الخميس 2021/06/03

آخر تحديث: 16:34 (بيروت)

احتجاجات منبج: لماذا تتهم قسد النظام؟

الخميس 2021/06/03
احتجاجات منبج: لماذا تتهم قسد النظام؟
increase حجم الخط decrease
يسود الهدوء الحذر مدينة منبج في ريف حلب الشرقي، منذ الإعلان عن التوصل لاتفاق مبدئي بين وجهاء المدينة وقيادات في قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تسيطر على المدينة.

وكان مجلس منبج العسكري التابع لقسد قد أعلن الأربعاء عن مجموعة من القرارات الهادفة إلى امتصاص الغضب الشعبي، من ضمنها وقف حملة التجنيد الإجباري ومحاسبة المسؤولين عن قمع المظاهرات.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي حسن النيفي وهو من مدينة منبج، أن "مجمل المعطيات كانت تشير إلى حصول نوع من التفاهم بين المتظاهرين وقسد في منبج، ذلك أن الأخيرة فوجئت باحتدام المظاهرات وبلوغها درجة الغضب الشعبي، نتيجة تورط الأمن باطلاق الرصاص وقتل المتظاهرين، وبالتالي باتت قسد تبحث عن مخرج لها من مواجهة لا تستطيع التكهن بنتائجها".

ويقول النيفي ل"المدن"، إن "خيارات أهالي منبج محدودة، فهم إن لم يقبلوا بالتهدئة فإن النظام يتربص بالجميع، ويبدو أن هناك تخوفاً كبيراً لدى المواطنين من صفقة بين الإدارة الذاتية والروس تتيح للنظام احتلال منبج وبالتالي اختيارهم للتهدئة وقبول قسد هو قبول بالسيء خشية من الأسوأ".

وهذا ما حصل بالفعل، إذ توصل الطرفان إلى اتفاق يقضي بتعليق قرار التجنيد الاجباري والافراج عن معتقلي الحراك ومحاسبة الذين أطلقوا النار على المتظاهرين، وهي بنود تمثل الحد الأدنى من المطالب حالياً.

وهذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها منبج، كبرى مدن ريف حلب، احتجاجات على هذا المستوى منذ سيطرة قسد عليها في تموز/يوليو 2016، بينما كانت أحد أهم نقاط التجاذب والتفاوض بين القوى الرئيسية في الصراع السوري صيف العام 2018، وانتهت بعقد اتفاق بين الولايات المتحدة وتركيا يقضى بإخراج قوات قسد من المدينة، وتسليمها لهيئة حكم من أبنائها، على أن تشترك قوات الدولتين بحفظ الأمن فيها من خلال تسيير دوريات مشتركة.

وجاء هذا الاتفاق كحل وسط بين الجانبين بعد تهديدات تركية باقتحام المدينة، في الوقت الذي تدخلت فيه روسيا وأعلنت استعداد النظام لنشر قوات تابعة له في محيطها، وإعادة تفعيل الإدارات المدنية التابعة له في منبج من دون دخول قوات الأمن إليها، وهو الأمر الذي لم تبدِ أنقرة معارضة له من حيث المبدأ، الأمر الذي دفع واشنطن للتدخل.

لكن الاتفاق الأميركي-التركي لم ينفذ، حيث اكتفت تركيا وقتها بالسيطرة على أجزاء واسعة من الشريط الحدودي في شمال شرق سوريا ضمن عملية "نبع السلام"، ورغم أنها طالبت لاحقاً بتنفيذ الاتفاق، إلا أن أنقرة بدت راضية عما حققته، خاصة وأن منبج لا تقع على الحدود السورية-التركية بشكل مباشر.

البرود التركي كان واضحاً كذلك في ما يتعلق بالاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت في المدينة وريفها يوم الاثنين الماضي، وهو ما يفسره مراقبون بتخوف أنقرة من أن يجير النظام وروسيا أي تطور من أجل السيطرة على منبج، خاصة مع الاتهامات التي وجهت لشخصيات وقوى عشائرية، تتهم بأنها مؤيدة للنظام، باستغلال هذه الاحتجاجات.

وبينما لا تشكل منبج أولوية  بالنسبة لتركيا، على الأقل في الوقت الحالي، فإن المدينة تعتبر مهمة جداً بالنسبة للنظام وحلفائه، ليس فقط كونها أكبر تجمع سكاني وجغرافي في ريف حلب، بل وأيضاً بسبب وقوعها على الطريق الدولي (إم-4) الواصل بين العراق وميناء اللاذقية، والسيطرة عليها سيمهد لفتح طريق جديد للشحن، في ظل المشاكل الكبيرة التي يسببها تنظيم "داعش" للطريق المار بالبادية عبر محافظتي دير الزور وحمص.

وعليه، فقد سارع مسؤولون في الإدارة الذاتية ومجلس منبج العسكري إلى اتهام النظام "بإشعال الفتنة في المدينة، مشيرين إلى قيام النظام "من خلال كافة منابره الإعلامية بالتحريض على الإدارة الذاتية في منبج من أجل تأليب الرأي العام ضدها"، في وقت أبلغت مصادر عسكرية "المدن"، أن "القوات الروسية عرضت على قسد نشر حواجز تابعة للفرقة الرابعة داخل منبج، والسماح للنظام بافتتاح الدوائر الرسمية وشعبة التجنيد في المدينة، مقابل ضمان تهدئة الشارع الغاضب".

لكن ما سبق لا يعتبر، حسب الكثيرين، سبباً لاتهام جميع المحتجين بالتبعية للنظام، خاصة وأن إعلام الإدارة الذاتية يركز في دفاعه على قضية "التجنيد الإجباري" متسائلاً عن سبب اندلاع الاحتجاجات في هذا التوقيت، على الرغم من أن القرار يطبق منذ أربع سنوات دون أي مشاكل، بينما يتجاهل الأسباب الأخرى التي دفعت لاتساع دائرة الحراك الشعبي الأخير، وتتعلق جميعها بتزايد الفساد وتردي الأوضاع الاقتصادية للسكان وفرض المزيد من الضرائب.

وتعليقاً على هذه النقطة، يقول المحلل السياسي درويش خليفة في تصريح ل"المدن": "لا شك أن انطلاق الاحتجاجات من منطقة إحدى العشائر المعروفة بموالاتها للنظام تاريخياً والظهور السريع لبعض وجهائها لتصدر المشهد يطرح أسئلة حول دور النظام في ما حدث، لكن ذلك لا يلغي الأسباب المشروعة التي دفعت الكثيرين للمشاركة في المظاهرات، وفي مقدمة ذلك فرض الإدارة الذاتية ضرائب إضافية على الكثير من المواد الغذائية المستوردة، إلى جانب مواد البناء، وكذلك النقص المتزايد في المحروقات، ما أدى إلى انتشار ظاهرة الطوابير التي لم تعرفها المدينة من قبل".

ويضيف أن "مدينة منبج شديدة الأهمية بالنسبة للنظام، وهو سيبقى متطلعاً لإعادة السيطرة عليها بكل الوسائل". لكنه رأى أن تجاهل الإدارة الذاتية تراجع الخدمات في المدينة، والتفشي المتسارع للفساد، مع جنوح قادة أكراد في الإدارة إلى فرض نفوذهم بشكل يخالف سياستها السابقة، إلى حد فرض شراكتهم في المشاريع التجارية، إضافة إلى التوسع في تطبيق نظام الكفيل ليشمل حتى قسماً من أبناء منبج أنفسهم، "فهذا يجعل اتهام جميع المحتجين بالارتباط بالنظام متهافتاً".

وبينما كان يُنظر إلى منبج على أنها أفضل تجارب الإدارة الذاتية في حكم المناطق التي تسيطر عليها، تضع الاحتجاجات الأخيرة المدينة ضمن المناطق التي تشهد غضباً متصاعداً من قبل السكان تجاه سوء الإدارة وتفشي الفساد، بالإضافة إلى تحكم القيادات الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني بالمفاصل الاقتصادية في المدينة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها