل أزمة اللاجئين السوريين، والتخلص من عبء هذا الملف المرهق بعدما باتت ترى أن تكاليفه السياسية والأمنية أعلى من مردوداته بكثير.

روسيا استفادت أيضاً من فشل مريع للأمم المتحدة التي اضاعت وقتاً ثميناً في خطط ومقاربات عززت قوة النظام، وقسّمت المعارضة، ولم تتقدم خطوة واحدة نحو حل حقيقي وعادل، حتى فيما يتعلق بتطبيق قرار مجلس الأمن 2254، فيما استفاد النظام من متغيرات الظروف والمزاج الاقليمي والدولي، وتشتت المعارضة، والنفاق الغربي، ومن تحول الثورة إلى مجرد ظاهرة رغائبية تعتاش على ميراثها بدل تجديد ذاتها.

وسط هذا الركام الذي خلفته المحنة السورية، تجد روسيا فرصة، لتصنع حلاً، تستميل فيه تركيا وتستفيد من حضورها في الملف الأوكراني، وتجدد شرعية النظام، وتعزز مصالح إيران ولكن ضمن محور بات يتجاوز حدوده الإقليمية ليتحول إلى أحد أدواتها في صراعها الراهن مع الغرب. وسط كل ذلك، يمكن لروسيا أن تحقق اختراقاً جوهرياً، قد يمنحها نقطة ثمينة تعادل بها أزمتها الأوكرانية، وقد تقايض به لاستعادة ما بدا أنه يضيع منها.

غير أن الطريق أمام روسيا لن يكون سالكاً تماماً، فما زالت هناك قوى على الأرض، ستجعل الأمر أكثر صعوبة بكثير، منها الفصائل المتشددة التي سيكون من الصعب حسم مصيرها سياسياً، ولن ننسى أن الأميركيين لن يكونوا في وارد خسارة في سوريا قد تكلفهم الكثير على صعيد الشرق الأوسط، لذلك قد تقوم واشنطن بحركة تعقد فيه المسعى الروسي، رغم أن مقاربتها السورية أفقدتها الكثير من أوراق النفوذ والتاثير، فضلاً عن أن علاقاتها مع حلفائها العرب، وكذلك الأتراك تمر بواحد من أسوأ أوقاتها.

أما الشعب السوري فهو أمام الخروج من حلقة الموت إلى دائرة اليأس، مع أمل وحيد بمواقف واضحة وموحدة ترفع الشرعية عن أي حل يعيد إنتاج النظام، ولا يحقق العدالة، وفك الارتباط مع أي طرف يمكن أن تكون مصالحه متناقضة مع مصالح السوريين، لكن من يحقق ذلك وكيف، هذا ما يبدو أنه رهان صعب في لحظة فارقة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها