الخميس 2022/01/13

آخر تحديث: 18:10 (بيروت)

المؤبد لأنور رسلان..ثاني أقسى حكم في القانون الألماني

الخميس 2022/01/13
المؤبد لأنور رسلان..ثاني أقسى حكم في القانون الألماني
© Getty
increase حجم الخط decrease
ابتداءً من الساعة السادسة فجراً، وفي أجواء تقترب درجة حرارتها من الصفر، اصطف طابور من المعتقلين السوريين السابقين، وذوي الضحايا الذين كتب لهم النجاة من المعتقلات، أمام بوابة محكمة كوبلنز، لمشاهدة اللحظة التاريخية التي ستعلن فيها محكمة المدينة حكمها بخصوص ضابط المخابرات السورية السابق العقيد أنور رسلان.

جاء الراغبون بحضور المحاكمة من عدة دول، وهم من المدعين بالحق الشخصي، والشهود، وأعضاء منظمات حقوقية واعلاميين، ونشطاء مهتمين، لم تتسع لهم قاعة المحمة، فبقي العشرات منهم خارج القاعة، يترقبون صدور الحكم، وانظارهم معلقة بباب المحكمة.

رفع عدد من المتجمهرين صور ضحايا يُعتقد أنهم فقدوا أو قتلوا تحت التعذيب في فرع الخطيب، الذي كان يعمل فيه أنور رسلان، وتحدثت فتاة من حلب، رفعت صورة عمها الطبيب ذو الستة والعشرين عاماً، والذي اقتيد من مشفى في دمشق كان يتابع فيه تخصصه الطبي.

لكن الحالة التي كانت أكثر لفتاً لأنظار الإعلام الألماني والدولي هي حالة الشابة السورية ياسمين المشعان، التي أجهشت بالبكاء بينما كانت تنتظر على باب المحكمة، وهي تحمل على صدرها لوحة تزدحم بصور خمسة شبان، تبين أنهم إخوتها الذين قضوا بطرق متعددة. 

قالت ياسمين ل"المدن" وهي تشير للصور: "هذا شقيقي عقبة، اعتقل في آذار 2012، تعرفنا على صورة جثته في أرشيف قيصر، وهذا شقيقي الأكبر تشرين، كان عمره 40 سنة، استهد برصاص قناص من قناصي النظام وهو داخل منزله في سنة 2012،  وهذا عبيدة كان يعمل مسعفاً، استشهد أثناء إسعافه لأحد الجرحي برصاص قناص من قوات النظام أيضاً، وهذا شقيقي زهير، استشهد في المجزرة التي ارتكبها النظام بحق أهالي دير الزور عندما تجمهروا بالقرب من وفد الجامعة العربية، وكان طالباً، أما الأخير فهو بشار، وقد اعتقله تنظيم داعش سنة 2014، وقيل لنا أن التنظيم قد ذبحه، ونحن نعتبر تنظيم داعش احد أدوات النظام لقتلنا ليس إلا."

وتابعت ياسمين قائلة: "مهما كان الحكم الذي سيصدر لن يكون ذا معنى إذا لم نتابعه، هو سيكون فقط بداية لعملنا وتكريس لقضية معتقلينا والمغيبين قسرياً، ونحن لن نكتفي به، بل سنجعله دليلاً للاستمرار في محاسبة كافة أعضاء النظام، وصولا إلى رأسه بشار الأسد، هذا فقط ما يريح أرواح شهداءنا، وهو تحقيق الهدف الذي ضحوا بأرواحهم من أجله".

لم  تستغرق التحضيرات لإعلان حكم المحكمة أكثر من ساعة، خرج بعدها من يخبرنا ممن تسنى لهم الحضور الحي لإعلان الحكم، أن أنور رسلان قد حُكم عليه بالمؤبد، مع تحمل كامل التكاليف للمتضررين.

"المدن" توجهت إلى المحامي طارق حوكان، المتابع للقضية منذ بدايتها، وسألته عن معنى "السجن المؤبد" في القانون الألماني فقال:" هذا الحكم يعني السجن مدى الحياة، لكن يحق للمحكوم أن يتقدم بطلب إخلاء سبيل بعد خمسة عشر عاماً، ولسلطات السجن تقدير الحالة، بناء على الوضع الصحي وعلى سلوكه. والحكم هو ثاني أقصى عقوبة في القانون الألماني، والأعلى هو السجن المؤبد المشدد، ومن ينزل به لا يحق له التقدم بطلب إخلاء سبيل".

المحامي حوكان وهو مدير المكتب القانون للمركز السوري للاعلام وحرية التعبير، قال أيضاً إن "المحكمة الإقليمية العليا هي من أصدر الحكم، تحت الولاية القضائية العالمية، لأن الضحايا والمتهم ليسوا من حاملي الجنسية الألمانية، ولكن كليهما على أراضيها". وأوضح أن محامي رسلان يحق له الطعن بالحكم أمام المحكمة الفيدرالية العليا الألمانية، وهذه يمكن أن تعيد ملف القضية لمحكمة كوبلنز، فيما لو تبين لها أن الإجراءات القانونية لم تتبع بشكل تام، وعلى محكمة كوبلنز عندها أن تعيد النظر في الحكم". 

لكن حوكان استبعد أن يحدث أي تغيير في الحكم نظراً للكم الكبير من الأدلة التي لا يمكن دحضها، التي تدين المتهم. وعبّر عن ارتياحه للحكم، لأنه ثبّت "السردية" التي تحدث عنها ملايين السوريين منذ عشر سنوات، بحكم قضائي مبرم، ولم يعد مجرد تقارير حقوقية أو إعلامية، على أهميتها، تبقى بدون سند قانوني محكم.

وقد لاقى الحكم ارتياحاً واسعاً في صفوف ذوي الضحايا والنشطاء والمعارضين السوريين، حيث قال المحامي محمد صبرا، وهو شقيق معتقل مجهول الوضع منذ عدة سنوات، إن العقوبة التي أُنزلت بأنور رسلان "هي خطوة صغيرة لتحقيق العدالة للشهداء والمعتقلين، مع أنه لم يصدر في سياق المحاسبة الشاملة للنظام التي نطالب بها.. ومع أن الحكم أدان أنور رسلان بسبب أعماله الفردية، إلا أنه إدانة للنظام بمجمله، بما أن رسلان مجرد عضو فيه، وارتكب جرمه بفضل السلطة الممنوحة له من أعلى هرم ذلك النظام، أي من بشار الأسد بشكل محدد". 

وطالب صبرا بالتشدد بالمطالبة بالعدالة الشاملة للضحايا السوريين، على غرار ما تم مع أنور رسلان، والابتعاد عن الطرق والمفاهيم التي تميّع القضية الحقوقية، مثل مفهوم العدالة الانتقالية، التي كان رسلان على سبيل المثال سيحكم وفقها من ثلاث إلى خمس سنوات لا غير". وأضاف أن "محاكمة رسلان والحكم الصادر بحقه، سقف لا يجوز لنا التنازل عنه أو القبول بما هو أدنى منه".

وكان أنور رسلان قد كتب مرافعة ختامية، قُرأت في قاعة المحكمة، يوم 11 كانون الثاني/يناير، شرح فيها بالتفصيل دوره منذ تفجر الثورة السورية حتى انشقاقه، نافياً التهم المنسوبة إليه، وأكد عدم رضاه عما قامت به المؤسسة الأمنية التي كان عضواً فيها، واصفاً عجزه عن القيام بأي شيء لمناهضة أسلوب العمل الذي اتبع، وقال حرفياً:" رسالتي هذه أتوجه بها إلى الشعب السوري كله، أنا آسف كل الأسف لأنني لم أستطع مساعدتكم أكثر من ذلك! ولم أستطع أن أمنع آلة القتل". وانتهى إلى القول بأنه سيقبل قرار المحكمة، مهما كان، لأنه مؤمن ب"العدالة الألمانية".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها