الثلاثاء 2021/08/24

آخر تحديث: 20:22 (بيروت)

رام الله:السلطة المأزومة تعتقل "متظاهرين" قبل أن يتظاهروا

الثلاثاء 2021/08/24
رام الله:السلطة المأزومة تعتقل "متظاهرين" قبل أن يتظاهروا
© Getty
increase حجم الخط decrease
"أخشى على زوجي بسبب مناعته الضعيفة في ظل ظروف اعتقال صعبة".. هكذا لخصت الصحافية هند شريدة قلقها الشديد على زوجها أُبي العابودي الذي اعتقله الأمن الفلسطيني السبت، قبل وصوله إلى مركز مدينة رام الله للمشاركة في تظاهرة رافضة لقمع الحريات ومُطالِبة بمحاكمة المتهمين في قتل الناشط نزار بنات.

العابودي، وهو أسير محرر أمضى في سجون الاحتلال أكثر من خمس سنوات، لم يكن المعتقل الوحيد بل اعتُقل إلى جانبه نشطاء آخرون بينهم أسرى محررون ومُحاضِرون جامعيون ومدافعون عن حقوق الانسان على مدى الأيام الثلاثة الأخيرة، بينما كانوا يهمّون للتظاهر وسط رام الله. وأفرجت الشرطة عن بعضهم فيما أبقت على توقيف آخرين، مبررة الاعتقالات ب"عدم توفر تصريح وإذن رسمي من الجهات الرسمية بإقامة التجمهر".

مصدر حقوقي وثق ل"المدن" عشرات الاعتقالات التي نفذتها الأجهزة الامنية الفلسطينية في الشهرين الأخيرين بحق نشطاء ومتظاهرين ضد ممارسات السلطة في الضفة الغربية وغضباً مِن قتل نزار بنات.

وروت الصحافية هند شريدة ل"المدن" حيثيات اعتقال زوجها للمرة الثانية في غضون شهرين للذريعة ذاتها، مؤكدةً أنها فقدت الاتصال به عند الساعة السادسة من مساء السبت، قبل أن تعلم بمصيره معتقلاً بعد ساعتين. وأضافت "هم اعتقلوا زوجي وجميع النشطاء أساساً قبل أن يُنظّم التجمع السلمي".

وتحدثت شريدة عن ظروف اعتقال صعبة نقلاً عن أُبي العابودي بناءً على اتصال هاتفي أجراه معها لدقيقتين ليل السبت؛ إذ أخبرها بأن غرفة الاحتجاز التي يتواجد فيها ممتلئة بأربعين شخصاً، بينما تتسع لتسعة فقط. وهو ما زاد من خوف هند الشديد على صحة زوجها في ظل جائحة كورونا، بسبب مناعته الضعيفة، خاصة وأن التقرير الطبي الصادر عن الاحتلال الاسرائيلي قد أكد ذلك حينما كان أسيراً لديه.

المحامي والحقوقي داود درعاوي اعتبر أن الاعتقالات في صفوف النشطاء تتم في سياقها "الطبيعي" و"الحتمي" ارتباطاً بما وصفها "حالة الهيمنة والتفرد" وغياب مبدأ سيادة القانون والتداول السلمي للسلطة، باعتبار أن الشعب هو مصدر السلطات.

وأعرب درعاوي في حديثه ل"المدن"، عن اعتقاده بأن حملة الاعتقالات التي شنتها السلطة بهذا الشكل والتي تستهدف بالدرجة الأولى حرية الرأي وما يتصل بها من حق بالتجمع السلمي، هو تعبير عن "الفشل الذريع للنظام السياسي ومؤشر على أنه في حالة احتضار دستوري وقانوني.. فيلجأ إلى البحث عن شرعيته عبر الهراوات والاعتقالات"، وفق قوله.

ووصف الدرعاوي، تبرير الشرطة الفلسطينية لاعتقال النشطاء من منطلق "انتهاكهم القانون"، بأنه "تبرير مُخالف" بحد ذاته لما هو منصوص عليه في القانون الأساس، حيث يصل الأمر في أقصى حالاته إلى "جُنحة" تقتضي فرض غرامة دون "الاعتقال التعسفي".

ويشترط القانون من الراغبين بالتجمهر السلمي إشعاراً وإخباراً للمحافظ والشرطة، لا الحصول على الموافقة من عدمها. لذا، تبدو اعتقالات السلطة الفلسطينية غير قانونية وتأتي في سياق سياسي "مأزوم"، يقول الدرعاوي.

وأدرج حقوقيون هذه الاعتقالات بأنها "جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها وتضمن تعويضاً عادلاً من قبل السلطة الفلسطينية لمن وقع عليه الضرر"، معتبرين أن حدوثها بشكل متكرر وعلى نطاق واسع من دون مساءلة للمتورطين فيها، سلوكٌ يؤكد أنها تتم بشكل منهجي مُتعمد.

غضبٌ عابر للحدود
ورصدت "المدن" مواقف حقوقية وسياسية دولية عبرت عن غضب غير مسبوق من ممارسات السلطة. وقد عكس ذلك مدير منظمة "هيومن رايتس ووتش" في إسرائيل وفلسطين عمر شاكر. إذ أكد أن المنظمة توثق أولاً بأول "الاعتقالات التعسفية" التي تجري بشكل "ممنهج" من قبل السلطة الفلسطينية. وأضاف أن الأمن الفلسطيني اعتقل النشطاء في اليومين الماضيين قبل مشاركتهم في التظاهرة السلمية التي كانت مقررة، بينهم مدافعون عن حقوق الإنسان.

وقال عمر شاكر ل"المدن"، إن السلطة تعتقل النشطاء بسبب معارضتهم لسياسات السلطة، حاثاً إياها على الإفراج عنهم ووقف الاعتقالات "التعسفية". واعتبر أن الانتهاكات تقع دائماً منذ تأسيس السلطة، وهي مستمرة رغم كلام رئيس الوزراء محمد شتية عن الإصلاح ووقف الممارسات التي تمس بالحريات.

وطالب شاكر بضغط دولي وخاصة من المانحين بشتى الوسائل على السلطة الفلسطينية لوقف الاعتقالات. كما حثّ المدعي العام في محكمة الجنائية الدولية ان ينظر في انتهاكات السلطة التي وصلت لمرحلة تتطلب ذلك".

من جانبه، كشف مصدر أوروبي في القدس ل"المدن"، عن غضب واستياء عالي المستوى من دول الاتحاد تجاه ممارسات السلطة وخاصة الاعتقالات الاخيرة بحق النشطاء. وقال إن الأمور تتجاوز المُتوقَّع وباتجاهات صعبة؛ الأمر الذي يفاقم العلاقة المتوترة أصلا بين الاتحاد الأوروبي والسلطة الفلسطينية منذ تأجيل الانتخابات وما تبعها من واقعة مقتل الناشط نزار بنات ومرورا بالمساس بحقوق الانسان.

وتابع: "الاعتقالات الاخيرة زادت من توتر العلاقة وصعوبتها.. لدينا استياء من المرحلة التي وصلت إليها السلطة. ولا يوجد تعاطٍ إيجابي من قبلها رغم الحوار الذي أجرته أوروبا طيلة الفترة الماضية معها".

وختم المصدر الأوروبي بالقول إن "الأمور معقدة وكأوروبيين ذاهبون لمربعات بالعلاقة لم تصل إليها من قبل".


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها